أخبار السودان

أسر الريف السوداني تكافح الفقر والمجاعة بـ”التصنيع المنزلي”

تستغل ربات المنازل مساحات محدودة لزراعة محاصيل غذائية أساس مقاومة للجفاف

 

ملخص

إزاء الواقع المرير الذي يعيشه السودان، شرعت المرأة الريفية في إيجاد حلول بديلة لمحاربة الفقر المدقع والجوع من خلال ممارسة نشاطات لتوفير الاكتفاء الذاتي والمحافظة على الأسرة من الهلاك.

شكل النزاع المستعر بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ اندلاعه في منتصف أبريل (نيسان) 2023، ضربة قاصمة للظهر بالنسبة إلى المناطق الريفية، مما أدى إلى اضطرابات في سبل العيش، بخاصة لدى الأسر التي باتت تعاني انخفاضاً في الدخل، مما أسهم في عدم استقرار اقتصادي واسع النطاق. ويقطن في المناطق الريفية نحو 46 في المئة من السودانيين، الذين يعتمدون على الزراعة والرعي، الدعامتين الرئيستين للاقتصاد الوطني، إذ تستوعبان نحو 80 في المئة من القوى العاملة في السودان.
وبحسب دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أخيراً عن سبل العيش في السودان وسط النزاع المسلح، فإن 37 في المئة من الأسر أصبحت تعيش في مساكن منهارة، بينما أقل من 10 في المئة من تلك الأسر تملك دورات مياه صحية، في مقابل 32.3 في المئة من الأسر لا تحصل على خدمات المياه والكهرباء.

وأوضحت الدراسة أن 71 في المئة من الأسر في الريف باتت لا تملك أراضي زراعية بسبب طول أمد الحرب، التي أدت إلى انحسار المساحات الزراعية.
وأرجعت الأسر عدم تمكنها من زراعة أراضيها إلى الهجمات المتواصلة من الأطراف المتصارعة، مما أدى إلى عدم تمكنها من ارتياد الأسواق وشراء المواد الأساس والعجز عن مجابهة ارتفاع الأسعار بسبب الحواجز المادية والقيود الاقتصادية، مما أسهم في نقص حاد في الغذاء.
وشددت الدراسة على وجوب حدوث تدخلات عاجلة لتعزيز وصول المساعدات الإنسانية وتنشيط النظم الزراعية واستعادة سلاسل التوريد للتخفيف من حدة الأزمة الغذائية ومنع مزيد من التصعيد، فضلاً عن أن 59 في المئة من الأسر الريفية تعاني انعدام الأمن الغذائي، مع تسجيل أعلى معدلات انتشاره في ولايات دارفور وغرب وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي ولايتي الخرطوم والجزيرة، علاوةً على مواجهتها صدمات مثل المرض والوفاة أو الأحداث المناخية.
إزاء هذا الواقع المرير شرعت المرأة الريفية في إيجاد حلول بديلة لمحاربة الفقر المدقع والجوع من خلال ممارسة نشاطات لتوفير الاكتفاء الذاتي والمحافظة على الأسرة من الهلاك.
أما على الصعيد الوطني فقد أدت الحرب إلى انخفاض دخل 60 في المئة من الأسر، مع وقوع حوادث مقلقة من فقدان الدخل بالكامل، لا سيما في المناطق المتأثرة بالنزاع بصورة مباشرة.

أوضاع قاسية

في السياق أوضح المواطن إبراهيم كرتالا أحد المقيمين في منطقة جنوب كردفان أن “النزاع القائم بين الجيش و’الدعم السريع’ أفرز أوضاعاً قاسية على المواطنين وتأثيرات سلبية في المناطق الريفية التي يقطنها أغلب السودانيين، وتُرك الملايين منهم أمام خيار الموت بعد توقف أنشطتهم، مما أدى إلى إفقارهم وتجويعهم، إلى جانب إضعاف النسيج الاجتماعي، مع احتمال تلاشيه تماماً، فضلاً عن أنه أسهم في اضطراب سبل العيش وأصبحت نصف الأسر الريفية تعاني اختلالاً في الموارد المدرة للدخل”. وأضاف كرتالا، “من المعروف أن سكان المناطق الريفية بخاصة في جنوب وغرب كردفان يعتمدون في سبل عيشهم على زراعة المحاصيل مثل الدخن والذرة الرفيعة والفول السوداني والسمسم والكركديه والعدسية، علاوةً على تربية الماعز والماشية والإبل والأبقار والدواجن، لكن من المؤسف أن الصراع المسلح بين الجيش وقوات ‘الدعم السريع’ والميليشيات المتحالفة مع كل من الطرفين، أسهم في تدمير هذه الأنشطة”.
وتابع المواطن السوداني، “تسببت الهجمات المستمرة وبصورة عشوائية على المناطق الريفية في تلوث مصادر المياه جراء نفوق المواشي، مما أدى إلى هجرة بعض الأسر نحو المناطق الأكثر أمناً خوفاً من فقدان ماشيتهم، بسبب الحرب وتقاطع الصراعات القبلية، وأدت هذه الهجمات إلى انحسار المراعي وتقيد حركة الرعاة، لا سيما أن تنقلهم أصبح محفوفاً بالأخطار، سواء شمالاً في المناطق التي تسيطر عليها قوات ‘الدعم السريع’ أو رحلات القبائل العربية نحو المراعي التي تقع في نفوذ الجيش أو الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو”.
وأشار المتحدث إلى أنه “حتى تستقر الأوضاع ستظل الأسر في الريف تعاني مآلات الحرب، لا سيما العجز عن شراء السلع الأساس بسبب عدم توافر المال، خصوصاً بعد توقف نشاطهم الزراعي، الذي كانوا يستفيدون منه في بيع فائض الإنتاج لتغطية الحاجات الأكثر إلحاحاً”.

الموت جوعاً

من جانبها قالت المواطنة خديجة موسي التي تسكن منطقة جبال النوبة إن “النساء في القرى الواقعة بين سفوح الجبال يساهمن بشكل فاعل في مكافحة الفقر المدقع والجوع المتفشي نتيجة الصراعات المسلحة التي شهدتها ولايات كردفان الكبرى”.
وأردفت موسى “ظللنا لفترة طويلة نتغذى على أوراق الشجر ورأينا موت الأطفال وكبار السن جوعاً، إلى جانب العزلة وحرمان السكان من مقومات الحياة وعدم استطاعتهم مواجهة ارتفاع أسعار السلع التي تأتي من جنوب السودان، في ظل عرقلة المساعدات الإنسانية، وفي ظل هذه الظروف كان لا بد من التحرك لإيجاد حلول بديلة للخروج من هذه الأزمات المتلاحقة وتوفير الاكتفاء الذاتي”.
وزادت موسي، “النساء في المناطق الريفية مسؤولات عن نصف إنتاج الغذاء كمزارعات يساندن الرجل في الحقول من حفر وترميم التربة وكيفية التعامل مع المتغيرات المناخية، إضافة إلى تربية المواشي، لكن مع اشتداد القتال وتوسعه جغرافياً لجأت غالبيتهن لطرق بديلة منها زراعة مساحات محدودة داخل المنازل ببعض المحاصيل التي نحتاجها كغذاء أساس وفي الوقت نفسه تقاوم الجفاف، لا سيما أن ولايات كردفان تعاني أزمة في المياه، إلى جانب تصنيع بعض مشتقات الألبان وتربية الدواجن، وعلى رغم كلفتها الغذائية العالية بخاصة الحبوب، فإننا نغالب من أجل استمرار حياتنا”.

انتهاكات ومجاعة

على صعيد متصل اعتبر الناشط في مجال حقوق الإنسان، إبراهيم عبدالقادر أنه “من خلال رصد حجم الانتهاكات التي تعرضت لها الأسر المنتجة في المناطق الريفية التي تنشط في مجال الزراعة والرعي، بخاصة في ولايات دارفور وكردفان، نجد أن ‘الدعم السريع’ استهدفت بصورة ممنهجة غالبية الأسر وعملت على إفقارها وتجويعها بحصرها في مساحات لا تتعدى الأفدنة الخمسة، إلى جانب تهجير السكان قسراً من مزارعهم وأراضيهم التي يقتاتون منها ونهب ماشيتهم وأبقارهم”. وأضاف عبدالقادر، “إن معاناة الأسر الريفية في كردفان ودارفور تمتد إلى ولايات النيل الأزرق والجزيرة والخرطوم، فضلاً عن إفراز صدمات أخرى بسبب طول أمد الحرب تمثلت بالمرض وتصاعد الوفيات، إضافة إلى الأحداث التي شهدتها غالبية المناطق بسبب عوامل المناخ”.
وأشار إلى أن “معظم التحديات التي تواجه الأسر بالريف كانت موجودة من قبل، لا سيما انعدام الأمن الغذائي الأسري والأسواق المختلة، لكن الحرب فاقمت هذه المشكلات إلى حد كبير، وهو ما أفرز حاجة ملحة إلى المساعدات الإنسانية التي من شأنها إنقاذ الملايين من شبح المجاعة المتوقع لا محالة”.

اندبندنت عربية

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..