مشاورات نيروبي وفشل نخب القوي السياسية

السر العجمي
منذ أن بدأت حرب الخامس عشر من ابريل كل الكتابات كانت تنادي بمعالجة حالة الضعف والتشظي الذي اصاب القوي السياسية وتنادي بتكوين جبهة موحدة لا يقاف الحرب ، ومن اكثر هذه الكتابات مقالات الدكتور الشفيع خضر الذي يكاد لا يخلو مقال من الدعوة بتكوين جبهة عريضة لا يقاف الحرب. وبإعلان الاستاذ عبدالواحد محمد نور بتوجيه الدعوي لكل القوي السياسية والحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو ، تفاءل الشعب السوداني بالدعوة لتكوين الجبهة العريضة لا يقاف الحرب ، وبدأ يقترب تحقيق حلم الشعب بإيقاف الحرب. ولكن هيهات حيث قتل هذا الحلم وفقا لما تضمنه البيان الصادر من المجتمعين. فالبيان جاء مخيبا للآمال ويؤكد فشل النخبة السياسية. واعادة ازمة الفشل التي نعاني منها منذ ما بعد استقلال الدولة السودانية وذلك لان هذه النخبة ليست لديها ذاكرة تاريخية تشكل لها مرجعية تحميها من الفشل حيث انها فشلت في تكوين جبهة وطنية عريضة ، ومازالت تعمل بمنطق العقل الوصائي. ويتضح ذلك من خلال الفقرة الختامية من البيان والتي وجهت رسالة لا بناء وبنات الشعب السوداني بضرورة توحيد الصفوف من اجل ايقاف الحرب.”فالشعب السوداني لا يحتاج لتوصية بالتوحيد من اجل ايقاف الحرب فهو سبق وان توحد واشعل ثورة ديسمبر دون هذه النخب الفاشلة. ونبين علي سبيل المثال لا الحصر فشل النخب في مشاورات نيروبي في النقاط الاتية :
• المشاورات التي ذكرها البيان ناقش اشياء وكان هناك دولة موجودة ، وتناس ان هناك ليس دولة اصلا حيث ان السودان الان يعتبر في حالة اللا دولة ، خاصة ان الدولة السودانية قبل الحرب كانت تصنف من الدول الهشة والضعيفة. فكان من الاجدر مناقشة وجود الدولة في الاول ، فضلا عن ذلك لم تتطرق المشاورات وفقا للبيان الى الاسباب التي ادت الي قيام الحرب.
• المشاورات لم توضح رؤيتها لا يقاف الحرب والاليات التي سوف تتبعها لا يقاف الحرب ، وناقشت اشياء من صميم المؤتمر الدستوري ، ولم توضح كيفية اعادة الاعمار لما بعد الحرب .
• الاجتماع ناقش انصاف الضحايا وجبر الضرر عن طريق العدالة الانتقالية ، والتي من ضمن الياتها الاعتراف بالحقيقة . وهنا يكمن التناقض من قبل تلك النخبة ، التي لا تعرف النقد والنقد الذاتي في مؤسساتها وتغيب عنها ثقافة الاعتراف الراسخة في العقل الجمعي السوداني وتركيبته النفسية ، وهذه الثقافة ربما تعرقل حقوق الضحايا.
• وفقا لما رشح في الوسائط والاعلام ان السبب في عدم تكوين الجبهة الوطنية العريضة هو طرح العلمانية من قبل الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو. ومطالبتها بالدولة العلمانية ، مع العلم ان ليس هناك في الفكر السياسي ما يعرف بالدولة العلمانية ، وان مفهوم الدولة منذ ظهورها في القرن السابع في العام 1648م (معاهدة وستفاليا) هي الدولة الوطنية ، والدولة الوطنية نصت عليها كل دساتير الحركة الشعبية منذ بداية ظهورها في العام 1998م ، ودستور 2013م ، واخرها دستور 2017م الذي تم اجازته في المؤتمر الاستثنائي في مدينة كاودا وتم فيه انتخاب عبدالعزيز ، فالعلمانية تتبناها الحركة الشعبية كأطروحة فكرية وفلسفية وفقا لما ورد في البندين (5،6) من المنفستو الاخير للحركة الشعبية. ولو كانت هذه النخب مطلعة علي دستور الحركة الشعبية وعلي بنوده لاقنعت الحلو وتوصلت الي اتفاق حول قيام الجبهة الوطنية العريضة ، وبما ان هناك دول كثيرة تتبنني العلمانية الا انها ليست ديمقراطية . فالمشاورات لم تتحدث عن الديمقراطية وهنا يثور في ذهننا السؤال التالي هل ناقش المجتمعين عبد العزيز الحلو حول الديمقراطية ؟ وكيفية تحويل الحركة الي حزب سياسي؟ ولكن يبدو أن قائد الحركة الشعبية شمال شارك في الاجتماع من اجل المجاملة والدبلوماسية فقط ، وفي ذات اللحظة يعرقل تكوين الجبهة العريضة بطرحه للعلمانية.
• سبق وان ذكرنا ان هذه النخب السودانية بما فيها الحركة الشعبية شمال ليس لديها ذاكرة تاريخية تحميها من الفشل ، فلو استصحبت هذه القوي بما فيها الحركة الشعبية شمال ، قرارات مؤتمر اسمرا للقضايا المصرية لتوصلت الي توافق وازالت هذا التباين وتوصلوا الي اتفاق بشان تكوين الجبهة الوطنية العريضة ، حيث ان معظم القوي السياسية التي شاركت في المشاورات بماقيها الحركة الشعبية سبق ان شاركت في مؤتمر اسمرا للقضايا المصرية في العام1995م ، وموقعه عليه حيث جاء في مقررات مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية فيما يتعلق بالدين والسياسة في السودان الاتي :
قرار المؤتمر فيما يتعلق بالدين والسياسة في السودان :
1- كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الانسان والمتضمنة في المواثيق والعهود الاقليمية والدولية لحقوق الانسان تشكل جزء لا يتجزأ من دستور السودان واي قانون او مرسوم او قرار او اجراء مخالف لذلك يعتبر باطلا وغير دستوري.
2- يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا علي حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين او العرق او الجنس او الثقافة ويبطل أي قانون مخالفا لذلك ويعتبر غير دستوري.
3- تعترف الدولة وتحترم تعدد الاديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل علي تحقيق التعايش والتفاعل السلمى والمساواة والتسامح بين الاديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان وتمنع الاكراه او أي فعل يحرض علي اثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في أي مكان او موقع في السودان.
4- لا يجوز لأي حزب سياسي ان يؤسس علي اساس ديني .
5- يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرآه السودانية ويؤكد علي دورها في الحركة الوطنية السودانية، ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الاديان .
6- تؤسس البرامج الاعلامية والتعليمية والثقافية القومية علي الالتزام بمواثيق حقوق الانسان الاقليمية والدولية.
في الختام يتضح فشل مشاورات نيروبي وادمان القوي السياسية علي حالة الضعف والتشظي مما يجعل الباب مشروعا علي مصراعيه لا عادة انتاج نفس القوي المتحاربة علي المشهد السياسي لما بعد الحرب. واعادة نفس الاسباب التي ادت الى الحرب.
العلمانية لامعني لها في الدولة الدمقر اطية لانه من المعلوم بالضرورة في الدولة الدمقراطية هي الدولة التي تقف في مسافة وحدة من كل الأديان ولاتميل لدين ضد دين اخر وهي دولة علمانية
سنبقي هكذا مابقينا ومابقيت الدنيا غير قادرون
في كل شؤون حيواتنا علي تحديد ماذا نريد بدقه