مقالات وآراء سياسية

حقائق تتغافلها القوي المعادية لحركة التغيير…!

أحمد بطران عبد القادر

 

إن كثير من الذين ظلوا يساندون الأنظمة الاستبدادية ويمجدون فعلها يعملون علي حماية مصالحهم الطبقية او يتطلعون لترويج أفكارهم الهدامة او فرض أيدلوجياتهم المنكرة الغريبة علي ثقافة شعبنا الجبار المتسامح المتعايش سلميا لعقود وحقب من الزمان مضين ولعل من أشعلوا فتيل الأزمة في بلادنا وتورطوا في الحرب كانوا يهدفون الي الصعود لأعلى هرم السلطة والهيمنة على مفاصل الدولة يستهدفون بذلك إعاقة عملية التغيير نحو التحول المدني الديمقراطي التي في حال بلوغها غاياتها ستضرر مصالحهم الطبقية ويتعرضون للمحاكمات الجنائية والمساءلات القانونية واللعنات الشعبية وقد اتخذوا العنف منهجا لهم في ارهاب الآخر وقهره ليسلم ويرضى من الغنيمة بالاياب يعتقدون بذلك ان الشعب المنتفض قد يأس من التغيير ويمكن تطوعيه وتركيعه بفوهة البنادق لكن هيهات … َفهؤلاء يجهلون حقائق واضحة كالشمس في رابعة النهار حول طبيعة شعبنا ذو التاريخ العريق والماضي المشرق المجيد والتي تتمثل في :

١/ اتساع دائرة الوعي لدي الشعب السوداني بما يؤهله ان يقاوم كل المشاريع التي لا تتوافق مع مصالحه ورؤيته للكيفية التي يريد ان يعيش بها؟ ووماهي موجبات النهوض؟ وكيف يحكم؟ واي المدارس الاقتصادية التي تناسبه؟ متحديا كل مشاريع الازلال والتقسيم التي تتبناها القوى الظلامية المساندة للاستبداد الداخلية والخارجية فقد اكتفي من الصبر علي القهر والاستبداد وارادته الكلية تتجه للعمل نحو التغيير لواقع افضل ينعم فيه بالحرية والعدل والسلام .

٢/ ومن هذه الحقائق التي يجهلون او يتغافلون عنها هي ان عنصر الدين لم يعد فاعلا في التجييش لشن الحروب والتفاعلات النخبوية فلن تكون هنالك مهدية ثالثة في السودان..! حيث ان المهدية الأولى نجحت كثورة شاركت فيها كل مكونات المجتمعات السودانية وفشلت كدولة في إعادة البناء علي اسس العدل والمهنية ولم يستطع انصار المهدية الاولي ان يقدموا نقدا مثمرا لتجربة حكمهم تتجاوز ما افرزته من مرارات ومحن وغبن ساد في كل بقاع السودان وقد ظل الشعب السودانى يحتفي بها رغم المرارات والجراح فقط لانه ينظر اليها كثورة وطنية تحررية خلصته من استبداد المستعمرين وقد اظهرت البطولة والجسارة السودانية في قهر العدو بيد انه يلعن من بعد ذلك فترة حكمها السلطوي الباطش ملخصا نقده لتجربة حقبتها الفاسدة بعبارة شعبية عفوية (انت قايل البلد مهدية) لاختلال ميزان العدل فيها واعتماد السلطان علي السيف والخاذوق في التعامل مع المعارضين والخصوم .

اما المهدية الثانيه فهي من أسوأ المراحل التاريخية التي مرت علي شعبنا تمثلت في تجربة الاسلاميين الذين صعدوا للسلطة بانقلابهم المشؤوم في ١٩٨٩م وطرحوا شعار مثل شعار المهدية الاولي تعبيرا عن ان دولتهم دولة دينية تستمد قوتها من تسخير البلاد والعباد لخدمة مشروعهم المرتبط بالسماء…! (كل شيء لله) فقد كان هذا شعارهم وشعار المهدية الاولي (قوموا في شان الله) وقد خرج الشعب السوداني بكافة مكوناته الاجتماعية والثقافية شاهرا سيف السلمية رافضا لحكمهم او لعودتهم بمنحهم فرصة ثانية اشعلوا حربا دموية لينالوها ورافضا للدولة الدينية بشكلها القديم كما جسدتها تجربة المهدية الأولى ورافضا لشكلها الحديث كما جسدتها تجربة المهدية الثانية تجربة الدولة الدينية بقيادة الاخوان المسلمين .

٣/ من هذه الحقائق الغريبة علي تفكيرهم ان مشروع السودان الجديد الذي طرحه جون قرنق (المرتكز علي ان وحدة السودانيين مشروط بدولة المواطنة والهوية السودانوية) لم يسقط وانما تخلي عنه أصحابه حيث استطاع النظام القديم بتحالفاته القبلية وتنازلاته للقوي الامبريالية ان يفصل الجنوب وان يشعل دارفور لتتلاشي فكرة الوحدة الوطنية من مخيلة الشعوب ويمكن من بعد ذلك فصل دارفور ثم تقسيم السودان الي خمس دول او اكثر حسب تخطيط قوي الاستعمار الحديث .

بيد ان كل الذين خدموا مشروع الدولة الدينية او شوهوا مشروع السودان الجدبد او تنازلوا عنه او خدموا مشاريع التقسيم او ارادوا ان يجعلوا العنف وسيلة اساسية للوصول للسلطة لا يعلمون طبيعة الشعب السوداني السمحة والتي تتمثل في :

١/ التاريخ والحضارة : فالشعب السوداني عميق الجذور في القدم وقد سادت فيه حضارات عظيمة وقامت به ممالك اتسمت بالصلاح والفلاح واحترام انسانية الإنسان وكانت متصلة بالعمق الأفريقي الي اقصي وسط وغرب أفريقيا بحركة التجارة والحجيج وقوافل المهاجرين .

 

٢/ التنوع الثقافي والديني :

رغم استقبال السودان لكثير من الهجرات العربية والافريقية لم تستطع ثقافة واحدة ان تشكل وجدانه او تستلبه فقد احتفظ بتنوعه الثقافي والديني رغم التزاوج والتصاهر مع الهجرات الوافدة وتأثره بثقافاتها وتأثيره عليها فقد ظل متنوع ثقافيا ودينيا و عرقيا له سمات وصفات مغايرة لكثير من شعوب المنطقة والعالم

٣/ الوحدة :

ظل وجدان السودانيين مجبول علي حب الوطن ولديه قناعة راسخة بضرورة ان يظل موحدا أرضا وشعبا مع الإقرار بالحقوق لكافة مكوناته وتلبيتها وهي تتمثل في التوزيع العادل للثروة والسلطة والمشاركة المتساوية في الإدارة والحكم والوظائف الكبرى وإزالة الفوارق الطبقية بين كافة المكونات والمناطق باحداث التنمية المتوازن لقطع الطريق امام دعاة الانفصال تحت مزاعم التهميش وجدلية صراع المركز و الهامش التي يتبناها بعض من المثقفاتية لخدمة الاجندة الظلامية عبيدا لمن يدفع

٤/ القيم الأخلاقية : الشعب السوداني يعتد بالذات وتجمع بين كافة مكوناته الثقافية والإجتماعية قواسم مشتركة في الحرب والسلم في الخير والشر [فزع البكورك ، اغاثة الملهوف ، اكرام الضيف ، الوفاء والعرفان السالف والسالفة والجودية وحتي ادبيات الصعاليك (الهمباتة) … الخ] فقد ظل وجدانه بكر ذو نزعة صوفية لم تستطع الثقافات الوافدة خلبه او سلبه وقد اخذ منها ما يناسبه واحتفظ بتنوعه الثقافي والديني وتزواج وتصاهر مع الوافدين ولكن احتفظ كذلك بتعدده العرقي وتميزه النوعي لذا الدم السوداني واحد رغم الاختلاف في اللهجات والسحنات الا ان فوارق طبقية علي اساس عرقي لا توجد به كذلك حركة التجارة بين اقاليمه المتنوعة جغرافيا وانتاجيا وقوافل الحجيج عمقت من التقارب والتمازج بين الثقافات المتنوعة والاديان والعادات والتقاليد في الأفراح والاتراح حتي في ادق التفاصيل الاجتماعية مثل احترام النسب والعفو في حالات القتل ان كان لاهل القتيل سالفة) .

٥/ الطليعة المثقفة مقصود بها القوى الشبابية والمهنية المهتمة بالتغيير والتي ترتكز علي دعامتي الحرية والوعي وقد شكلت روح ورمح التغيير في كل الانتفاضات واضحت أكثر عدداً واعدادا واكتسبت خبرة عميقة في مقاومة الاستبداد. وتمتلك روح المبادرة والتحدي والطموح وقد ساهمت السوشال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي عمليا سرعة التواصل بينها ومكنتها من القدرة على اتخاذ القرار و تشكيل الرأي العام وسرعة الحشد والتعبئة في اللحظات الحرجة وهي تمتلك رؤية استراتيجية للتغيير الجذري مع التحلي بالمرونة وترتيب الأولويات وفي مسيرتها النضالية تستخدم تكتيكات مختلفة ووسائل متنوعة في المواجهة والمناورة والتحديات والتوافق والتحالف وابجديات العمل المشترك اعدادا وتنسيقا وتنفيذا وانجازا يبهر المتابعين والمراقبين عزز من ثقة الجماهير في طرحها وقدرتها علي الصمود و كفاءة القيادة في ايراد الحلول الناجعة وتجاوز محطات الفشل وكنس محاولات الإعاقة ومتاريس الطريق .

٦/ النزعة التحررية :

منذ غزو الاتراك في العام ١٨٢٠م ما يعرف في بلادنا بالتركية السابقة تولدت لدي شعبنا نزعة تحررية لمقاومة الاستعمار وقد تمظهرت في معارك المقاومة للغزاة في كورتي وسنار وحريق الباشا قائد الحملة وكل جيشه بشندي علي أيادي قبائل الجعليين واستمرت هذه الروح المقاومة في تزايد حتي تفجرت الثورة المهدية لتخلص البلاد من المستعمرين وتكون حكومة وطنية في معظم اراضي بلاد السودان الحالية في العام١٨٨٥م بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي والتي قلنا عنها انها نجحت كثورة تحررية وفشلت كدولة ترسي دعائم العدل والحرية والسلام .

 

ولئن كانت هذه الحقائق معلومة للكثيرين من ابناء شعبنا فإن هنالك قوي ظلامية ظلت تحجبها وتتغافلها عمدا او سفها تغبيشا للوعي وتغليبا لارادتها الراغبة في ان يظل السودان بلدا تتقاذفه الحروب الدموية والثارات القبلية وتسود فيه روح القطيعة والانقسام لتسهل عملية الانقضاض عليه وتقسيمه وتجزئته الي دويلات صغيرة حقيرة لا يتجاوز طموحها هموم المعاش (قفة الملاح) وهكذا يتغيب عن المشهد الاقليمي والدولي بلد ملء السمع والبصر والاكثر ثراء وتروة والاعمق رقي وحضارة والاقدر علي التأثير لصالح مشاريع الوحدة العربية والاتحاد الإفريقي والاعمق أثر في تعزيز النزعة التحريرية الافريقية من الاستعمار الحديث الذي يتكيء علي انظمة الفساد والاستبداد التي تقهر وتتحكم في مصائر الشعوب .

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..