ما بين الإقتصاد الحر والإقتصاد المقيد !!

عبدالمنعم على التوم
علم الإقتصاد كما ذكر اهل العلم هو علم إجتماع ، يتأثر سلبا وايجابا بالسياسات التى تتبعها الدولة ومن ثم ينعكس ذلك على المجتمع ، لذلك ذكر أهل العلم فى المجال (ليس هناك قوانين أو لوائح أو نظم إقتصادية تصلح لجميع دول العالم) فلكل دولة ظروفها المختلفة من موارد وتعليم وصحة وسكان وخبرات مختلفة فى شتى المجالات فلا يمكن إطلاقا ولا ينبغى وضع هيكل إقتصادى تعمل به الولايات المتحدة الامريكية أو ألمانيا أو فرنسا أو السعودية أو الامارات أو الصين ليكون شبيها لهيكل الإقتصاد السودانى ، فالسياسات الإقتصادية والقوانين واللوائح هى التى تنظم وتقٌوم إقتصاد الدولة ، فهناك فرق شاسع مابين الاقتصاديات الحرة والاقتصاديات المقيدة فجميع الدول التى لديها هشاشة وعدم إستقرار فى إقتصادياتها تعمل جاهدة فى تقييد حركة النقد الاجنبى وترسم السياسات التى تمكنها من بلوغ مرحلة الاقتصاد الحر ‘ فمرحلة الاقتصاد الحر تحتاج نمو كبير فى إحتياطيات النقد الاجنبى فى البنوك المركزية حتى تستطيع السيطرة على وارداتها من التجارة الخارجية وتمكنها من السيطرة على سعر الصرف وميزان المدفوعات !!! .
تسلط على الشعب السودانى أحد خبراء الكيزان منظراتية من العيار الثقيل يدعى/ عبدالرحيم بن حمدى وزيرا للمالية أصاب الاقتصاد السودانى فى مقتل فى فبرائر من العام 1992م بكل جرأة وجهالة وخسة إستطاع أن يقنع قيادات الدولة فى ذلك الوقت بلسان سليط جاهل يحثهم فيه بتحرير الاقتصاد السودانى ورسم سياسات شبيهة بإقتصاديات البلاد الحرة ويتبع ملتهم التى وصلت الى مراحل متقدمة فالرجل حاول أن يقلد الاقتصاد الامريكى …. ظنا منه بأنه وجد الحل لعلل الاقتصاد السودانى فى التبعية المطلقة فقال أحسن نجرب ، فى بلد التجارب والمحن والشعب المغيب فقال : أفضل نعمل كما تعمل امريكا ما فيش حد احسن من حد ……. (يا راجل) على قول المرحوم طيب الله ثراه محمد سليمان !!! حيث إبتدع كلام لا فى الطير لا فى الباقير ..!! (الدولة ما مفروض تشتغل تجارة الدولة تحفظ الامن والنظام فقط كما يحدث فى أمريكا … !!!) (الدولة فى أمريكا ليس لها علاقة بالصادرات … الصادرات هى مهمة القطاع الخاص ..!!) ومازالت هذه الاقوال تعشعش فى أذهان كثير من المريدين … !! (سبحان اللـه) !!! ومنذ ذلك الحين دخلت البلاد فى نفق مظلم ولم ير الاقتصاد السودانى طعم العافية أو النوم حتى الان … !!غطس إقتصاد الدولة السودانية فى بحر لجى عميق .. لقد اقامت الدولة السودانية منذ انقلاب الانقاذ فى يونيو 1989م عشرات من مؤتمرات الاصلاح الاقتصادى ، جميعها باءت بالفشل الذريع مع تقديم اوراق معظمها تؤمن بتحرير الاقتصاد دون مقدره أو تأهيل لهذه المرحلة ، وحتى عهد المدعو حمدوك الخبير الاممى الذى كان أيضا يؤمن بالحرية الاقتصادية فى بلد كالسودان ينتشر فيه عشرات من السماسرة و مضاربو العملات الاجنبية .. وتنتهك فيه سيادة ورمزية الجنيه السودانى العملة الوطنية نهارا جهارا .. مع خلق إقتصاد موازى لاقتصاد الدولة يسيطر عليه النفعيين والانتهازيين .. والفاسدين .. والمنظراتية دون إحساس بثروات البلاد المنهوبة وبالقانون للاسف الشديد !!! وحتى آخر مؤتمر إقتصادى تحت إشراف أحد علماء العصر المكنكشين صاحب الطموح العالى السيد / وزير مالية الشعب السودانى الذى يعتقد ويظن ..!!(وإن بعض الظن إثم ) إنه يستطيع أن يغير واقع الاقتصاد السودانى بزيادة الجمارك والرسوم والضرائب ورفع الدعم وهلم جرا … وهو لا يعلم بأنه لا يعلم … إنه حرث فى البحر … وهدر للوقت .. والذين سبقوك فى الموقع كانوا أشطر ولم ينجح منهم أحد .. للأسف!! وضيعوا وقت الشعب ..فى الورجقة والهرجلة والنظريات التى لم يسلم منها أحد .. !!! وسنظل نلف وندور فى حلقة مفرغة كما أراد السناتور عبدالرحيم بن حمدى الذى خصخص الشركات الحكومية وقام بتحويل الحسابات الحكومية من البنك المركزى الى البنوك الخاصة وعلى رأسها بنك فيصل الاسلامى الذى يحتفظ ببعض الحسابات الحكومية أشهرها حساب وزارة الداخلية والضرائب ، علما بأن الحسابات الحكومية فى أى دولة من دول العالم تفهم فى السيادة الوطنية تعلم تماما بأن الحسابات الحكومية مسألة أمن قومى يحتفظ بها البنك المركزى للرقابة عليها وتسخيرها لصالح الدولة فيما ينفع الشعب وليس فيما ينفع البنوك الاجنبية الخاصة التى تخصصها لمصلحتها الخاصة وتشغيلها ومنحها تمويلا لزبائنها المحترمين ….!!! (وقد أشك فى ذلك كثيرا فى محترمين هذه)!!! (يعنى من دقنه وفتله …) (كلام عجيب .. وغريب ..) تأتى بنوك أجنبية من اصقاع الارض وتحتفظ بإدارة الحسابات الحكومية) (من أين أتى هؤلاء الناس .. على قول المرحوم طيب الله ثراه الطيب صالح )!!! .
حقيقة لابد أن يعلمها الجميع ، تطبيق الاقتصاد الحر لا ينفع البتة فى دولة تعانى من شح فى إحتياطيات النقد الاجنبى وفى تقديرى الشخصى شح النقد الاجنبى فى السودان ناتج عن السياسات التى يفرضها الطاقم الاقتصادى منذ عبدالرحيم حمدى كلها (Copy & Paste) للأسف الشديد .. لا جديد ..!!! . (رابطين ماكينة أقتصاد حر عريانين ولابسين سديرى !!) .
وحتى يعلم الجميع بأن هناك بون شاسع جدا بين الاقتصاد الحر الذى يمارس فى السودان بدون إحتياطى وافر للنقد الاجنبى فى البنك المركزى وبين الاقتصاد الذى يجب أن يكون مقيدا ببعض السياسات والقوانين واللوائح والنظم التى تحمى وتعزز من وضع الجنيه السودانى ، بين جمهوره وفى حدوده السياسية وفى قعر داره وتأتى البداية :
أولا : بتغيير تعريف الجنيه السودانى فى قانون بنك السودان من (الجنيه السودانى هو عملة الدولة الرسمية) الى تعريف حديث يواكب المرحلة – الجنيه السودانى هو رمز من رموز السيادة الوطنية السودانية هو عملة التبادل التجارى هو عملة المرتبات هو هيبة الدولة السودانية عدم الإعتراف به أو عدم إحترامه كرمز من رموز السيادة أو عدم قبوله أو الاستخفاق به أو تمزيقه جريمة يحاسب عليها القانون الجنائى (لكى تحترم لابد أن تحترم) ثم بعد ذلك تأتى الاصلاحات من بنك السودان وتعديل البنودالتالية :-
1/ إلغاء المنشور 20/20 الذى يسمح للمصدرين بإستغلال حصائل الصادرات السودانية فى عمليات الاستيراد والاستعاضة عنه بمنشور جديد يفرض بيع جميع حصائل الصادرات السودانية للبنك المركزى وبالسعر التأشيرى الذى يحدده البنك المركزى لسعر صرف الجنيه السودانى .
2/ عودة نظام إعلان العملات الاجنبية (Declaration) فى مداخل وموانئ البلاد المختلفة – (الجوية والبحرية والبرية)
3/ إلغاء المنشور 2/2015 والخاص بضوابط حسابات النقد الأجنبى للفنادق والجهات العاملة فى الانشطة السياحية .
3/ الغاء المنشور 3/ 2015م والخاص بضوابط حسابات التعليم العالى بالنقد الأجنبى .
4 / الاستعاضة عن المنشور 2/2015 بمنشور جديد بالتعاون مع وزارة السياحة كجهة رقابية – يمنع منع بات إستلام النقد الاجنبى من نزلاء الفنادق حملة الجوازات الاجنبية – جهة الإختصاص لإستلام النقد الأجنبى البنوك التجارية لصالح بنك السودان – دفع إستحقاقات الفنادق بالجنيه السودانى مع الاحتفاظ بالمستندات التى تثبت إستبدال العملات الاجنبية بالبنك جهة الاختصاص فى استلام النقد الاجنبى .
5/ على مؤسسات التعليم العالى كلها تحديد اى رسوم أو خدمات بالجنيه السودانى مع منح الاجانب إفادات بالمبالغ المستحقة على الطالب ، يذهب بموجبها الطالب الى البنك لتحديد المبلغ المستحق بالعملات الحرة عبر السعر التأشيرى لصالح بنك السودان ودفع المبلغ المستحق من قبل البنك للجهة المحددة عبر الشيك المصرفى بالجنيه السودانى .
6/ جميع المرتبات بالدولة السودانية تدفع بالجنيه السودانى بما فيها المنظمات والمؤسسات والسفارات العاملة فى السودان عبر حسابات خاصة بالجنيه السودانى عملة الدولة الرسمية بالسعر التأشيرى المحدد من البنك المركزى لشراء العملة الاجنبية وفى حالة إنتهاء فترة العمل بالسودان يحول المبلغ المتبقى فى الحساب الى عملة أجنبيه (وتصحبه السلامة).
7/ مراجعة اسعار السلع السودانية فى الاسواق العالمية لتحديد السعر التأشيرى للصادرات السودانية .
8/ عدم السماح بإستيراد كماليات السلع فى الوقت الراهن ، وحصر الأمر فى ضروريات السلع عبر فتح الإعتمادات البنكية .
9/ سد الثغرات والنوافذ التى تسمح بتسريب النقد الاجنبى خارج منظومة الدولة الاقتصادية وإغلاق جميع الحسابات الحكومية وحصرها فى بنك السودان او بعض البنوك الحكومية .
10/ تنشيط حركة التبادل السلعى بين السودان وبعض الدول .
11/ فتح حسابات مصرفية مع بنوك دول الجوار لتقنين حركة تبادل السلع من صادرات وواردات ..
12/ مراجعة اتفاقيات المستثمرين الاجانب داخل السودان مع مزيد من الشفافية والوضوح .
13/ ضبط حركة المرضى من دول الجوار عبر تقارير طبية وتكاليف علاج بالعملات الصعبة لصالح بنك السودان الذى يدفع لصالح المؤسسات العلاجية المبلغ بالجنيه السودانى .
14/ أحياء الادارة العامة للرقابة على النقد الاجنبى بالبنك المركزى (Exchange Control )
لابد أن يعلم الطاقم الاقتصادى بأن الجنيه السودانى هو عملة التداول داخل السودان ، عدا ذلك من عملات يفسح لها المجال لأروقة البنوك لصالح بنك السودان حتى يتمكن بنك السودان من تنظيم التجارة الخارجية وتحديد اولويات السلع المستوردة ومن اجل بناء احتياطيات تمكنه الوصول لمرحلة الاقتصاد الحر والسيطرة على استقرار سعر الصرف !!!. والى ذلك الحين يتطلب من الشعب السودانى الصبر الكثير حتى يأتى من يفهم ويعلم متى يقيد الاقتصاد ، ومتى يكون حرا طليقا تتقاذفه الامواج والاهوال والعواصف و الزوابع الرعدية فى عالم لا يرحم تحت شعار القانون لا يحمى المغفلين !!! .