اخبار السياسية الدولية والاقتصاد

الوساطة التركية بين إثيوبيا والصومال تربك الحسابات المصرية

 

يربك التحسن الظاهر في علاقات إثيوبيا مع الصومال جانبا من الحسابات المصرية التي شيدت مقاربتها حيال الصومال عقب نشوب توتر بين مقديشو وأديس وأبابا، والذي سعت القاهرة للاستفادة منه لدعم وجودها في القرن الأفريقي، لكن الوساطة التركية أربكت حساباتها.

وقد يقطع انفراد أنقرة بحل الأزمة بين البلدين الطريق على محاولات القاهرة لتطوير علاقاتها العسكرية والسياسية مع الصومال الذي تجاوب مع مصر تحت وقع الضغوط الواقعة عليه من جانب إثيوبيا، وإذا نجحت تركيا في رفعها تضمن حضورا مستقرا لها مع أديس أبابا ومقديشو، وتبعد القاهرة بشكل ناعم.

ويقول مراقبون إن الإحراج الذي ستجد مصر فيه نفسها نابع من التدخل الشكلي في ملف بعيد عنها ومن دون سياسة واضحة سوى مناكفة إثيوبيا وإفهامها أن القاهرة قادرة على إزعاجها بالتدخل في التوتر بينها وبين الصومال، لكن من دون امتلاك أوراق ضغط حقيقية، على عكس تركيا التي نجحت بسهولة في جمع الخصمين على طاولة المفاوضات ودفعت نحو التهدئة لامتلاك إثيوبيا والصومال مصالح مباشرة معها.

 

سمير فرج: مصر لا يعنيها أيّ تقارب صومالي مع إثيوبيا
سمير فرج: مصر لا يعنيها أيّ تقارب صومالي مع إثيوبيا

 

وعكس استقبال وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر محمد نور لنظيرته الإثيوبية عائشة محمد موسى في مقديشو، الخميس، وجود تحسن في العلاقات، ولو بشكل ظرفي، يمكن أن يعزز الالتزامات المنصوص عليها في إعلان المبادئ الذي وقع بأنقرة في ديسمبر الماضي.

وقطع الصومال وإثيوبيا شوطا لتحسين العلاقات بينهما بعد أن شابها توتر حاد عقب توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال تقضي بالحصول على نافذة بحرية، تستخدم لأغراض عسكرية وتجارية، مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال الإقليم.

وأدى التوتر بسبب هذه المذكرة، والتي تشرعن استقلال أرض الصومال، إلى قطيعة بين مقديشو وأديس أبابا والتهديد بنشوب مواجهات عسكرية جديدة بينهما، عندما اتجهت الأولى للاستنجاد بالقاهرة لإرسال أسلحة ومعدات عسكرية لها.

وفُسر التقارب بين الصومال ومصر على أنه موجه ضد إثيوبيا التي شيدت سدا عملاقا على نهر النيل، ما يضر بمصالح مصر المائية، واصطحب التطور الملحوظ في علاقات القاهرة بمقديشو وصول دفعات من الأسلحة إلى الصومال، وإعلان مصر المشاركة في مهمة حفظ السلام الجديدة (أوصوم) بدءا من يناير الجاري، وإرسال قوات أخرى للتدريب ومكافحة الإرهاب، بعد انتهاء مهمة بعثة السلام السابقة “أتميس” في نهاية ديسمبر الماضي.

وأكد الخبير الإستراتيجي ورئيس جهاز الشؤون المعنوية بالجيش المصري سابقا اللواء سمير فرج أن مصر لا يعنيها أيّ تقارب صومالي مع إثيوبيا، وليست منزعجة منه، وتُدرك أن لكل دولة مصالحها السياسية، وتتعامل مع الجميع من هذا المنطلق.

وأضاف فرج، وهو أيضا محاضر عسكري في أكاديمية ناصر التابعة للجيش المصري، أن العلاقة مع الصومال متميزة، بدليل أن التفاهمات العسكرية بينهما لا تزال قائمة، والعناصر الأمنية المصرية تقوم بتدريب نظيرتها الصومالية، ولمصر أسلحة على الأرض وقوات أمن متمركزة في الصومال.

◄ الإحراج الذي ستجد مصر فيه نفسها نابع من التدخل الشكلي في ملف بعيد عنها ومن دون سياسة واضحة ولا أوراق ضغط حقيقية

ولفت لـ”العرب” إلى أن التحركات التركية لا تضر بمصالح مصر، لأن القاهرة تعي تماما حاجة أنقرة إليها، وحرصها على عدم المساس بالعلاقات معها، كما سبق وأن رفض الصومال تواجد القوات الإثيوبية ضمن عناصر حفظ السلام الدولية على أراضيه، ومصر على يقين بأنها أقرب إلى الصومال من أيّ بلد في القرن الأفريقي.

ومع الشروع في خطوات المصالحة بين الصومال وإثيوبيا، التي كّللت بتوقيع إعلان أنقرة عقب لقاء مباشر بين الرئيس حسن شيخ محمود وآبي أحمد في أنقرة برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدأت الاتصالات المباشرة بين الجانبين بعد لقاءات غير مباشرة عقدت بين وفود من البلدين بوساطة تركية.

وأعلن وزير خارجية الصومال أحمد معلم فقي، الخميس، حل الصراع مع إثيوبيا قائلا “إن النضج الدبلوماسي المتزايد” مكّن الصومال من تحقيق هذا الاختراق.

وفي منشور على منصة إكس، الجمعة، قالت وزارة الخارجية الإثيوبية إن البلدين “اتفقا على التعاون في مهمة حفظ السلام (أوصوم) وتعزيز العلاقات الثنائية”.

وأفادت تقارير صومالية أن مقديشو وافقت على مساهمة إثيوبيا بقوات في (أوصوم) بعد عام من الرفض والخلافات مع أديس أبابا، وأن الأعداد النهائية للقوات الإثيوبية سيتم تحديدها خلال اجتماع بين حسن شيخ محمود وآبي أحمد في قمة برنامج التنمية الزراعية التابع للاتحاد الأفريقي CAADP  في العاشر من يناير الحالي بأوغندا.

 

أحمد معلم فقي: النضج الدبلوماسي المتزايد مكّن الصومال من تحقيق هذا الاختراق
أحمد معلم فقي: النضج الدبلوماسي المتزايد مكّن الصومال من تحقيق هذا الاختراق

 

والمضي في مسار التحسن ليس في صالح مصر، حيث تزامن اتجاهها لتطوير العلاقات مع مقديشو مع توتر العلاقات بأديس أبابا، وقرار الصومال طرد القوات الإثيوبية العاملة في أراضيه، بشكل ثنائي أو ضمن بعثة حفظ السلام (أتميس) التي انتهت ولايتها وحلت مكانها (أوصوم)، وقبل الصومال بمشاركة مصر فيها.

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن إتمام المصالحة بين الصومال وإثيوبيا يرفع عن مصر أيّ حرج يمكن أن تواجهه قواتها ضمن بعثة (أوصوم) في الصومال بعد تهديدات إثيوبية مبطنة باستهدافها قد تجعل مهمتها أكثر صعوبة.

وتؤدي الاستدارة الدائمة أو المؤقتة إلى فرض أمر واقع جديد، حيث جرى التفاهم على تفكيك الأزمة التي أفضت إلى التوتر على أساس الاعتراف بدولة الصومال الموحدة وعدم توقيع اتفاقيات مع أقاليم تابعة لها رسميا، مع منح إثيوبيا منفذا على البحر الأحمر بالاتفاق مع حكومة مقديشو، وليس أي إدارة إقليمية، وتستكمل محادثات أنقرة في فبراير المقبل لتحويل اتفاق المبادئ إلى نهائي.

ويشير هذا التطور إلى إعادة النظر في مسألة خروج القوات الإثيوبية من الصومال وإمكانية استمرارها في مهمتها ضمن بعثة (أوصوم)، ومكافحة الإرهاب، ما يعني ضمنيا تراجع حيوية المهمة المصرية التي فهم أنها ستحل محل المهمة الإثيوبية.

ويشير أيضا إلى احتمال حدوث فتور في العلاقات بين مقديشو والقاهرة، إذ استندت مقدمات التقارب بينهما إلى معالم التوتر الحاصل بين الصومال وإثيوبيا.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد قبل أيام على “الارتباط الوثيق بين الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي والأمن القومي المصري”، مشيرا إلى قيام مصر بدعم الصومال لتحقيق الأمن والاستقرار عبر التعاون الثنائي أو المشاركة في بعثة السلام.

العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..