إسماعيل عبدالمعين (3-10) الجوع والمسغبة والصولفيج..!

مرتضى الغالي
الانجاز الذي حققه إسماعيل عبدالمعين يبدو على غرار (مدرسة) أو مذهبية موسيقية متماسكة ؛ وهو ما يسميه (الزنجران) .. إنها رؤية وتيار موسيقي لم يؤخذ بجدية يستحقها ؛ على الأقل من باب المدراسة والمثاقفة والفحص والتجريب..! .
والزنجران عند عبدالمعين هو مزيجٌ من مقامات عربية (حجاز كار- نهاوند) مع أنغام زنجية ؛ ويقول عنه إنه إيقاع إفريقي مع مسحة شرقية (قوة إيقاع مع رنين)..! .
رؤية الزنجران في الموسيقى التي قام عبدالمعين بتطبيقها عملياً .. هل يمكن أن نقول إنها تعادل في الثقافة والأدب دعوة “السودانوية” أو (السودانيزم Sudanism) أو (القومية الثقافية) من لدن حمزة الملك طمبل والأمين مكي مدني وأحمد الطيب زين العبدين على سبيل المثال..؟ أو مدرسة الغابة والصحراء في الأدب عند محمد المكي إبراهيم ومحمد عبدالحي والنور عثمان أبكر وأصحابهم..؟ . أو “مدرسة الخرطوم” للتشكيل عند الصلحي وشبرين وإخوانهم..؟! .
هل كان عبدالمعين يبحث عن هوية سودانية عبر الموسيقى والغناء..؟! .
**
كان عبدالمعين على وعي كبير بالتنوع السوداني ألاثني والجهوي .. والثقافي ثم الفني والموسيقي والإبداعي..! . وله إشارات عديدة إلى أهازيج جدته (فاطمة فور) وتومات كوستي والحكامتين الشهيرتين (أم بشاير وأم جباير)..! .
عبد المعين يولي عناية كبيرة بالنقرزان والتُم تم (ذلك الخيط الممتد من بحر الغزال والرديف وتومات كوستي وفاطمة خميس ورابحة وحوّه حسب الرسول وزنقار وإبراهيم عبد الجليل إلى ابوداؤود وعائشة الفلاتية وحسن عطية) .. ويرى عبدالمعين أن التم تم مطابق لمقام الزنجران..! .
يقول عبدالمعين إنه لم يسبقه أحد إلى تطبيق نغم الزنجران إلا (زرياب في العصر العباسي) .. ويؤكد :(زرياب بس وبعدو أنا)..! . ويقول إن زرياب أمه حبشية وأبوه فارسي عاش في الحيرة بالعراق..! .
ويرى عبدالمعين أنه الوحيد في هذا العصر الذي استطاع استخدام الزنجران وتوطينه في الموسيقى والإيقاع .. وإنه ظل يبحث عن أصول الزنجران على مدى 18 عاماً..! وفي حديث آخر عند ذكر إيقاعات سيد درويش وموسيقاه ، يقول إن ألحان الزنجران في مصر ادخلوا فيها “العجمة السودانية”.. ويضيف عبدالمعين إنه اكتشف إن جِدة سيد درويش سودانية..! .
**
الزنجران في دوائر المعارف باختصار هو تسمية فارسية لمقام يُسمى (زنجران) ويُسمى أيضاً (زنكله) أو (زير كلاه) وهو فرع من مقام الحجاز حيث يبدأ بجنس الحجاز على الدرجة الأولى ثم جنس العجم على الغماز (الدرجة الرابعة) :
في حوار معه تناول عبدالمعين موضوعاً بالغ الأهمية تحدث فيه عن مسعاه لإيجاد موسيقى وايقاعات تجمع بين كل أقاليم السودان شمالا وجنوباً .. وقال انه كان يبحث موسيقياً عن المشترك بين موسيقى شمال السودان وجنوبه..! . وقدّم لذلك مثالاً تطبيقياً بأغنية (قالوا ليّا سرّو) :
قالوا ليّا سرّو
قالوا ليّا سرّو
سرّو غامض .. ما قدرت احلو
الجُنقلي كان زمان مسروق
القطنو قام نزلوهو السوق
بعد المناقل نحلّق فوق
الجُنقلي حاشا ما نسوك .. يا الجُنقلي
اهلك شافوك وهندسوك .. الجُنقلي
قريب خلاص نعبر بحر الزواف
نزور ونشوف أهلي الدينكا اللطاف
صممنا على نهاية المطاف
طمنّا الكان هوّاب وخاف
حددنا الميس خلاص
قولوا لي وين؟ قولو ليا وين؟ فوق لي الرجاف
قالوا ليّا سرّو قالوا ليّا سرو
سرّو غامض .. ما قِدرت احلو
الغريب أن هذه الأغنية اختاروا الفنان محمود عبدالعزيز (الحوت) وغناها على رقصات شمالية وجنوبية..! .
كما غني محمود عبدالعزيز أيضاً من أغاني عبدالمعين (إنتَ كان زعلان) :
إنتَ كان زعلان .. أنا ما بزعل
وإنتَ كان مبسوط .. يا سيدي بالأكتر
**
دا سواري النقرشو
ودا حِجيلي الحركسو
لو سمعت كلام عدوك
سبناك يا سيدي لي الداروك
**
امشي امشي لي الداروك
كان جبل طلعو
كان عسل ضاقو
إنتَ كان مبسوط .. يا حبيبنا بالأكتر ..
يا لمحمود عبدالعزيز واختياراته العجيبة .. عليه شآبيب الرحمة..! .
**
ويقدِّم عبد المعين مثالاً آخر في أغنيته (يامبيو) :
يامبيو .. انتي وين يا بلادي اليامبيو
لمّا الكلام يكون في جوبا
تلقى الخبر وصل دار نوبا
هيييي هييييي دار نوبا .. دار نوبا
انتي فين يا بلادي يامبيو
قالوا كتير نتقابل سوا
كلام الناس مليان لولوا
ايييييه مليان لولوا .. كلام الناس مليان لولوه ..
أنت فين يا بلادي يامبيو
يا بلاد الزاندي يامبيو
يثول عبدالمعين : الحاجات دي بتربط الشمال والجنوب .. كنت بقولا في الكبريهات بره وفي باريس عشان أوريهم إيقاعات السودان .. كلام زي “خلاص يا قلبي استحمل” ما بعرفوها .. موسيقانا فيها الدغمة واللونية الزنجية .. وأنا حبوبتي أم ابوي جبلاوية وأم أمي دينكاوية .. أغانينا ما زي أغاني مراكش وتونس .. أنا عشت في منقلا خمسة سنين وبغني أغاني دينكاوية وبرقص في النقارة .. آنا قدمت موسيقى وأغاني الزنجران في نيروبي ورقّصت الكينيين مع السودانيين…!! .
د.محمد عثمان الجعلي صاحب كتاب (رحيل النوار خلسة : علي المك وجيله) قال عن إسماعيل عبدالمعين (هو ابن مدينة بحري وأيقونتها الخالدة ، وهو سليل ووريث فني لإسماعيل صاحب الربابة الموصوف في طبقات ود ضيف الله) ويصف د.الجعلي عبدالعين بـ(المملوك الشارد في فيافي مملكة الغناء السوداني الذي ذهب إلى باريس والحي اللاتيني حيث العلم والفاقة والكونسرفتوار والمسغبة والصولفيج)..!! .
يا سلالام يا أستاذ … جميل جدا بحثك في تلك الفنون، بارك الله في علمك
يا سلام عليك….يا ريت تكتب لينا عن جلالة الخدير والتي تقول:
الطير بحوم في الرمم …..الخ،،،، التي قام عبدالمعين ببعض التعديلات عليها واخذتها البحرية الامريكية واصيحت افضل مارش عسكري في التاريخ اابشري…
في السبعينات ونحن صبيان دعانا جارنا ونديدنا إسماعيل عبدالرحيم عبدالمعين (إبن شقيق إسماعيل عبدالمعين) للحضور إلى منزلهم في الختمية غرب شمال سوق خضار بحري للقاء موسيقي مصري صديق لإسماعيل عبدالمعين.
أذكر أن ذلك الموسيقى كان يستمع إلى شريط لعبدالعزيز المبارك وقد أثنى جداً على ألحانه.
كان وجود إسماعيل عبدالمعين ونحن في تلك السن الصغيره بيننا عادياً تماماً ولم نتعرف عليه وعلى أثره إلا بعد ما رحل.
لإسماعيل جذور جنوبية وأخرى نوباوية وأيضاً له جذور بيضاء لا علم لي بأصلها ولكني أرجح أنها مصرية.
لعلك تذكر يا دكتور لحن (سندري مندري) وألحان زنجرابية جميلة أخرى.
إسماعيل كان أيضاً مؤرخاً موسيقياً عارفاً وعالماً بمارشات وجلالات الجيش السوداني /المصري منذ القرن التاسع عشر. ذاك الجيش الذي تم صرفه وتسريح ضباطه وجنوده من الخدمة في آواخر العام ١٩٢٤ والذي لا علاقة له البتى ب(قوة دفاع السودان) التي أررثتنا هذا الجيش الخائن الخائب الحالي.