مقالات وآراء سياسية

التنافس المصري التركي على القرن الإفريقي : أبعاده وأجنداته في ظل الصراع الإقليمي المتصاعد

أبوبكر عبدالله

 

في قلب العالم ، حيث يلتقي البحر الأحمر بالمحيط الهندي ، تتصاعد وتيرة المنافسة بين قوتين إقليميتين بارزتين : مصر وتركيا. يشهد القرن الأفريقي ، بثرائه الجيوسياسي والاقتصادي ، سباقًا محمومًا بين الدولتين ، تُستخدم فيه أدوات الدبلوماسية ، الاستثمار ، القوة الناعمة، وحتى النفوذ العسكري. هذه المنطقة ، التي لطالما كانت مركزًا للأطماع الإقليمية والدولية ، أصبحت اليوم مرآة تعكس التحولات الكبرى في النظام العالمي وصراع القوى الصاعدة.

 

لم يكن هذا الصراع وليد اللحظة ، بل يمتد بجذوره إلى قرون مضت. فالإرث العثماني الذي طال القرن الأفريقي ، وما تبعه من هيمنة مصرية مدفوعة بموقعها الجغرافي واستراتيجيتها التاريخية ، خلق منافسة طويلة الأمد. تركيا ، بنهجها الحديث ، تحاول إحياء روابطها التاريخية عبر مشاريع ثقافية وتنموية ، بينما تركز مصر على أدوارها الدينية والسياسية لتعزيز موقعها في المنطقة.

 

لكن هذه المنافسة لا تُفهم بمعزل عن الجغرافيا. فالقرن الأفريقي ، المحاذي لمضيق باب المندب ، يُعد شريانًا حيويًا للتجارة العالمية ، ما يجعله منطقة محورية لأي قوة تطمح لتعزيز نفوذها الإقليمي أو التحكم في طرق الملاحة الدولية.

 

يعكس التنافس المصري التركي تباينًا في الرؤى الاستراتيجية وطبيعة الأنظمة السياسية في كلا البلدين. مصر ، التي تعطي الأولوية للاستقرار الداخلي ومواجهة التحديات الأمنية ، تنظر إلى القرن الأفريقي من منظور الأمن القومي ، خاصة فيما يتعلق بحماية قناة السويس والتصدي للتهديدات القادمة من الجنوب.

 

في المقابل ، تتبنى تركيا رؤية توسعية، تُعززها قوتها الاقتصادية ودبلوماسيتها النشطة ، حيث تحاول تقديم نفسها كقوة إقليمية عابرة للقارات. هذه الرؤية انعكست في سياساتها الطموحة مثل تطوير ميناء سواكن في السودان وتعزيز وجودها العسكري في الصومال.

 

الاقتصاد هو سلاح حاسم في هذا الصراع. تركيا ، عبر استثمارات ضخمة في البنية التحتية والزراعة والطاقة ، تسعى لبناء شراكات اقتصادية طويلة الأمد مع دول مثل إثيوبيا والصومال. وفي ذات الوقت ، تحاول مصر استغلال الروابط الاقتصادية لضمان استقرار مصالحها الاستراتيجية ، خصوصًا في ظل أزمة سد النهضة ، التي تمثل تهديدًا وجوديًا لمواردها المائية.

 

يمتد الصراع إلى المجال الثقافي والديني ، حيث يتنافس الأزهر الشريف ، كرمز للإسلام المعتدل ، مع النفوذ التركي الذي يتمدد عبر أدوات مثل “تيكا” والمراكز التعليمية والدينية. هذا الصراع يُظهر محاولة كل طرف لتقديم نفسه كزعيم للعالم الإسلامي في إفريقيا.

 

أدركت كل من مصر وتركيا أهمية الأمن في منطقة القرن الأفريقي. بينما تركز مصر على مكافحة الإرهاب ومنع الفوضى التي قد تمتد إلى حدودها ، تعمل تركيا على تعزيز وجودها العسكري وتطوير شراكاتها الدفاعية ، لتؤكد أنها لاعب رئيسي في استقرار المنطقة.

 

رغم شراسة التنافس ، تحمل هذه الديناميكيات فرصًا للتعاون المشترك. فكلا البلدين يمكنهما لعب دور محوري في دعم استقرار القرن الأفريقي ، إذا ما تم توجيه الاستثمارات والمساعدات نحو تنمية حقيقية تخدم شعوب المنطقة.

 

في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية ، يُعد القرن الأفريقي مسرحًا مثاليًا لتجربة توازنات جديدة. التنافس بين مصر وتركيا يعكس تطلعاتهما المتباينة ، لكنه أيضًا يضعهما أمام اختبار صعب : هل سيقود هذا الصراع إلى مواجهة تُفاقم الأزمات ، أم إلى شراكة تفتح آفاق التنمية والاستقرار؟.

 

يبقى السؤال مفتوحًا ، في منطقة تشهد تحولًا سريعًا بين الطموحات الإقليمية والمخاطر الدولية ، حيث تُصاغ ملامح المستقبل بين صراع الإرادات وفرص التعاون الممكنة.

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. مصر ليس لها أي مقدرة على الدول الأفريقية كما لدي تركية الدولة الكبرى الغنية مصر لاتقدر الا على السودانيبن لأنهم غير وطنيين يبعوا بلدهم بي شقه مفررشة في القاهرة الغزوة مصر في أمس الحوجة للفول والعيش الأمريكي و الطعمية ، الطيران المصري دك كل المناطق الصناعية في السودان والان يضرب المدنيين اعمل مزيد من الخلخلة في المجتمع السوداني ، مصر على إرتريا لاتقدر لان حكامها وطنيين وليس فلانه وعلى إثيوبيا ما تقدر لان حكمها وطنيين أسياد البلد وليس فلاته مهاجرين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..