مقالات وآراء سياسية

بين الانتقام والقانون : مأزق العدالة في سوريا ..!!؟؟

د. عثمان الوجيه

 

في عمق الظلام ، وميض من نور وفي خضمّ الظلمات التي غطت سماء سوريا ، وموجة من الانتقام اجتاحت أركانها ، برزت حادثة أعدام جلاد سجن صيدنايا ، تلك المعقل الأسود الذي شهد جرائم لا تُحصى ، فرحة الانتقام علت وجوه الكثيرين ، إلا أن صوت العقل حذر من الانجراف في وحل الثأر ، فبينما يحتفل البعض بتصفية حسابات شخصية ، يقف آخرون متسائلين : أليس من واجب الدولة أن تأخذ حق الضحايا؟ هل الانتقام هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة؟ أم أن هناك طريقًا آخر، طريقًا يرسخ دعائم دولة القانون؟ لقد شهدت سوريا عقودًا طويلة من الاستبداد والفساد ، حيث تحول النظام إلى آلة قتل ودمار ، وحكامها ، الأب والابن اعتقدا أن بإمكانهما التلاعب بالتاريخ والجغرافيا ، وأن سوريا ملكهما الخاص ، لقد أساءوا إلى تراب الوطن ، وحولوها إلى ساحة حرب ، وأفقرو شعبها ، إن إعدام الجلاد ، مهما كانت جرائمه لا يحل المشكلة ، فمشكلة سوريا أكبر من شخص واحد ، المشكلة تكمن في غياب دولة القانون ، في غياب المؤسسات القضائية المستقلة ، في غياب العدالة ، إن ما حدث في ليبيا هو مثال حي على عواقب التسرع في الانتقام ، فبعد الإطاحة بالقذافي ، لم تتم محاكمته بل تم عرض جثته على الملأ ، وهكذا ، ضاعت فرصة محاسبة الجناة ، وبناء دولة القانون ، إن الطريق الصحيح إلى المستقبل يكمن في بناء دولة مؤسسات ، دولة تحترم القانون ، دولة تحمي حقوق الإنسان ، دولة لا مكان فيها للانتقام، بل مكان للعدالة ، إن سوريا، بعد كل ما عانته ، تستحق أن تكون نموذجًا يحتذى به في المنطقة ، نموذجًا لدولة القانون والعدالة ، فهل ستتمكن سوريا من النهوض من تحت أنقاض الحرب ، والبناء من جديد؟ أم ستظل أسيرة الماضي ، وأسيرة الصراعات؟ إن سؤال المستقبل يظل مفتوحًا ، ولكن الأمل يظل موجودًا ، فالشعب السوري، رغم كل ما عاناه ، لم يفقد إيمانه بالحرية والعدالة ، إن قصتنا اليوم هي قصة صراع بين الحق والباطل ، بين العدالة والانتقام ، وهي قصة تبحث عن إجابة لسؤال واحد : كيف يبنى مستقبلاً أفضل لسوريا؟.. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن اوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي:- يملأ إخوتي السوريون ، الذين أكن لهم كل الحب والاحترام ، نصف قائمة أصدقائي المقربين هنا في مصر ، لطالما عاتبوني على إغفالي لكتابة شيء عن وطنهم الجريح ، سوريا الحبيبة ، كنت أرد عليهم دائماً أن طموحي يتجاوز الحدود ، وأنني أرى في الكتابة العالمية وسيلة للتعبير ، لكنني كنت أؤكد لهم أن السودان ، وطني الأم ، له الأولوية في قلبي وكتاباتي ، ما إن اشتعلت شرارة الحرب في السودان بين جيشه العريق ومليشيات الدعم السريع المتمردة في الرابع عشر من أبريل عام ألفين وأربعة وعشرين ، حتى غمرني الحزن والألم ، كانت تلك الحرب كابوساً لا ينتهي ، حصدت أرواح الآلاف ، وشردت الملايين ، ودمرت الأخضر واليابس في بلادي الحبيبة ، في تلك الأيام العصيبة ، زارني بعض أصدقائي السوريين في مقر إقامتي المتواضع بحي المنشية بالإسكندرية ليواسوني ، وبينما كنا نجلس نتحدث عن مأساة السودان ، قال لي أحدهم مازحاً : “يا صديقي ، لقد ضاع طموحك العالمي!” كان يقصد أنني سأصبح منشغلاً تماماً بكتابة مآسي بلدي ، وأنني سأتخلى عن طموحي في الكتابة العالمية ، فابتسمت وأجبته: “إن حبي لوطني السودان يفوق أي طموح آخر، فكيف لي أن أكتب عن العالم وأنا أشعر بألم كل هذا الدمار والخراب في بلادي؟” لقد كانت تلك الحرب بمثابة صدمة قوية لي ، وأدركت فيها أن الانتماء إلى الوطن هو أقوى شعور يمكن أن يشعر به الإنسان ، وأن الكتابة ، مهما كانت عالمية ، لا يمكن أن تفصلني عن جذوري وعن أرضي التي تربيت عليها..

That belonging to one’s homeland is the strongest feeling a person can feel, and that writing, no matter how universal, cannot separate me from my roots and the land in which I was raised

وعلى قول جدتي:- “دقي يا مزيكا !!”.

خروج:- “بين المجاملة القسرية والتحرر : راغب علامة وقضية الهوية اللبنانية” ففي خضم الأحداث الدرامية التي تشهدها الساحة اللبنانية ، برز اسم الفنان راغب علامة ليصبح محور جدل واسع ، فما كان سوى مكالمة هاتفية مسربة ، تحوّل إلى قضية رأي عام ، وكشف عن عمق الانقسامات التي تعصف بالمجتمع اللبناني ، ففي ذلك الاتصال ، عبّر علامة عن سعادته بمقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله ، ورأى في هذا الحدث فرصة لتغيير الواقع اللبناني ، هذه التصريحات، وإن كانت تحمل رأيًا شخصيًا ، إلا أنها لامست عصب حساس في المجتمع اللبناني ، وأثارت غضب أنصار الحزب الذين اعتبروها إهانة صارخة ، رد الفعل لم يتأخر ، فهاجم أنصار الحزب مدرسة يملكها علامة ، في رسالة واضحة المعنى مفادها أن أي صوت معارض سيواجه القمع والترهيب ، هذه الحادثة لم تكن معزولة ، بل جاءت تتويجًا لعقود من السيطرة والهيمنة التي مارسها الحزب على المجتمع اللبناني ، فتجاوز الجدل حول تصريحات علامة الإطار الشخصي ، ليصبح قضية وطنية تتعلق بالهوية اللبنانية وطبيعة النظام السياسي ، فعلامة ، بوصفه شخصية عامة، جسّد حالة الخوف والترهيب التي يعيشها الكثير من اللبنانيين تحت وطأة النظام القمعي ، لقد اعتاد اللبنانيون على المجاملة القسرية ، على إخفاء آرائهم الحقيقية خوفًا من العقاب ، ولكن مع تراجع نفوذ الحزب ، بدأت بعض الأصوات تخرج من العتمة ، وتجرؤ على التعبير عن رأيها ، حادثة راغب علامة كشفت عن العديد من الحقائق:

1/ عمق الانقسامات : فالأزمة اللبنانية ليست سياسية فحسب ، بل تمتد إلى عمق المجتمع ، حيث تتعايش الرغبة في التغيير مع الخوف من المستقبل. 2/ سيطرة ثقافة الخوف : فقد فرض الحزب على المجتمع اللبناني ثقافة الخوف ، مما أدى إلى تكميم الأفواه ومنع التعبير عن الرأي.

3/ ضرورة التغيير : فالحل يكمن في بناء مجتمع ديمقراطي يضمن حرية التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر .

وأخيراً : إن ما حدث لراغب علامة ليس سوى فصل واحد من قصة طويلة ، قصة نضال الشعب اللبناني من أجل الحرية والكرامة ، فمهما حاولت قوى الظلام إسكات الأصوات الحرة ، فإن الشرارة التي أشعلها علامة ستظل مشتعلة ، وستلهم الكثيرين للوقوف في وجه الظلم والطغيان.. #أوقفوا – الحرب

ولن أزيد ،، والسلام ختام.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..