مقالات وآراء

مطلوبات تحقيق النهضة ٢/١

د. محمد حمد مفرح

 

تمثل النهضة الشاملة لأي دولة أو شعب ، وفقا للمفهوم المتعارف عليه في الأدبيات السياسية ، أساس التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المبني على التطوير الفكري والثقافي الهادف لتطور الوطن ورفاه الشعب. واستنادا الى هذا المعنى تحتاج النهضة الى الفكر الثاقب والاستنارة Enlightenment والعقل سياسي المؤهل لتحقيقها ، بجانب حاجتها للأهلية الأخلاقية للساسة والكيانات السياسية ، مع توافر الحس الوطني في هؤلاء الساسة. ونظرا لأن تحقيق النهضة لا يتم في فراغ بل في بيئة معينة ، فهناك حاجة ماسة لخلق بيئة ملائمة تعين على تحقيق هذه النهضة. وتمثل النهضة التعليمية ، بطبيعة الحال ، حجر الزاوية Cornerstone في ترجمة النهضة الشاملة الى واقع. وليس أدل على ذلك من قيام دول عديدة بايلاء التعليم الاهتمام اللازم ، عبر تخصيص ميزانيات مقدرة له مما ادى الى انعكاس ذلك على الواقع النهضوي لشعوبها على أكثر من صعيد. و قد عمل هذا بدوره على تمكين هذه الدول من الترقي في طريق النهضة الشاملة.

ونظرا لأن بناء الأوطان و الرقي الشعوب و بلوغها افاق النهضة الحقيقية يحتاج لجهود ضخمة ، فان تحقيق هذه النهضة ليس بالأمر السهل وان الطريق إليه ليس مفروشا بالورود بل تعتوره المتاريس والأشواك والحفر. لذا فالنهضة تحتاج الى نضال فكري وثقافي لتهيئة البيئة الخصبة لها. ذلك ان عملية التحول الاجتماعي Social transformation تحتاج لرؤية واضحة وأهداف محددة وخطط ذكية علاوة على استراتيجيات تعمل على مواجهة كل التحديات ، باعتبار ان بناء الانسان و مواجهة واقع المجتمعات بكل تحدياته و تعقيداته يمثل حربا باردة Cold war في عدة جبهات ، إذا جاز التعبير.

و بناء على هذه المعطيات المفتاحية لتحقيق النهضة فانها تمثل ، في التحليل النهائي ، تحديا تطويريا كبيرا ، بحكم طبيعتها وسيرورتها الطويلة long process متعددة المراحل. لذا فان الدول المتقدمة التي تتصدر المشهد الحضاري الدولي الحالي لم تبلغ ما بلغته من شأو الا من خلال عقول متفردة و رجال مراحل مختلفة نوافرت لهم الوطنية و الاهلية الأخلاقية والهمة والعزم على بناء اوطانهم عبر نظم سياسية منتجة. وقد تمظهر ذلك من خلال النهضة التي حفقتها عدد من دول العالم التي يشبه واقعها واقع بلادنا في بعض الجوانب ، مثل ماليزيا والهند ورواندا ، على سبيل المثال لا الحصر.

وتبعا لذلك فقد ادركت الدول التي استشرفت واقعا نهضويا مقدرا ان تحقيق النهضة لا يستند الى التنظير الطوباوي Utopian theorization المجرد بقدر اعتماده اللازم والضروري على استهداف التنظير لتحقيق النهضة الحقيقية ذات الاثار الايجابية على الأرض.

وتأسيسا على ما سبق فان من المنطقي ان تحتاج النهضة الى عقود بل وربما قرون من الزمان تتراوح بين قرن الى قرنين ، كما حدث في بعض الدول الأوروبية. وتمثل اوروبا ، من خلال تاريخها الطويل في مواجهة واقعها الذي كان موسوما بالتخلف وغارقا في التيه والظلام ، تمثل الأنموذح الناصع لقهر التخلف واحداث اختراقات كبيرة في سبيل استشراف النهضة التي حققت التطور الحضاري المادي الذي تعيش في ظله البشرية حاليا ، بعد اندياحه على كل أنحاء المعمورة. وقد أنتج هذا التطور ثورة الاتصال والتقنية الحديثة التي نقلت البشرية الى افاق التطور والنهضة غير المسبوقة.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..