مقالات وآراء

نعم من رحم المعاناة يولد الابداع

تحروا الهلال

محمد شوربجي

🌐🌐🌐🌐🌐🌐🌐🌐🌐🌐

يقول ابن خلدون :

الأوقات الصعبة تصنع رجالا أقوياء والرجال الأقوياء ٦يصنعون أوقات الرخاء …

فحقا ما يقدمه منتخبنا الوطني ونادي الهلال في البطولات التي يشاركون فيها هو عظيم بكل ما تحمل الكلمة من معني وقد نال كل اعجاب العالم …

فما اكثر ما نسمع ونقرأ من اعجاب وثناء من غير السودانيين في كل القنوات وكل الميديا وكل الصحف …

فلسان حالهم وكأنه يقول كيف استطاع السودانيون تقديم كل هذا الابداع الكروي والسودان يعاني ما يعاني من حرب ضروس قد عطلت كل مناحي الحياة …

فحقا لا حياة حقيقية في السودان وقد افتقدت الرياضة كل اسباب وجودها شأنها شأن كل المرافق الحياتية …

فلا ملاعب ولا اموال داعمة ولا جماهير …

ورغم كل هذا نجد ابنائنا البررة يبدعون وقد تقدموا كل الصفوف ليؤكدوا للعالم ان الانسان السوداني قادر علي الابداع في كل الظروف …

وانه قاهر للمستحيل …

وانه صانع للمعجزات ….

فحقا صدق من قال (من رحم المعاناة يولد الابداع ) …

فالإبداع كما يقولون هو ومضة تسكن الذات واذا ما استفزت بأي مسبب نجدها قد خرجت للواقع بجمال أخاذ والق لا يضاهي …

فلو تتبعنا المبدعين عبر التاريخ نجد أن اكثرهم قد قاسي الأمرين حتى وصل مبتغاه ليصبح مشهورا يشار اليه بالبنان …

فالاديب والروائي العالمي فيودور ديستويفسكي هو مثال حي وقد عانى ما عانا من امراض وسجون واضطهاد في العهد القيصري الروسي في القرن التاسع عشر ومع ذلك اعتبرت كل رواياته من روائع الادب العالمي الرفيع…

وفينيست فان غوخ هو أحد أبرز الرسامين وأكثرهم تأثيرا في تاريخ الفن الغربي بـ 2100 عمل فني فقد كانت كل حياته مليئة بالمعاناة والعذاب ، لدرجة انه قطع جزء من أذنه كما أنه عانى من موجات اكتئاب ونوبات انتهت بانتحاره سنة 1890 عن عمر 37 سنة فقط …

وبيتهوفن صاحب أعظم سمفونية موسيقية مرت على تاريخ الموسيقى البشرية كان يعاني من الصمم إلا أن إسهاماته الموسيقية غيرت عالم النوتات للأبد وقد عانى كذلك من اضطراب ثنائية القطب والتي تظهر على شكل حزن عميق وضحك هستيري غير مبرر وعاش طفولة قاسية أثرت على نفسيته .. فيقال ان والده كان مدمن كحول وكان يعنفه لدرجة فقدانه السمع ورغم كل ذلك الألم ألف أعمالا خالدة دون استعمال أذنيه وتوج نفسه ملكا للنوتات الموسيقية للأبد …

وهذا بشار بن برد ذلك الشاعر المعروف وقد كان فاقدا للبصر بالإضافة إلى ذمامة خلْقة وعاش يتيماً فقيراً مشكوك في نسبه اهو عربي هو أم مولى وكما في قصته الشهيرة حين قال له آخر لما سمع شِعره وعرف أنه مولى : فقال ما للمولي وللشعر؟ .

فغضب وقال أبياتًا شهيرة في ذلك منها :

أعاذل لا أنام علي اقتسار … ولا ألقي علي مولي ولا جار

سأخبّر فاخر الأعراب عنّي … وعنه حين بارز للفخار

أنا ابن الأکرمين أبّاً وأمّاً … تنازعني المرازب من طخار

وكذلك الشاعر الحطيئة الذي صال وجال بأشعاره رغم معاناته النفسية بسبب أُمه التي شككته في نسبه فمرّة تقول له أخوالك من قبيلة كذا ومرات تقول إن أخواله من قبيلة ثانية وهكذا حتى خرج الشاعر العظيم مضطرباً نفسياً سببت عقدة عاشت وكَبَرت معه وأثرّت على شخصيته ومع ذلك كانت نصوصه وقصائده من العجب العجاب جمالاً وتفرداً والقصة المعروفة التي بسببها أخرجته ممّا كان فيه من ضيق:

ماذا تَقولُ لِأَفراخٍ بِذي مرخٍ … زغبَ الحَواصِلِ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ

أَلقَيتَ كاسِبَهُم في قَعرِ مُظلِمَةٍ .. فَاِغفِر عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ يا عُمَرُ

أَنتَ الأَمينُ الَّذي مِن بَعدِ صاحِبِهِ … أَلقَت إِلَيكَ مَقاليدَ النُّهى البَشَرُ

لَم يوثِروكَ بِها إِذ قَدَّموكَ لَها … لَكِن لِأَنفُسِهِم كانَت بِكَ الخِيَر

والامثلة كثيرة …

فالمعاناة اخوتي تجر الانسان للإبداع إذا كان صاحبها يحمل بذرة التميز …

لأن الإبداع بحاجة إلى وقود والألم هو وقود الإبداع …

فلا غرابة ولا عجب ان أبدع اهلنا السودانيون في هذه الاوقات العصيبة…

فحافظوا اخوتي علي هذا الابداع الذي اصبح محيرا للعالم …

وظني ان هذه المعاناة التي تلف كل جوانب حياتنا ستصنع سودان الغد المشرق الذي نحلم به جميعا …

وحفظ الله السودان واه‍له من كل مكروه …

 

[email protected]

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..