مع بداية عام جديد، نقف أمام لحظة تختلط فيها مشاعرنا بين الحزن على ما مضى والخوف مما سيأتي، وبين إصرار دفين على البحث عن أمل وسط ظلام الحرب المستعرة في بلادنا السودان. عام مضى لكنه لم يغادر أرواحنا التي أثقلتها الخسارات، شهدنا فيه دمارًا واسعًا، وسمعنا فيه أصوات الرصاص أكثر من أصوات الحياة. خسرنا فيه أحباء، تهدمت فيه بيوتنا وشُرد الآلاف من أبناء وطننا تاركين خلفهم كل شيء بحثًا عن الأمان، ومع ذلك وسط كل هذا الخراب لا يزال فينا نبض حياة وشعلة أمل خافتة لكنها تأبى أن تنطفئ، تدفعنا لأن نبحث عن طريق للخروج من هذه المأساة.
الحرب في السودان لم تكن مجرد معركة على الأرض بل كانت معركة ضد أرواحنا وقلوبنا، لقد جعلت كل بيت سوداني يحمل قصة فقد وكل شارع شاهداً على معاناة من مروا به، لكنها في المقابل كشفت عن معدننا الحقيقي، رأينا أناسًا يفتحون بيوتهم للنازحين، يتقاسمون معهم القليل الذي يملكونه، ويبثون فيهم شعورًا بالأمان المفقود، رأينا شبابًا وشابات يتحركون بشجاعة، يقدمون المساعدة لمن حولهم، ويثبتون أن الإنسانية لا تموت حتى في أحلك الظروف، هذا التلاحم، هذه الإنسانية هي ما يبقينا واقفين رغم كل شيء.
وفي الوقت الذي تبدو فيه الحرب بلا نهاية قريبة، يأتي العام الجديد كفرصة للتفكير والتأمل، أعلم تماماً انه ليس من السهل الحديث عن الأمل ونحن لا نزال نعيش وسط أجواء الصراع، لكن الأمل ليس رفاهية بل ضرورة للبقاء، لا يمكننا أن نغير ما حدث، لكن يمكننا أن نحوله إلى حافز لصناعة مستقبل مختلف، يمكننا أن نحمل ألم الماضي لا كعبء يثقل أرواحنا بل كدرس يعلمنا كيف نصنع من المحن قوة تدفعنا إلى الأمام.
رغم كل شيء، علينا أن نؤمن أن الألم الذي عشناه ليس نهاية الطريق، بل بداية لرحلة طويلة نحو وطن أفضل. السودان الذي عرف عبر تاريخه الطويل الكثير من المحن والكوارث ظل دائمًا صامدًا، نحن أبناء أرض تمتد جذورها عميقًا في التاريخ، أرض لم تخضع إلا للحب والسلام، وهذا الإيمان بقدرتنا على النهوض يجب أن يكون بوصلة توجهنا في العام الجديد.
إن استقبال العام الجديد في ظل استمرار الحرب لا يعني إنكار الألم أو تجاهل ما حدث بل هو لحظة نقف فيها لمصالحة ماضينا وحاضرنا، لمواجهة الجراح التي لم تلتئم بعد لكن دون أن نفقد الأمل في الغد، التغيير يبدأ بالإيمان بأنه ممكن وبأن الحلم بوطن مستقر وآمن ليس بعيد المنال. في كل قصة ألم هناك أيضًا قصة صمود، رأينا أهلنا رغم الخطر ورغم الفقد يقفون مع بعضهم البعض، يقدمون كل ما يستطيعون ويظهرون أن الإنسانية لا تهزمها الحروب.
هذه اللحظات رغم قسوتها تذكرنا أن الخير دائمًا ممكن وأننا قادرون على أن نصنع فرقًا مهما كان صغيرًا. مع العام الجديد، تأتي دعوة للعمل والحلم، ويمكننا أن نبني ولو بأبسط الوسائل، أن نبدأ بمساعدة من حولنا، أن نعلم أبناءنا أن الحب أقوى من الكراهية، وأن نرفض أن نكون أدوات للصراع، السودان يتسع للجميع، والحرب ليست طريقًا لأي حل، علينا أن نجعل من كل خطوة نخطوها وسيلة لصنع السلام، ومن كل جهد نبذله وسيلة لإعادة بناء ما تهدم.
السودان لن يموت، حتى وإن كانت الحرب مستمرة هذا الوطن الذي ظل صامدًا لآلاف السنين سيبقى حيًا بأبنائه، قد يكون الطريق طويلاً وشاقًا، لكننا قادرون على السير فيه معًا. مع دخولنا العام الجديد، دعونا نحمل حبًا أكبر للسودان، وإيمانًا أقوى بغدٍ أفضل، ورغبة حقيقية في أن نكون جزءً من إعادة بنائه، قد تكون الجراح عميقة لكن حبنا لهذا الوطن خالد كالنيل لن يجف ولن يموت.
السودان سينهض وأبناؤه هم من سيصنعون هذا النهوض، فلنستقبل العام الجديد بقلوب مفعمة بالإصرار، وبإيمان لا يتزعزع بأن النور لا بد أن يعود مهما طال الظلام.
نقلاً عن صحيفة مداميك
أﻗﻮﻝ ﻟﺜﻠﺔ ﺍﻷﺣﺒﺎﺏ ﻻ ﺗﺄﺳﻮﺍ
ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺭﻥّ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﻳﻘﻄﺮ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻲ
ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﻳﻮﻗﻈﻨﻲ
ﻳﻼﺣﻘﻨﻲ ﻳﻠﻮّﻥ ﺩﻏﻞ ﻣﺄﺳﺎﺗﻲ
ﺃﻧﺎ ﻣﻦ ﺃﻣﺔ ﺳﻜﺮﻯ ﺑﺨﻤﺮ ﺍﻟﺼﺒﺮ ،
ﺗﺨﺮﺱ ﺻﻮﺕ ﺁﻫﺎﺗﻲ
ﻭﺗﺨﻨﻖ ﻟﻲ ﻋﺒﺎﺭﺍﺗﻲ
ﻳﻤﺮ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺗﻠﻮ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻻ ﺍﻷﺣﻼﻡ ﺗﺼﺪﻕ ،
ﻻ ﺭﻛﺎﻡ ﺍﻟﻬﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻲ
#كجراي#