مقالات وآراء

إسماعيل عبد المعين (1 – 10) : وأي فتىً أضاعوا…!

مرتضى الغالي

 

السخرية و(الهقنَبة) والنزوع إلى (التبخيس) في مجتمعنا وفي تراثنا السوداني كثيرة وافرة ومزعجة في أحايين كثيرة..! وكم أضاعت من مواهب وشؤون كان يمكن أن يكون لها أثرها الكبير في شتى مناحي الحياة..!. ونظن أن الموسيقار العظيم “اسماعيل عبدالمعين” كان من أحد ضحاياها..! .

هكذا كان نفرٌ من أهل القطاع الموسيقى والغنائي والثقافي في بلادنا يشيعون السخرية عن صاحبنا عبدالمعين وهم لا يدرون (أي فتىً أضاعوا)..!! .

لقد واجهت (السخرية السودانية المعهودة) عبدالمعين بكل عنفوانها وضراوتها ولم يجد غير أن يواجهها (تكة بتكة) وسخرية بسخرية بل أحياناً بأعنف منها..! هذا هو قدَر المبرّزين في كل فن وضرْب .. وقدَر روّاد التغيير..! .

وتعود دواعي السخرية والتبخيس إلى الخوف من الجديد الذي يتصل بالتنافس و(العائد منه) على حساب السائد..! وفي حالة عبد المعين لا يمكن إغفال حالة الخشية والتوجّس من الجديد الذي أتى به عند عودته للسودان وبعد أن اكتسب معارف جديدة في عالم الموسيقى وألواناً مستحدثة من فنونها ومعالجاتها .. وقد بدأ هذا النوع من التحامل على عبدالمعين حتى من كبار المطربين والموسيقيين في ذلك الحين..! .

.لقد حاول بعض معاصريه من المغنين والموسيقيين أن يجعلوا منه أضحوكة ؛ فجاراهم (بامتياز) في تبادل الكيد و(الإغاظة) والسخرية..!! .

**

كانت الصحافة الفنية حينها تجد رواجاً في إثارة المعارك بينه وبين المطربين والموسيقيين المعارضين له ؛ وفي احد هذه المعارك وصف عبدالمعين العازفين الموسيقيين التقليديين بالمكوجية (كناية عن تمرير القوس على الكمان بحركة رتيبة مثل فعل المكواة في تطريح الملابس)..! وكان أحياناً يسميهم (الضباحين)..!. فهو يشبه تمرير تمري القوس على الأوتار بحركة الذبح (خارج السلخانة).. وربما سماهم (جزّاري الكيري)..! .

السر قدور -عليه الرحمة- كان من نجوم الصحافة الفنية حينها ؛ وفي إحدى الصفحات الفنية نقل هجوم عبدالمعين على الفنانين .. حيث ذهب قدور لإجراء حوار معه فوجده في فندق المسرح القومي يتناول إفطاره وأمامه (صحن كبده) ولم يدعوه لمشاركته الإفطار..! فكتب قدور عنواناً مثيراً لذلك الحوار على صدر الصفحة وبالبنط العريض : (إسماعيل عبد المعين يفطر بالكبدة .. ويتغدى بجميع العازفين)..!! .

**

كانت المجلات والصفحات الفنية حينئذ غاية في النشاط والإثارة..! كتب احد المحررين خبراً قال فيه: (المطربة فلانة تقترب من الزواج بالعازف فلان)..! ووضع علامة تعجّب في نهاية الخبر..! فقام العازف بفتح بلاغ ضد الصحيفة مستنكراً دواعي التعجّب ، وكسب القضية وتم تغريم الصحيفة خمسة جنيهات…! كانت طباعة الصحف في ذلك الوقت تتم عن طريق “صف الحروف”.. وكان كل حرف يوضع في صندوق منفصل وكذلك علامات الاستفهام والتعجّب .. ولمّا كان رئيس التحرير (صعباً في مسألة القروش) أخذ صندوق علامات التعجّب وأغلقه في درج مكتبه .. وأصبح عندما يأتي إليه صحفي طالباً “علامة تعجب” يبادره بسؤال استنكاري : (وريني عاوز تتعجّب على إيه)..؟! .

**

عبد المعين رمز لا يمكن تجاهله في تاريخ عالم الموسيقى والألحان والأنغام والأداء .. والتدوين العلمي- ومحاربة (السليقية) والأمية الموسيقية والشفاهية مقابل التدوين الموسيقي العلمي ، وكان يكثر من الحديث عن (التنويت العلمي) وعن (الصولفيج).. وهذا ما أزعج الكثيرين الذين كانوا يتندرون بتلك المصطلحات الرصينة ويسخرون منها هازئين..! .

لقد جمع عبدالمعين بين النظري والتطبيقي منغمساً طول حياته في الأنغام المحلية والتراث الشعبي المحلي ، كما كان محتشداً بالموسيقى والألحان والأنغام..! ولأنه بطبيعته رجل متحفّز لتلقي المعارف الموسيقية العالمية ، فقد تلقي العديد من الدراسات حول الموسيقى وكان له العديد من الاجتهادات بين القاهرة ومسارحها ومعهد فؤاد للموسيقى وفي فرنسا وشمال إفريقيا.

لقد كانت له جولات وصولات وفتوحات وحكاوي عجيبة (يقول عبد المعين إنه في معهد الموسيقي العربية بالقاهرة “معهد فؤاد الأول” أعفوه من دراسة “مادة الموشحات” بعدما علموا معرفته بالمقامات والأدوار) .. كما إنه اشترك مع الموسيقار المصري الكبير محمد عبدالوهاب في فيلم (متقولش لحد) وقد عرفته مسارح القاهرة وباريس وعرفها..! .

ولأنه كان صاحب اهتمام بنشر التدريب العملي والعلمي للموسيقيين المؤدين في بلاده ؛ فقد أقام بعد عودته للسودان في الهواء الطلق (تحت شجرة حوش الإذاعة) حلقات لتدريس وتدريب الموسيقيين على الأداء والتدوين العلمي- بجانب سليقتهم المبدعة .. بل لقد ساهم بقوة في إنشاء أول معهد سوداني لتطوير الموسيقى .. وسيأتي الحديث عن ذلك..!..! .

كان يتحدث عن الصولفيج بعد أن اكتسب علماً وممارسة من (تغريبته) في مصر وفرنسا وغيرها .. حديث العارف بطرق الأداء الموسيقى والمقامات والألحان والأصوات وطابعها وجهارتها وطرق كتابة النوتة الموسيقى وإملائها وكتابتها وقراءتها .. والتمييز بين النغمات وتصنيف ألوان الموسيقى وطبيعة التأليف الموسيقى وتوسيع مجالاته (وحتى كيفية الإمساك الصحيح بآلات العزف) .. إلخ

لقد كان دأبه الحث على التجويد والتجديد والأخذ بالأسباب العلمية .. وهذا مما لا تطيقه طبيعتنا السودانية في كثير من الأحوال (ما دامت الأمور ماشه)..! .

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. رحم الله إسماعيل عبدالمعين ففكرته في اللحن الذي أسماه (الزنجراب) تشبه في رؤاها مدرسة الغابة والصحراء.
    إسماعيل هو ملحن نشيد المؤتمر (للعلا للعلا) وأُهزوجة (صه يا كنار).
    أهمية عبدالمعين في أنه قد وثّق ونوّت مارشات الجيش السوداني الحقيقي والقديم وفرقه( تسعجي وعشرجي) ومنها مارش (على دينار) وغيرها من المارشات.

  2. إسماعيل عبد المعين فهو قامه وضع بصمته في الموسيقه السودانيه فهو اول من عزف علي العود داخل الاذاعه وانشأ اول فرقه للعزف (البستان) وكل من يعزف معه في الفرقه سودانيين وقام بتلحين اغاني لفنانين وله جلالات معروفه للجيش.ولحن تشيد البحرية الامريكيه . وله علاقات طييبه مع جميع الموسيقين حتي رحيله. لكن نقد اهل الصحافه الي الموسيقي اوبعضهم الي بعص لايفسد للود بشي..
    ولكن الذي يضيع القامات من اهل الموسيقه امثال المدعو الذي يبث سموم العنصريه البغيضه التي انتشرت كالهشيم بعد تلك الحرب الغذره!!
    ولم نسمع للمدعو صوت من قبل عن تلك الاضاعه الي عبد المعين !!!؟..نسال الله لك الشفاء من الداء العضال الذي يزيد من الضغائن الوبيله بين ابناء الوطن .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..