مقالات وآراء

السّودان إلى مهبّ الرّيح!!!

دُنْيَا دَبَنْقَا

د. نور الدين بريمة

 

تتداول كثير من الكتابات هذه الأيام ، أمرًا نعتقد أنه في غاية الأهميّة والموضوعيّة ، حيث يتعلق بالشأن السوداني ، الذي يمر بأزمات ينوء عن حملها ذوي البأس الشديد!!! أصابت الوطن بأمراض مستعصية يصعب علاجها ، ربما يجعله في أحد أمرين : إمّا أن يكون في إحتراب مستمر ، أو ألا يكون ، وذلك من خلال التشظي والإنقسام إلى أيدي سبأ ، ممّا لزم تسليط الضوء عليه وتوضيحه للعالمين وهو أمر لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وجعلها بلا قيمة ، لكنّا سنقف عندها بالتحليل والرأي ، على الرغم من تأخرنا في النقاش ، لأن ظروف اللجوء والنزوح القاهرة ظلت حاجز صد ، سيما وأنتم تعلمون سوءات الحرب وظروفها ، وما تسببه من معاناة شديدة المراس ، تلقي بثقلها وظلالها السالبة ، وتدفعنا أحيانًا إلى التأخر ، أو عدم الإستجابة أو المشاركة ، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال ، عدم رغبتنا في المساهمة حيال الموضوع ، لأنه واجب أخلاقي ووطني ، يتطلب منّا التدافع نحوه بالفكر والرأي ، لأننا حملنا القلم سلاحًا- لا نملك غيره- للنصح والنقد والمدافعة ، حتى نرفع الظلم والإستبداد والإستفراد بالحكم ، عن كاهل الوطن وأبنائه الطيبين ، طالما أننا نذرنا أنفسنا لهذه المهمّة ، فالتاريخ لا يرحم.

 

وعليه نقول : إن البلاد تمر بأزمات ومشكلات في كل مناحي الحياة ، تتطلب التعاطي معها بوعي وإدراك ، وعدم الإنجرار أو الوقوف مع أي طرف يحمل السلاح ، ويوجهه ضد المواطنين العزل ، ولا يكون الوقوف مع طرف إلا بما يمليه الضمير الأخلاقي ، أو رد الحقوق إلى أهلها ، فإن أساء أحدهم ، نقول له : أسئت ، وإن أصاب : أصبت ، وبالتالي فالقضيّة المطروحة الآن ، تتعلق بخصوص قيام حكومة ضرار ، لحكومة الخيبان بورتكيزان ، الميتة والغير معترف بها على الصعيد الإقليمي والدولي ، ناهيك عن الصعيد الداخلي ، فبعضهم يسميها بحكومة المنفى ، على غرار سوريا قبل سقوط الأسد ، وغيرهم يطلق عليها حكومة مناطق سيطرة الدعم السريع ، على غرار ليبيا ، فيما يرى آخرون بأنها يجب أن تشكل بالداخل ، لكنها تعبر عن كل السودانيين ، وتدير شأنهم ، وتوفر لهم الخدمات الضروريّة ، وتصارع حكومة الحالمين الخيبانين ، التي لا يعيرها أي إهتمام إلا القلة ، التي لا ترى إلا بمنظار مصالحها الشخصيّة الضيّقة.

 

إذًا هذا الأمر يُعد في غاية الخطورة ، ويعزّز مشروع تقسيم البلاد إلى دويلات متناثرة ومتنافرة ، لاحت بوادرها في الأفق ، وصارت معالمها واضحة ، إلا لمن بعينه حور التسلّط والإستبداد ، ويمكن القول : إن أبرز هذه المعالم :

أولاً : تعاطي المتحارببن ومن يساعدهم ، مع المواطنين- بحسب إنتماءاتهم- القبليّة ، الجهويّة أو السياسيّة ، وتجلياتها باتت في التعسّف والإنتقام ، ضد قبائل وإتجاهات وأحزاب بعينها ، وحرمان منسوبيها من حقوقهم المدنيّة ، كإستخراج أوراقهم الثبوتيّة.

ثانيًا : كذلك تغيير العملة وما واجهتها من صدود المُمانعة ، وعدم الإعتراف بها ، حيث يعتقد كثيرون أنها محاولة للإستيلاء على أموالهم.

ثالثًا : إلى جانب إصرار الحكومة الكيزانيّة ، على قيام إمتحانات الشهادة السودانيّة للعام ٢٠٢٣م ، في مناطق سيطرة مليشيا الجيش ، فيما حرمت الطلاب المتواجدين في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع من أدائها.

رابعًا :  علاوة على ذلك ، تعامل المليشيتان في مناطق سيطرتهما مع المواطنين ، بإعتبارهم حواضن إجتماعيّة للطرف المسيطر ، وهذا قد تجده أكثر حدّة عند مليشيات البرهان.

 

هذا السلوك القميئ ، تعزّزه مجموعات ظلت تنادي بتقسيم السودان إلى دويلات ، على أسس إثنيّة وجهويّة ، علا صوتها وطفح على السطح هذه الأيام ، والتي تمثلها العديد من الجماعات ، أبرزها جماعة (دولة النهر والبحر) ، ظلت مسيطرة على الحكم ، منذ خروج المحتل الإنجليزي من البلاد حيث ترى أنه في حال فشلها في مواصلة سيطرتها ، ستنشئ دولة (النهر والبحر) وإن لم تستطع فإنها ستنضم إلى مصر- المحتلة الحبيبة إلى نفسها- وكما يقول المثل (الكلب بريد خنّاقُو) ، أيضًا (دولة العطيوات) وهي جماعة حديثة المنشأ- على ما أعتقد- ذاع صيتها خلال هذه الحرب الدائرة الآن ، وهناك جماعة (دولة الزغاوة) تداولت الحديث عن تخطيطها جلسات الأنس والمسامرة ، وهو مخطط قديم متجدد أصبح بائنًا منذ إستيلاء الإسلامويين على السلطة ، أيضًا هناك مجموعات عربيّة أخرى في إقليم دارفور خططت ونفذت سياسات ، لتغيرها جيوسياسيًا، لتعبر عن الإسلاموعروبية- بحسب ظنها- جعلته سلوكًا متبعًا، يشهده القاصي والداني ، وغيرها من الجماعات في الشرق والجنوب الجديد.

 

وعلى كل نعتقد أن قرار تشكيل أي حكومة ، لابد أن يعبّر أو يتحدث عنه أصحاب المصلحة الحقيقيين ، المواطنين بالداخل ، كما ينبغي أو من الواجب أن تتم مشاورتهم فيه أولاً وأخيرًا ، لأنهم (واطين الجمرة) أكثر ، ومحرومين من (الأمن ، الغذاء والكساء) ، بكل تصنيفاته المتعدّدة ، ومغيبين كذلك من خدماتهم الأساسيّة وبالطبع فإن الهائمين على وجوههم في اللجوء والمنافي ، ينبغي لهم إعانة أهلهم بالرأي السديد ، فيما يرونه من قرار ، وإجراءات تتناسب مع ظروفهم الداخليّة ، وبالتأكيد هم الأعرف والأقدر للإجابة على الآتي .. ما هو الأجدى لهم .. حكومة بالداخل أم حكومة منفى؟.. وهل بإمكان هذه الحكومة أو تلك ، أن تحسّهم بالمواطنة الحقّة ، وتقدم لهم الخدمات الضرورية؟.. ثم ما مدى تأثيرها إيجابًا على مجريات الحرب والسلام؟.. كذلك ما مدى قدرتها للحفاظ على البلاد ، وعدم جرّها إلى التقسيم؟، وغيرها من الأسئلة الجريئة التي يمكن لنا كمواطنين لاجئين ، أن نسهم في إيجاد ردود وإجابات تحقن الدماء ، وتحقق السلم والأمان ، على أقل تقدير ، وتسهم في حمايتهم ، حتى لا يكونوا هدفًا هيّنًا ولقمة صائغة للجلاد.

 

وفي كل الأحوال نعتقد جازمين ، أن شبه تقسيم البلاد قائم ، بيْد أنه ليس بمقدور أي جزء راح إلى حال سبيله ، أن يؤسس دولته المحترمة لتنوعها ، والمحققة لأمنها وسلامها لمواطنيها ، لأنّه ليس لها الأهليّة والقدرة والإرادة على ذلك ، كما أنها ستزداد إنشقاقات أكثر فأكثر ، ممّا تكون دافعًا وسببًا في الحروب والصراعات ، ومزيدًا من التشظي والإنقسام ، وهذه تتجلى في غياب الحكمة والرؤية الثاقبة والإستراتيجيّة العاقلة ، للنخبة والجماعات والكيانات الحالمة ، حتى تعمل على إحترام التنوع والتباينات التي تمتاز بها دولتهم ، اذا ما قدر الله لها أن تنفصل ، سيّما وأن الحرب الدائرة الآن ، أشعلتها فتائل العنصريّة والجهويّة ، تساندها روافع الظلم والفساد والإستبداد ، وباتت من الصعوبة بمكان أن تعيش هذه المكونات السودانيّة في تناغم وإنسجام ، وهي تتعارك بينها منذ خروج المُحتل الأجنبي.

 

عطفًا على ذلك كله ، غياب المواطنة الحقّة ، التي يحلم بها كل سوداني ، أن يعيش في وطن يحفظ له كرامته وإنسانيته ، وينجز له خدماته الضروريّة ، وهي إجابة فاصلة لسؤال.. كيف يتم صد العدوان ، الأطماع والتدخلات الداخليّة والخارجيّة ، في ظل الأقطاب وتعدّد المصالح ، التي يصعب التقاضي والإنصراف عنها ، في ظل هذه الظروف المعقّدة والمتشابكة ، ويقيني فإن سياسات النخبة القديمة ، لن تعود لإدارة الوطن ، مرة أخرى ، مثلما يشير الواقع ، أن هناك خيارين فقط- لا ثالث لهما- فإمّا أن يكون السودان وطنًا موحدًا ، وفقًا لسياسات تحفظ وتحترم وتساوي بين الجميع ، أو أن ينقسم إلى دويلات تتناحر وتتعارك فيما بينها ، وهذا هو الأقرب إلى الحقيقة- بحسب المشاهد والوقائع- التي يتلمسها راعي الضأن في مراعيه وخلواته .. اللهم يا رب الأنام .. نجي السودان من العنصريين والمتأسلمين ، الطامعين إمّا في حكم الوطن أو اللاهثين إلى تقسيمه.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. نورالدين بريه احييك على مقالك الهادف الحكومة التى سوف تتكون فى مناطق الدعم السريع لن تخدم المواطن وسوف تكون تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع مثلها كمثل حكومة بورتسودان الكيزانيه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..