مقالات وآراء

العدالة أحد أسئلة وقف الحرب في السودان

 

د. الشفيع خضر سعيد

نكرر قناعتنا الثابتة بأن أي مجهود لوقف الحرب الدائرة الآن في السودان، لن يأتي أُكله إلا إذا طرح وأجاب على ما أسميناه بالأسئلة الصعبة المتعلقة بهذه الحرب، وهي:
1 ـ ماهي الخيارات المتاحة حول مستقبل ودور قيادة القوات المسلحة في السودان بعد انتهاء الصراع؟ 2 ـ ما هي الخيارات حول مستقبل قوات الدعم السريع ومستقبل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى على أساس مبدأ بناء الجيش المهني الواحد في البلاد؟ 3 ـ كيف ننتعامل مع البعدين الدولي والإقليمي في الحرب؟ 4 ـ كيف نحافظ على جذوة الثورة متقدة رغم الحرب، ورغم أن الغدر والخيانة لازما الثورة منذ لحظة الإطاحة برأس نظام الإنقاذ في أبريل/نيسان 2019؟ 5 ـ كيف نطور إطارا للعدالة والعدالة الانتقالية يضمن المساءلة عن جريمة الحرب وإنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب؟ 6 ـ ما هي تفاصيل العملية السياسية من حيث أجندتها وأطرافها؟
وعلى امتداد مقالاتنا الخمس السابقة تناولنا الأسئلة الأربعة الأولى، وندلف اليوم إلى السؤال الخامس حول العدالة والعدالة الانتقالية حيال جريمة إشعال الحرب وما ارتكب من آثام وانتهاكات قبلها وأثناءها.
حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، هي جريمة مكتملة الأركان وتستوجب مساءلة وعقاب كل من تسبب فيها ويؤجج نيرانها. قبل اندلاع الحرب، وإبان المناقشات والمفاوضات حول الاتفاق الإطاري، كتبنا بأن أي اتفاق، إطاري أو خلافه، لن يحل الأزمة في البلاد، والتي استفحلت عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ما لم يتضمن معالجات حاسمة لأربع قضايا رئيسية تشمل قضية العدالة والعدالة الانتقالية، ومسألة الإصلاح الأمني والعسكري، ومراجعة اتفاق جوبا لسلام السودان، وتفكيك نظام الإنقاذ. وأشرنا في مقال لاحق إلى أن الفشل في التوصل إلى تفاهمات حاسمة حول هذه القضايا الأربع كان أحد مصادر قدح شرارة الحرب التي لاتزال تدمر وتحرق الوطن. وقلنا إن قضية العدالة تأتي على رأس هذه القضايا الأربع، فهي القضية المركزية ومفتاح الحل للخروج من حالة التأزم آنذاك، وما كان تأجيل حسمها سوى وضع للعربة أمام الحصان. واليوم نقول، إن قضية العدالة يجب أن تكون على رأس أجندة أي عملية تفاوضية لوقف الحرب، وإذا كان بعض هذه الأجندات يسمح بخضوعه للتنازلات من هنا وهناك أثناء الحوار والتفاوض، فهذا غير وارد بالنسبة لقضية العدالة والتي إذا لم يتم مخاطبتها بشكل مباشر وجدي يضع النقاط علي الحروف، ستصيب أي عملية سياسية تفاوضية لوقف الحرب بالسكتة الدماغية.
إن المبدأ الرئيسي بالنسبة لحيثيات قضية العدالة التي ستطرح على طاولة التفاوض هو أنه لا يمكن

قضية العدالة يجب أن تكون على رأس أجندة أي عملية تفاوضية لوقف الحرب، وإذا كان بعض هذه الأجندة يسمح بخضوعه للتنازلات من هنا وهناك أثناء الحوار والتفاوض، فهذا غير وارد بالنسبة لقضية العدالة

التغاضي عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت قبل الحرب وأثناءها، بما في ذلك جريمة إشعال الحرب، وكذلك الجرائم التي أرتكبت منذ الثلاثين من يونيو/حزيران 1989. فهذه قضية يجب أن تتصدر جدول أعمال أي منبر تفاوضي لوقف الحرب، ونحن إذا أغمضنا أعيننا عن هذه الجرائم والانتهاكات تحت دعاوى التسوية، سنكون مشاركين أصيلين في هذه الجرائم، ومرتكبين لجريمتين أخريين هما المساعدة في الإفلات من العقاب وتهيئة الظروف لإعادة إنتاج الأزمة في البلاد. ومن هنا تأتي ضرورة توافق القوى المدنية والسياسية على موقف تفاوضي حيال قضية العدالة أساسه عدم التغاضي عن المساءلة والمحاسبة حول ما ارتكب من جرائم، والتمسك بمبدأ عدم الإفلات من العقاب من خلال تطبيق إجراءات العدالة الجنائية أو العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى جبر الضرر. وهذا الموقف التفاوضي لا تصنعه قيادات القوى السياسية والمدنية وحدها، بل لزاما على هذه القيادات التشاور حوله مع المكونات الإجتماعية القاعدية، وبالأخص مع مبادرات أسر الشهداء، والتوافق معها حول تفاصيله.
وفي جانب العدالة الانتقالية، نشير إلى ثلاث ركائز جاءت ضمن مبادرة منظمة أسر الشهداء التي أطلقتها بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني 2022. أولها، أن أسر الشهداء قرروا السمو فوق الجراحات وآلام الفقد والحرمان، واعتبروا أن تحقيق ما استشهد من أجله فلذات أكبادهم بتوافق مختلف القوى في البلاد على السير في تنفيذ الانتقال الديمقراطي والشروع في تأسيس سودان الحرية والعدالة وسيادة حكم القانون والسلام، هو ثمن لدماء بناتهم وأبنائهم التي سفكت منذ تفجير ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018. والركيزة الثانية تتعلق بإصلاح المنظومة العدلية، بما في ذلك القضاء والنيابة العامة والشرطة، وكذلك المراجع العامة، بما يكفل مهنيتها وقوميتها بعيدا عن التغول السياسي، والتأكيد علي تحقيق المساواة في الوصول إلى هذه الأجهزة، وأن يكفل التعيين وقواعد وأنظمة نظام العدالة استقلالية القضاء وكفاءته ومهنية أدائه، وأن تظل السلطة القضائية، لا سيما على مستوى المحكمة العليا والدستورية، هي الآلية الحاكمة والمستقلة لحل النزاعات ضد إساءة استخدام السلطة من قبل أولئك الحكام الذين يديرون شؤون البلاد. أما الركيزة الثالثة، فتتناول إصلاح منظومة الأمن والدفاع في اتجاه بناء جيش وطني واحد وموحد قومي وبعيدا عن الاختراق السياسي، وكذلك إعادة بناء أجهزة الأمن والمخابرات على أساس قومي وبعيدا عن الولاءات السياسية، تخدم الشعب وتحفظ أمنه، محكومة بالقانون وخاضعة لمؤسسات عدلية مستقلة، مع آلية رقابة ومساءلة مدنية، تضمن سيادة حكم القانون. كما يتضمن الإصلاح وضع استراتيجية للأمن القومي في المرحلة الانتقالية تتولى توجيه عملية إعادة الدمج والتسريح لكل حاملي السلاح، وذلك وفق الحاجة الوطنية التي تحددها الاستراتيجية، وعلى أساس الالتزام بالمبادئ التأسيسية للدولة المدنية الديمقراطية في السودان، مع التأكيد على أن عمليات إعادة بناء مؤسسات القطاع العسكري والأمني يجب أن تكون مضبوطة بآليات رقابة مدنية فعالة في إطار الحكم الديمقراطي وسيادة القانون. نشير إلى أن مفهوم الرقابة المدنية ضروري وملزم ويجب تضمينه في القوانين كأحد أهم الحقوق الدستورية لضمان الضوابط والتوازنات الصحيحة للسيطرة علي الاحتكار القسري للعنف في يد الدولة، والحيلولة دون اتخاذه كذريعة لانتهاك حقوق الإنسان وممارسة القهر السياسي.

‫3 تعليقات

  1. اتوقع ان تنتهى الحرب بدون تفاوض وانهيار المليشيا وهزيمتها لان كل الشعب السودانى يحمل الثأر ضدها بما فعلته من انتهاكات ونهب واغتصاب وظلم دخل كل بيت وكل اسرة . ستتلاشى المليشيا بالابادة بيد الشعب السودانى قريبا جدا وظهرت بوادرها فى دارفور بدخول فصيل من حركة عبدالواحد الحرب ضد الجنجويد مما يدل على وحدة الشعب ضدهم ولم يبق لهم نصير . اما اصلاح الدولة يأتى بعد الحرب خاصة وان الاخوان المسلمين اعداء الانسانية انشطروا وتمزقوا وتفرقوا وتشتتوا الى عدة كيانات واجسام تعادى بعضها بعضا مما يسهل للوطنيين فى الجيش مهمة القضاء على الشلة التى تتحكم فيه ويسهل بعدها اصلاح الدولة ويقوم المارد السودانى من تحت الرماد عملاقا قويا .

  2. مشكلتك يا دكتور انك تصف الدواء والمريض لم يدخل عيادتك ولن يدخل . وهذا دليل قاطع على ان الخبراء الاستطراتجيون والجالسين في ابراجهم العاجية من أمثالك يصطادون السراب ويضربون الطبل . ان من يحدد اسئلة وقف الحرب القوى الفعلية وما بينها من ميزان قوى وليس الثرثرة “حاملة شعار اطيعونا نحن نفهم .”

  3. ((كيف نحافظ على جذوة الثورة متقدة رغم الحرب، ورغم أن الغدر والخيانة لازما الثورة منذ لحظة الإطاحة برأس نظام الإنقاذ في أبريل/نيسان 2019؟ ))… عرف الثورة اولا ؟ يا دكتور عموما الثورة في السودان هي :-
    مظاهرات عواطلية + اضرابات عمال + شد وجذب وتعطيل للحياة وتهريج + تهييج الصبيان + فرص للصوص من الساسه + فرص لصوص المنازل لغياب الامن الخلاصة حرية كاذبة لفئة لا تساوي 10% مجموع الشعب لتعطيل حياة 90% بقية الشعب هي الثورة في السودان يا نخب …..
    كفاية يا نشطاء ويا عواطلية السياسة الحريق طال كل شيء بسبب التهاون في الامن القومي لبلد اسمه السودان لا يفرق ابناءة بين العمالة والتعاون المثمر مع العالم ولا يفرقون بين الخيانة والوطنية ولا يفرقون بين مصلحة وطن ومكاسب لاحزاب كرتونية ولا يفرقون بين المقدس والمسلم به وما فيه مساحة للحرية واختلاف الراي ……… كفاية دعوا الشعب المغلوب على امره في حاله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..