هل يثمر “مشروع 2025” اعترافا أميركيا بصوماليلاند؟
قد يخلق أخطاراً من شأنها أن تؤدي إلى إفشال المحادثات بين مقديشو وهرجيسا مما يخلق بيئة خصبة للانفلات الأمني وتصاعد الحركات المتطرفة

محمود محمد حسن عبدي كاتب وصحفي صومالي
ملخص
يعتبر البعض أن هناك تبعات غاية في الخطورة لإقدام دولة بحجم الولايات المتحدة على خطوة الاعتراف بصوماليلاند
يتصاعد الحديث خلال الفترة الأخيرة عن طرح قضية الاعتراف الرسمي بإقليم صوماليلاند الواقع على الشاطئ الجنوبي لخليج عدن في أروقة السياسة الأميركية، مما أثار جدلاً حول ذلك الكيان السياسي الذي طفى اسمه على السطح بعد التداول السلمي للسلطة إثر انتخاباته الرئاسية الرابعة وتولي رئيسه السادس مهماته أخيراً.
ومع استمرار القيادة السياسية المدعومة شعبياً في الدفع بملف الاعتراف الدولي بالجمهورية التي أعلنت الاستقلال منذ أكثر من 30 عاماً عن جمهورية الصومال إثر سقوط نظام الجنرال محمد سياد بري، يأتي “مشروع 2025” ليلقي الضوء على هذه القضية، بخاصة أن النشرة في مجلد من 920 صفحة والصادرة عن مؤسسة “هيرتتج” الأميركية اليمينية جمعت نتاج سياسيين وباحثين محافظين بينهم 140 عضواً من إدارة ترمب السابقة، لترسم خطوط رؤيتها المسبقة لانتقال سياسي في العهد الجديد للإدارة الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وكان ما قدمته عالمة السياسة الأميركية كارين كيه سكينر التي شغلت منصب مديرة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية خلال إدارة ترمب الأولى مثار جدل كبير على المستوى الصومالي في هرجيسا ومقديشو على حد سواء، إضافة إلى المستويات الإقليمية، فقد أوردت في الصفحة 186 أهمية الاعتراف بكيان صوماليلاند كدولة قائمة بذاتها في معرض مجابهة الخطر الصيني، وقالت إن “مكافحة النشاط الصيني الخبيث في القارة ينبغي أن يشمل تطوير جهود دبلوماسية عامة قوية والاعتراف بدولة صوماليلاند للتحوط ضد تدهور موقف الولايات المتحدة في جيبوتي”.
نقد الاهتمام بـ “مشروع 2025”
ويرى كثير من الخبراء أنه على رغم خطورة الطرح الذي ورد في مشروع 2025 حول الاعتراف بصوماليلاند على مستقبل جمهورية الصومال الفيدرالية وبالتالي استقرار منطقة القرن الأفريقي، لكن هناك توجهاً للتقليل من أهمية تلك النشرة، إذ يرى الدبلوماسي السابق من الصومال جبريل حسين أن المشروع لا يعدو كونه استشارات قدمتها تلك الكوكبة من الخبراء والسياسيين، من دون نفي خطورة هذا التوجه، مضيفاً أن “ما جرى طرحه من قبل مركز ‘هيرتتج’ المرموق ليس ذا تأثير على الأوضاع في القرن الأفريقي، ولا يتجاوز كونه مسعى آخر لمواجهة العملاق الصيني الذي يزداد قوة وتغلغلاً في القارة الأفريقية يوماً بعد، وقد يكون إغفال المشروع لتبعات هذا التوجه الذي يمس السيادة الصومالية وما قد ينتج منه من زعزعة خطرة للاستقرار في القرن الأفريقي، دلالة على حشد كل الاحتمالات ليتسنى لصانع القرار تنفيذ ما هو ممكن، وليس بالضرورة أن ينقل توجه الرئيس الأميركي خلال فترته الجديدة، بخاصة أنه أبعد نفسه عن المشروع في إحدى منشوراته”.
كما أن هناك تبعات غاية في الخطورة لإقدام دولة بحجم الولايات المتحدة على خطوة الاعتراف هذه، ويضيف حسين أنه “في حين أن إنجازات صوماليلاند جديرة بالثناء على مستوى الاستقرار والعملية الديمقراطية المنتظمة فيها وتقاليد التداول السلمي للسلطة، وذلك ما يتطلع إليه الصوماليون في كل بلادهم بعد ثبوت إمكانه، فإن احتمال الاعتراف بها من جانب الولايات المتحدة يخلق أخطاراً عميقة من شأنها أن تؤدي إلى إفشال المحادثات بين مقديشو وهرجيسا، وكذلك يهيئ لبيئة خصبة للانفلات الأمني وتصاعد قوى الحركات المتطرفة والقرصنة، كما قد تتجاوز حال عدم الاستقرار الصومال إلى المحيط الإقليمي وتتصاعد إلى مستوى عالمي، مع انتعاش آمال الحركات الانفصالية حين ترى نجاح جهود إحداها بالحصول على الاعتراف من قبل القوة الأكبر في العالم، لذا ينبغي على الدبلوماسية الأميركية التركيز على تعزيز الوحدة وتسهيل التوصل إلى حل سلمي بدلاً من تأييد الانقسام”.
اختراق مهم
ويظهر استبشار كثير من مؤيدي انفصال صوماليلاند بما جرى طرحه في “مشروع 2025” من أنه اختراق كبير قد تحقق، نظراً لبروز مؤشرات على قناعة تزداد رسوخاً لدى أشخاص مؤثرين في أروقة السياسة الأميركية بوجود مصلحة إستراتيجية لبلادهم في الاعتراف بصوماليلاند أو “جمهورية أرض الصومال”.
ويؤيد الباحث والأكاديمي مهد عبدالله من هرجيسا وجهة النظر تلك بالقول إنه “يمكن اعتبار توجه أميركا للاعتراف بصوماليلاند في ‘مشروع 2025’ تقدماً يحمل أهمية عظيمة، إذ علينا الاعتراف بأن الصومال عانى لفترة طويلة انعدام الحلفاء مما أدى إلى بذل الجهود لدعم حل للمشكلات السياسية والأمنية العالقة منذ ثلاثة عقود، لكن مع بروز قناعة بإيجابية عوائد الاعتراف بهذا البلد لدى صناع الرأي ومراكز الأبحاث، وقد بات الاعتراف الأميركي بدولتنا مسألة وقت، مما يعني ازدياد حماسة شعبنا الذي قدم تضحيات كثيرة خلال أربعة عقود لخلق كيان سياسي فريد في ديمقراطيته واستقلاله، بمساحة وسكان يزيدان على كل من تونس وليبيا”.
يضيف عبدالله أن “الخبراء والمسؤولين الأميركيين أصبحوا يدركون أنه من خلال اعتراف الولايات المتحدة بصوماليلاند التي تمتلك شريطاً ساحلياً بطول 800 كيلومتر على الساحل الجنوبي لخليج عدن ومدخل مضيق باب المندب والبحر الأحمر من ورائه، يمكنها أن تحقق أحد أهم أهدافها الإستراتيجية في حماية أمن البحار، مما يعزز نفوذها في القرن الأفريقي، وهي المنطقة التي أصبحت بصورة متزايدة مساحة متنازعاً عليها بين القوى العالمية مثل الصين وروسيا”.
وبالحديث عن الواقع السياسي في القرن الأفريقي وتوافق النظم والدول القائمة فيه مع القيم السياسية التي تنادي بها الهياكل الأممية والمجتمع الدولي، والذي تعتبر الولايات المتحدة فاعلة فيه، يضيف عبدالله أن “صوماليلاند كيان وأمر واقع لم ينتظر شعبه إذناً لقيامه، وقد غدا بجهود أبنائه يمتلك مقومات الدولة ذات التقاليد الديمقراطية الراسخة مع إرادة سياسية متجذرة في تكوينه لاستكمال أدوات حماية حقوق الإنسان والسعي إلى ازدهار السكان، ويمكن للولايات المتحدة عبر الاعتراف به أن تعزز نموذجاً للحكم يشجع الاستقرار في منطقة محفوفة بالصراع والتمرد والتطرف”.
الأولوية لدى ترمب هي الاستقرار
وفي الوقت ذاته يرصد أكاديميون وخبراء التوجهات المعلنة للرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال فترته الثانية في ظل عالم يموج بالصراعات الدامية في أوروبا والشرق الأوسط، وفي مناطق أفريقية عدة، ومن خلال مساعيه المعلنة إلى وقف الاقتتال في شرق أوروبا والحرص على إنهاء سريع للحرب في غزة، ويؤكد أستاذ الدراسات الأفريقية وخبير تسوية الصراعات بدر حسين شافعي أن مهمات الإدارة الأميركية على مستوى السياسة الخارجية كثيرة مما لا يسمح لها بفتح ملفات قد تؤثر في استقرار مناطق إستراتيجية كملف الاعتراف الرسمي بصوماليلاند وتأثيراته في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، مضيفاً “لا أتصور أن الإدارة الأميركية الجديدة قد تقدم على الاعتراف بصوماليلاند التي يمكن اعتبارها غريبة في هذا التوقيت المزدحم بالصراعات شديدة العنف والخطورة في أوروبا والشرق الأوسط والسودان”.
وفي سياق توضيح التبعات التي قد تنشأ عن الاعتراف الرسمي بصوماليلاند يستطرد شافعي أن “خطوة كهذه قد تخلق أزمة مع دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة ألا وهي جمهورية الصومال الفيدرالية، كما قد يقود إلى تدهور سريع في العلاقات الصومالية – الإثيوبية التي لم تكد تتعافى بعد من أزمتها السابقة المتعلقة بالملف ذاته”. ويتابع “إقدام الإدارة الأميركية الجديدة على مثل هذا الإجراء يتناقض مع التوجه الحالي المعلن للرئيس الأميركي والذي يقضي بالحرص على بسط الاستقرار في منطقة البحر الأحمر، على خلاف ما يسوقه بعضهم من تراجع الواقع الأميركي في جيبوتي، إذ قد تتولد تبعات سلبية على المستويات السياسية والأمنية في منطقة القرن الأفريقي مما يُوجب حدوث تدخلات تستدعي جهوداً وموارد لا يبدو أن الإدارة الحالية في وارد إنفاقها على المنطقة، ولذلك فمن المستبعد إقدام الإدارة الأميركية على هذه الخطوة خلال المدى الزمني القريب”.
توافق على أهمية الاعتراف
ويحاول المحلل السياسي الإثيوبي عبدالقادر مانو تسليط الضوء على النقاط الرئيسة التي تجعل خيار الاعتراف الدولي بصوماليلاند خياراً جاذباً، ويقول “لا تبتعد وجهة نظر النخب الفكرية الإثيوبية عن نظيرتها الأميركية تجاه أهمية صوماليلاند، وإن كان الجوار الجغرافي يمنحها مزيداً من الأهمية بالنسبة إلى الإثيوبيين، فقد حافظت صوماليلاند على سلام نسبي مقارنة بالصومال، كما أن أطرافاً دولية وإقليمية عدة تعاني عدم قدرتها على تجاوز التناقضات التي يخلقها ضعف الحكومة الفيدرالية الصومالية، على رغم احتفاظها بالاعتراف الدولي وعجزها عن بسط سيادتها وتفعيل أجهزتها على أجزاء واسعة من أراضي جمهورية الصومال، في حين تبسط دولة صوماليلاند سيطرتها على أراضيها وبخاصة تلك المناطق ذات الثقل السكاني والأهمية الاقتصادية والإستراتيجية، مما يزيد أعباء الأطراف الخارجية الراغبة في العمل والاستثمار في المناطق الأكثر أمناً واستقراراً، لذا فالاعتراف الدولي بصوماليلاند من شأنه أن يزيل تلك التناقضات ويعزز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وهو ما يصب في المصلحة الإستراتيجية لدول الجوار والمحيط الإقليمي، ويفتح آفاقاً اقتصادية لها ولا سيما من خلال تسهيل الوصول إلى الموانئ، وتعزيز طرق التجارة واستغلال الموارد البحرية”.
ومع تصاعد الأخطار الأمنية في خليج عدن والبحر الأحمر يرى مانو أن الاعتراف بصوماليلاند من قبل أطراف عدة مفيد في تعزيز دور الدولة البحرية، موضحاً أن “صوماليلاند نجحت بمواردها الذاتية البسيطة في منع أنشطة القرصنة انطلاقاً من شواطئها، كما حافظت على مياهها الإقليمية وأراضيها خالية من الحركات المتطرفة المسلحة بجهود أمنية ومشاركة شعبية، وهي منفتحة على التعاون مع الجميع لتعزيز قدراتها الأمنية في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية، لذا فالاعتراف بها من شأنه أن ينمي إطاراً أمنياً تعاونياً في المنطقة مع معالجة المخاوف المشتركة تجاه القرصنة والهجرة غير الشرعية التي تتجاوز في تأثيرها المنطقة إلى شبه الجزيرة العربية، كما سيفتح هذا الاعتراف باباً لتعاون إقليمي واسع لتشكيل قوة بحرية إقليمية مشتركة تهدف إلى تجنب استخدام الممرات المائية الإستراتيجية الممثلة في خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر كأداة من أدوات الصراع العنيف في النزاعات الإقليمية القريبة”.
اندبندنت عربية