اخبار السياسية الدولية والاقتصاد

منظمات المجتمع المدني العربية محل استفهام

تكاثرت أعدادها خلال العقود الثلاثة الماضية بشكل كبير وعجزت محاولات التقنين عن ضبطها وتواجه اتهامات حول أفكارها وأهدافها وتمويلها

 

ملخص

متى بدأ ظهور منظمات المجتمع المدني في العالم العربي؟ وما هي أعدادها؟ وما أبرز التحديات التي تواجهها؟ وهل تجد تلك المنظمات قبولاً في المجتمعات؟

منظمات المجتمع المدني في العالم العربي ظاهرة ليست جديدة، نسبيا. لكن التداعيات الناجمة عن هذه الظاهرة، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة هي الجديدة، لجهة التفاعل السلبي أو الإيجابي بين الحراك الاجتماعي والمحددات الحكومية.

بدت الأطر والهيئات المنتمية إلى ما يسمى المجتمع المدني في مختلف الدوال العربية، موضوع اتهام مباشر أو موارب، يتعلق بحقيقة الأدوار التي تقوم بها، والأهداف التي تسعى إليها، والارتباطات التي تنحو بها في هذا الاتجاه أو ذاك، فضلا عن مسائل تتعلق بالتمويل الذي يوصف بأنه “مشبوه” والأفكار التي توصم بـ”الغرابة” أو “التغريب” والسلوك الذي يدمغ بأنه يتعمد الإساءة إلى وحدة المجتمع واستقراره. وقد اشتدت تلك الاتهامات وتضاعفت مع موجة ما سمي بـ”الربيع العربي” وما نجم عنها من سقوط وصعود…

بطبيعة الحال فإن الهيئات المعنية تحاول رد الاتهامات التي تطالها بشتى السبل والحجج وبتحميل كل من وما يصطف خارج مواقعها مسؤولية التردي العام، لكن بين السهام المتضادة تزداد الصورة تعقيدا.

هذا التحقيق الشامل عن منظمات المجتمع المدني في العالم العربية يكشف ما لها وما عليها، في كل دولة على حدا.

فمتى بدأ ظهور منظمات المجتمع المدني؟ وما هي أعدادها؟ وما أبرز التحديات التي تواجهها؟ وهل تجد تلك المنظمات قبولاً في المجتمعات؟

مصر… الجمعيات الأهلية حاضرة منذ 200 عام

في مايو (أيار) الماضي، أصدر الرئيس المصري قراراً بإنشاء تحالف وطني للعمل الأهلي الذي يضم 36 من مؤسسات المجتمع الأهلي المصرية ومؤسسات حكومية وخاصة، ليكون مظلة رسمية لكبرى الجهات العاملة في ذلك المجال، وذلك بعد عامين من إطلاق التحالف الذي يهدف إلى تعزيز جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبحسب مسؤوليه فقد قدم خدمات لنحو 20 مليون مواطن منذ مارس (آذار) 2022.

لكن صورة العمل الأهلي في مصر أكبر من تحالف كبار منظمات المجتمع المدني، فعلى امتداد الجمهورية توجد 52 ألف جمعية أهلية، وفق الأرقام الرسمية، تختلف نشاطاتها بين مساعدة الفقراء والخدمات التعليمية والصحية، والتوعية السياسية، إضافة إلى الجمعيات التابعة لمؤسسات دينية سواء إسلامية أو مسيحية، وجميعها تخضع لإشراف وزارة التضامن الاجتماعي.

ووفق المادة 75 من الدستور المصري الصادر عام 2014، يحق للمواطنين تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية بمجرد الإخطار، على أن تمارس نشاطها بحرية من دون تدخل من الجهات الإدارية سواء بحلها أو حل مجلس إدارتها، فيما حظر الدستور إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري.

تاريخ العمل الأهلي

الجمعيات الأهلية في مصر كانت أولى تجاربها عام 1821 بإطلاق الجمعية اليونانية في الإسكندرية، وتبعها إنشاء جمعيات علمية مثل “جمعية مصر” للبحث في تاريخ الحضارة المصرية عام 1859، والجمعية الجغرافية عام 1875. وبعد ذلك ظهرت جمعيات ذات طابع ديني مثل الجمعية الخيرية الإسلامية عام 1878 وجمعية المساعي الخيرية القبطية عام 1881. وفي مطلع القرن الـ20، ازداد نشاط المجتمع المدني إلا أن انطلاقته الحقيقية جاءت عقب إصدار دستور 1923 وصدور أول قانون يعترف بالجمعيات في 1925، إذ ارتفع عدد منظمات المجتمع المدني من 159 جمعية بين 1900 و1924، إلى 2000 جمعية عام 1950، وفق تقرير لمؤسسة “ماعت” للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، صادر في مايو 2016. وأسهم في ذلك النمو إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية عام 1939 التي عملت على تشجيع الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية، مما ساعد في توسيع نشاطها وزيادة عددها. وشهدت تلك الفترة إطلاق كثير من المؤسسات ذات التأثير حتى الآن.

الحراك السياسي والاجتماعي الذي اتصفت به عقود الملكية في مصر انعكس تماماً بعد ثورة يوليو (تموز) 1952 وحل جميع الأحزاب وسيطرة التنظيم والحزب الواحد على جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى إصدار قانون عام 1964 جعل الجمعيات الأهلية خاضعة لسيطرة الحكومة، مما قلص من نشاطها للتركيز على العمل الخيري فقط.

وفي أول عقدين من عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، تضاعف عدد الجمعيات الأهلية لتصل إلى نحو 16 ألف جمعية، وتزايد عملها في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، لكن مع بداية الألفية صدر قانون عام 2002 الذي فرض قيوداً على جمع التبرعات، وسمح لوزارة الشؤون الاجتماعية بحل أي منظمة من دون العودة للقضاء، في حال اتهامها بممارسة أنشطة غير قانونية، ورفضت الحكومة كذلك تسجيل بعض الجمعيات، بحسب دراسة للمركز “الديمقراطي العربي” وهو مؤسسة بحثية مستقلة. وبرز دور قادة الجمعيات الأهلية ذات الطابع السياسي في انتفاضة الـ25 من يناير (كانون الثاني) 2011، وخلال الأيام التي سبقت سقوط نظام مبارك ظهرت اتهامات لبعض نشطاء المجتمع المدني المشاركين في التحركات بـ”العمالة وتلقي تدريبات في الخارج”.

وزاد عدد منظمات المجتمع المدني بنسبة نحو 50 في المئة في الأعوام الثلاثة التي تلت انتفاضة يناير، إذ بلغ عددها 46 ألف منظمة في 2014، ارتفاعاً من 31 ألفاً عام 2011.

التمويل الأجنبي

أكبر توتر بين منظمات الدولة وجهات المجتمع المدني شهدته فترة الـ18 شهراً من حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تنحي مبارك، في القضية المعروفة إعلامياً بـ”التمويل الأجنبي” حين اتهمت السلطات في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 مسؤولين مصريين وأجانب في كبرى منظمات المجتمع المدني ذات الطابع السياسي بـ”العمل من دون ترخيص، والحصول على تمويل من الخارج من دون الخضوع للرقابة، ودعم حملات انتخابية لممثلي أحزاب سياسية وحشد ناخبين للانتخابات البرلمانية بغير ترخيص”. وأثارت الاتهامات تنديداً دولياً واسعاً وأقفلت بعض المنظمات الأجنبية فروعها في مصر، وظلت التحقيقات والإجراءات القضائية جارية حتى مارس الماضي، حين أغلقت الدعوى التي شملت 85 منظمة مجتمع مدني، وذكرت المحكمة أن لا وجه لإقامة الدعوى “لانتفاء الجريمة وعدم كفاية الأدلة”.

القانون الجديد

ومع انتهاء مرحلة الانتقال السياسي وتولي الرئيس عبدالفتاح السيسي، عملت الحكومة على تقنين العمل الأهلي، فأصدرت قانون تنظيم العمل الأهلي عام 2019 الذي اتهمه منتقدون بتعزيز تحكم الدولة في مؤسسات المجتمع المدني وتحديد مجالات عملها وفرض قيود على إجراءات تلقي التمويل، لكن آخرون رأوا في القانون مكاسب مثل إجازة تأسيس الجمعيات بالإخطار وليس التصريح، وعدم جواز حلّها سوى بحكم قضائي عند ارتكاب مخالفات منها الحصول على أموال من جهة أجنبية بالمخالفة للقانون، أو التعاون مع جهة أجنبية من دون الحصول على موافقة.

وحدد القانون مجالات عمل الجمعيات الأهلية في “مجال تنمية المجتمع بما يراعي الخطط التنموية للدولة وحاجات المجتمع”، وحظر عليها العمل في المناطق الحدودية “إلا في المناطق التي يصدر بخصوصها قرار من رئيس الوزراء، شرط أن تحصل على ترخيص بتنفيذ تلك الأعمال من الجهة الإدارية”.

كذلك، قال الرئيس المصري عام 2022 إن المجتمع المدني “شريك أساسي مهم في عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونشر الوعي بحقوق الإنسان في المجتمع، ونشر ثقافة العمل التطوعي”، ودعا لاحقاً إلى مناقشة التحديات التي تواجه المجتمع المدني في مصر.

تصنيف الجمعيات

وتختلف مهمات منظمات المجتمع المدني القائمة حالياً بين جمعيات للخدمات الاجتماعية مثل محو الأمية وخدمات طبية، ومعظمها ذات طابع إسلامي ومسيحي، فضلاً عن الجمعيات التنموية التي تعمل على مكافحة الفقر وتطوير التعليم، ثم الجمعيات الحقوقية المعنية بحماية البيئة والدفاع عن المرأة وتعزيز حقوق الإنسان.

وتصنف أستاذة العلوم السياسية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية هويدا عدلي، منظمات المجتمع المدني وفق الحجم ونطاق العمل إلى ثلاثة أقسام، أولها الجمعيات الصغيرة التي لا تخلو منها قرية وتميل بالأساس إلى العمل الخيري تنشأ من قبل عائلات، وكثير منها ذو صبغة دينية، وتحول بعضها إلى وكلاء لبعض المنظمات الخيرية الكبرى، إضافة إلى الجمعيات المركزية على مستوى الجمهورية مثل بنك الطعام والجمعية الشرعية وجمعية أنصار السنة المحمدية وجمعية الأورمان والهيئة القبطية، فضلاً عن الجمعيات المتوسطة الحجم التي تتركز في الغالب ضمن المدن.

تحديات وعقبات

وذكرت دراسة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أنه لا يزال هناك عدد من العقبات التي تواجه العمل الأهلي في مصر، أولها التحديات القانونية إذ يطالب بعض الحقوقيين بإلغاء اعتبار أموال الجمعيات في حكم الأموال العامة وإخضاعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

ومن أبرز التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني ما يسمى “توفيق الأوضاع” الذي باتوا يطالبون به بعد صدور قانون عام 2019، ويعني تسجيل الأوراق في منصة خاصة بوزارة التضامن الاجتماعي، ومددت الحكومة مهلة التسجيل مرات عدة، وتواجه الجمعيات خطر الحل في حال عدم توفيق الأوضاع. وفي يونيو (حزيران) 2023 قالت الوزارة إن نحو 36 ألف جمعية تقدمت بأوراقها من بين 52.5 ألف مؤسسة أهلية على مستوى الجمهورية.

وترى دراسة المركز المصري للفكر أن عدد الجمعيات المتزايد لا يتناسب مع الأدوار القائمة على أرض الواقع وإسهاماتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى أن هناك بعض التراكمات السلبية في أذهان المواطنين عن العمل الأهلي “بسبب الدور المشبوه الذي قامت به بعض الجمعيات الأهلية عام 2011، فاستغلت الأموال التي حصلت عليها من الخارج في أعمال غير قانونية”، وفق نص الدراسة التي دعت منظمات المجتمع المدني إلى تحسين صورتها الذهنية لدى المواطن المصري، كما حثت على ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان بالشراكة بين الدولة والمجتمع المدني، والتمسك بالحياد السياسي والديني الذي يفرضه القانون على طبيعة العمل الأهلي.

وبلغ حجم المنح والتبرعات المقدمة إلى الجمعيات والمؤسسات خلال 2024 ما يقارب 9 مليارات جنيه من التمويل المحلي و4 مليارات جنيه من التمويل الدولي، تم توجيهها إلى مشاريع تنموية في مجالات عدة منها تعليمية وبيئية وصحية وغيرها، وفق تصريحات لوزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج إلى صحف محلية.

اليمن… حاجة تاريخية إلى منظمات مدنية

في ظرف يتطلب تفعيلاً تاريخياً لمهامها التي أنشئت من أجلها وحصلت بموجبه على تمويلات محلية وإقليمية ودولية يواجه عمل المنظمات المدنية في اليمن النقد ونقص الثقة إزاء المهام المعلنة لعملها واتهامها بالتقصير والغياب التام أحياناً في بلد يعيش مرحلة حرب مدمرة تسببت في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

فيما تتعلل المنظمات بجملة من الأسباب أبرزها نقص التمويل وسلسلة العراقيل التي تسببت فيها سلطات الأمر الواقع كما هي الحال بالشروط التي تفرضها جماعة الحوثي في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها، إضافة إلى جو الحرب العام الذي شق سلطة الدولة وتشظي المنظومة السياسية والاقتصادية والإدارية للبلاد وتعدد جهات القرار.

ومع أن ظهور منظمات المجتمع المدني بصورتها الحالي لم يتم إلا بعد أن شهد اليمن تحوله الديمقراطي الأول عقب توحد شطري اليمن عام 1990، إلا أن عمرها القصير أسهم في حالة الانفتاح تجاه العمل السياسي والمدني وسمح للجميع بتأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية، وكفل القانون 66 لعام 1991 حق تكوين الأحزاب والتنظيمات، إلا أنه منذ سيطرة ميليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء عام 2014، عملت على تعقيد منح تراخيص العمل للمنظمات ومحاصرتها وأسسوا لمراقبة عملها مجلساً أعلى للإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، ومهمته التدخل المباشر في رسم سياسة عمل المنظمات وفرقها، بالتالي لم يعد بمقدور أية منظمة في مناطق سيطرتها العمل من دون ترخيص مسبق بكامل الشروط.

هذا الواقع فرض قيوداً حدت من نشاط هذه المنظمات في ظل الحاجة الماسة إلى عملها وتنفيذ التزاماتها الدولية تجاه الاتفاقات والمواثيق التي وقعتها وصدقت عليها وأصبحت ملزمة بتنفيذها، وخصوصاً المتعلقة منها بالجوانب الإنسانية، في ظل توقف دفع مرتبات الموظفين العموميين وتضاعف النزوح الداخلي من دون أية معالجات حكومية فاعلة.

وبحسب الباحث السياسي ذياب الدباء ظهرت منظمات المجتمع المدني في جنوب اليمن مطلع القرن الـ20 كمنتديات ثقافية ورياضية أو نقابات عمالية فيما ظهرت شمال اليمن مع قيام الجمهورية (1962) وكانت بداياتها بالجمعيات التعاونية الزراعية مطلع السبعينيات.

وفي ظل دولة الوحدة نشأت عشرات آلاف المنظمات في كل المجالات وصدرت قوانين ولوائح لتنظيم عمل هذه المنظمات وترخيصها رسمياً أبرزها القانون رقم 1 لعام 2001 واللائحة التنفيذية، وتأتي التنمية المحلية والاجتماعية والتدخلات الإغاثية شاملة الأمن الغذائي والتأهيل في طليعة اهتماماتها.

دور محدود

يرى الدباء أن أدوار هذه المنظمات “محدودة وتعتمد بصورة كبيرة على وفرة وانسيابية الدعم من المانحين والمنظمات الدولية، ويكاد ينحصر دورها في الشراكات التنفيذية الميدانية المحلية، في حين تواجه باتهامات من أبرزها الفساد المالي والإداري وغياب الشفافية والأولويات بحسب احتياج المجتمع”. ويشير إلى أن نوعية القبول والانتشار والفاعلية لديها تعتمد على وجود الدولة، فهناك علاقة عكسية بينهما، فعندما تكون مؤسسات الدولة حاضرة وفاعلة ينحسر دور المنظمات، وفي حال غياب مؤسسات الدولة فإن المنظمات تنتشر بكثافة.

نسبة من التمويل

في محاولة لاستقراء جملة العراقيل التي تحول دون تنفيذ مهامها على رغم الحاجة الماسة إليها يقول الباحث في شؤون منظمات المجتمع المدني عبدالرزاق العزعزي إن المنظمات تواجه خطابات كراهية وعملاً ممنهجاً استهدف مهامها لأسباب متعددة، كمحاولة الضغط عليها لتنفيذ اشتراطات “المجلس الأعلى للإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي” الذي أسسه الحوثيون. ويوضح أن هذه الاشتراطات “تحد من قدرة المجتمع المدني على العمل وتفرض عليهم كثيراً من الأوامر منها حصولهم على نسبة من التمويلات وفرض توظيف أفراد منهم والحصول على موافقات حتى لعقد اجتماعات فريق العمل”. ويضيف أن هذه الاتهامات التي تتعرض لها المنظمات “صبغت بطابع ديني وثقافي أصولي كمناهضة الاختلاط بين الجنسين ومحاصرة الغزو الثقافي والفكري وغيرها، وهي ثقافة كانت قد تبددت في اليمن خلال المرحلة التي سبقت سيطرة الحوثيين”.

ومع إدارة الحوثيين غرفة عمليات تستهدف عمل المنظمات انتشرت الاتهامات في حقها ولم يسهم كثير من المنظمات، بحسب العزعزي، في تغيير الصورة النمطية المستحدثة التي ارتسمت تجاهها وأسهم الفساد المالي لغالب المنظمات في تكريس هذه الصورة كمنظمات تتلقى تمويلاً من أجل محاربة ثقافة المجتمع وتغييره نحو الأسوأ”.

توطين العمل الإنساني

ومع الاتهامات التي تتلقاها في شأن التمويل والصرف، يقول العزعزي إن المنظمات الدولية المانحة التي تعلن الدعم تقوم بتقديمه من خلال تقاريرها السنوية، لكن غياب الشفافية لدى المنظمات المحلية في الكشف عن حجم التمويلات التي تحصل عليها وطريقة إنفاقها هو ما يثير كثيراً من التساؤلات التي تسببت في انعدام الثقة بين المستفيدين والقائمين على هذه المنظمات، وحتى الممول الدولي.

ورداً على حالة النقد العام الذي تواجه به مقارنة بجهودها المباشرة والملموسة على الأرض يقول منسق مبادرة توطين العمل الإنساني في اليمن حسين السهيلي يجب على المنظمات العاملة في اليمن استشعار دورها وتوحيد رؤيتها وتغيير الصورة السلبية عنها حتى تؤدي دورها التاريخي المناط بها.

ووفقاً لذلك طالب السهيلي الجهات الحكومية بأن تؤمن بدور منظمات المجتمع المدني كشريك حقيقي في بناء السلام والتنمية. وتطرق في مقال نشره على صفحته على “فيسبوك” إلى أهمية دور القطاع الخاص من خلال “الانتقال من الأعمال الخيرية التي لا تتجاوز الصدقة والإحسان إلى تفعيل المسؤولية الاجتماعية التي تلمس نتائجها المجتمعات المحلية”. كما أن على “المانحين والمنظمات الأممية والدولية أن تدرك أن تحسين فاعلية وأثر العمل الإنساني وكفاءته لن يتحقق إلا بتوطين العمل الإنساني في اليمن من خلال أجندة والتزامات التوطين في إطار ’الصفقة الكبرى‘ و’الميثاق من أجل التغيير‘ وربط الاستجابة الإنسانية بالتنمية والتمكين الاقتصادي وتعزيز دور المنظمات المحلية في منظومة العمل الإنساني”.

ومن بين أبرز العراقيل التي تواجه عملها يقول السهيلي إن استمرار منظمات المجتمع المدني في “تأدية دور الشريك المنفذ لبرامج ومشاريع المنظمات الأممية والدولية والاكتفاء بتسيير أعمالها بالقليل من الفتات وعجزها عن الوصول والحصول على التمويل المباشر واعتمادها على المانحين في تحديد الأولويات والتدخلات كلها تمثل تحديات حقيقية تعوق استدامة المنظمات المحلية”.

تونس… من الطفرة إلى مخاوف التضييق

في تونس، يعود تأسيس أولى جمعيات المجتمع المدني لأواخر القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، وظهرت أول جمعية تونسية وهي “الجمعية الخلدونية” عام 1896، ثم جمعية “قدماء المدرسة الصادقية”، وهاتان جمعيتان ثقافيتان.

وخلال الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، شهدت تونس ميلاد غالبية المنظمات الكبرى التي ما زالت موجودة وفاعلة إلى اليوم مثل “الاتحاد العام التونسي للشغل” (1947) و”الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة” (1948) و”الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري” (1949) و”الاتحاد العام لطلبة تونس” (1952).

وعرف العمل السياسي كذلك نقلة نوعية تمثلت في تأسيس أول حزب سياسي تونسي عصري وهو “الحزب الدستوري الحر” (1920) الذي كان بمثابة تتويج للحراك الفكري والسياسي للنخب التونسية في فترة ما قبل الحرب.

الاحتلال الفرنسي أنعش المجتمع المدني

وبحسب أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية عبدالجليل بوقرّة، فإن “المجتمع التونسي إلى حدود الاحتلال الفرنسي في أواخر القرن الـ19، كان مجتمعاً قبلياً، إلا أن الاحتلال الفرنسي لتونس شكّل البداية الفعلية والحقيقية للمجتمع المدني عن طريق الفرنسيين والإيطاليين والمالطيين الذين كوّنوا جمعيات ثقافية ورياضية وجمعيات خيرية ونقابات عمالية”.

ويضيف بوقرّة في تصريح إلى “اندبندنت عربية” أن “المنعرج في مسار تاريخ المجتمع المدني في تونس كان بعد الحرب العالمية الأولى، إذ بادر الفرنسيون في بداية القرن الـ20 بتأسيس فرع ’الكونفيدرالية العامة للشغل‘ في تونس، عن طريق اشتراكيين فرنسيين، وانضم عدد من التونسيين إلى هذه النقابات، مما ساعد محمد علي الحامي في ما بعد على إنشاء وتأسيس ’جامعة عموم العملة التونسيين‘ وهي أول منظمة عمالية تونسية تأسست في ديسمبر (كانون الأول) 1924”.

ويلفت إلى أن بدايات تأسيس الجمعيات في تونس تأثرت بالطابع القبلي المحافظ للمجتمع التونسي، فكانت تسمياتها مرتبطة بالدين مثل “الكشافة الإسلامية” و”الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي” عام 1936 و”المستقبل الإسلامي” وهي جمعية رياضية في العاصمة أصبح اسمها اليوم “مستقبل المرسى”.

الاستقلال قيّد حركة المنظمات

بعد الاستقلال، لم تكُن الدولة الوطنية تسمح بالنشاط إلا للحزب الحاكم لأنها ترى أن مفتاح تحقيق التنمية هو القضاء على رواسب الاستعمار والاستقرار السياسي، وعلى الجميع أن ينضووا في سياسات الدولة الواحدة، لذلك انحسر دور المجتمع المدني في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة  (1956 – 1987).

واصطدم “الاتحاد العام التونسي للشغل” مع السلطة في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، كأحداث الخبز 1978 و1983.

وبالتوازي، نشأت الحركة الحقوقية التونسية، كمعظم حركات حقوق الإنسان في العالم، في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، مع ولادة “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” رسمياً في مايو (أيار) 1977، وهي أول جمعية من نوعها تظهر في أفريقيا والوطن العربي، في ظل نظام الرئيس السابق الحبيب بورقيبة الذي قلّص كل أشكال المعارضة تدريجاً، ثم تطورت الحركة في ظل نظام الرئيس زين العابدين بن علي عام 1987 الذي اتسم بالتضييق على الحريات والحقوق، بحسب ناشطين حقوقيين.

الطفرة بعد 2011

لم يكُن مسار المجتمع المدني في تونس عبر التاريخ المعاصر مساراً خطياً، بل تغيّرت ملامحه من حقبة سياسية إلى أخرى، وشكلت لحظة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011، المنعرج في هذا المسار فشهد المجتمع المدني طفرة في عدد الجمعيات والمنظمات وأيضاً في الأحزاب السياسية التي تجاوز عددها الـ200 حزب بينما تعدّ المنظمات بالآلاف تنشط في ميادين مختلفة ثقافية وفكرية ونقابية وخيرية وحقوقية.

وسمح مناخ الحرية وقتها بظهور جمعيات ومنظمات تُعنى بقضايا كان من المستحيل الحديث عنها مثل الجمعيات التي تهتمّ بمراقبة الانتخابات والحملات الانتخابية، ومراصد لمحاربة الفساد، وجمعيات تراقب العمل الحكومي والبرلماني والرئاسي، وجمعيات تدافع عن حقوق الأقليات العرقية كـ”الأمازيغ”، وأخرى تدافع عن الحريات الجنسية وحقوق المثليين.

جدل حول تعويض المرسوم 88

تمثّل مكانة المجتمع المدني في المشهد العام، مؤشراً حقيقياً إلى الفرز بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية من خلال محاولات نسف هذه الأجسام الوسيطة ومنعها من النشاط حتى لا تقوم بأدوارها الرقابية والمواطنية، أو عبر دعم وجودها وتوفير الظروف الملائمة للقيام بمهماتها في دعم مكاسب الديمقراطية، وفق معنيين بحقوق الإنسان.

وشكّل المرسوم 88 لعام 2011 الذي صاغته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الانتفاضة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، الإطار القانوني لتنظيم تكوين ونشاط الجمعيات في تونس عوضاً عن القانون المنظم لها قبل الانتفاضة.

اليوم، يسود جدل كبير في تونس بين السلطة وممثلي المجتمع المدني، حول مشروع قانون جديد تراه السلطة ضرورياً لتنظيم عمل المنظمات والجمعيات، بخاصة تلك التي لها ارتباطات في الخارج وأخرى تشوبها شبهة الإرهاب وتبييض الأموال، بينما تراه غالبية المنظمات محاولة حقيقية لتقييد نشاط المجتمع المدني الذي بات في تقديرهم “يزعج السلطة الراهنة”.

وتطالب منظمات عدة السلطة بـ”احترام حرية عمل المجتمع المدني واستقلاليته وبالكف عن التضييقات التي تستهدف نشطاءه وشركاءه”.

تشديد المراقبة على التمويل

وعبّر أمين غالي، الناشط في المجتمع المدني ورئيس مركز “الكواكبي” للتحولات الديمقراطية عن تمسكه بالمرسوم 88، لافتاً إلى أن “المسؤولية مشتركة بين مؤسسات الدولة وبعض الجمعيات التي ترتكب تجاوزات”.

ويقترح على الدولة أن “تشارك مع منظمات المجتمع المدني في تحسين شروط تطبيق المرسوم 88 بدلاً من تعويضه بقوانين جديدة تحدّ من الحريات الواردة في المرسوم المذكور”.

وبحسب التسريبات، يتضمن مشروع القانون الجديد تشديداً في التكوين وفي التمويل وفي الرقابة، وتشديداً في العقوبات وإعطاء سلطة واسعة للسلطة التنفيذية في مراقبة المجتمع المدني ومعاقبة الجمعيات.

ويرى أمين غالي أن “دور المجتمع المدني تقلص اليوم في تونس”، مشيراً إلى أن “الحل ليس في العقاب الجماعي للمجتمع المدني الذي اضطلع بأدوار وطنية واقتصادية مهمة في البلاد على غرار الحوار الوطني “.

ويذكر أن الرباعي الراعي للحوار الوطني (الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة المحامين) تحصّل عام 2014 على جائزة نوبل للسلام بعدما “جنّب تونس الانزلاق إلى حمام دم إثر تتالي الاغتيالات السياسية وتنامي الإرهاب”.

امتداد للأحزاب والاستخبارات

في المقابل، ما انفكّ رئيس الجمهورية قيس سعيد يشير إلى شبهات حول تمويل عدد من الجمعيات، معتبراً بعضها امتداداً للأحزاب وللاستخبارات الأجنبية وداعياً القضاء إلى القيام بدوره “ضد من استباحوا الدولة وعبثوا بمقدرات الشعب التونسي” في إشارة إلى بعض الجمعيات المدعومة من الخارج.

ومن جهتها، أعربت النائبة فاطمة المسدي في تصريحات صحافية عن اعتقادها بأن “مشروع القانون الجديد ينظم العمل الجمعياتي بتونس، ويهدف إلى إرساء دولة القانون”، مضيفة أن القانون سيمكّن من التحكم في ما أسمته “صنبور الأموال المشبوهة التي تدخل من باب بعض الجمعيات التي تكونت بعد يناير 2011″، وشددت على أنه حان الوقت لمراقبة طرق تمويلها.

25 ألف جمعية ومنظمة

ويشار إلى أن ما بين ثلاثة وخمسة في المئة من التونسيين لهم انتماءات إلى منظمات المجتمع المدني، وأن نصف المجتمع له نظرة احترام للمنظمات والجمعيات في تونس، وبحسب بيانات رسمية نشرها مركز إفادة للجمعيات (مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات) توجد في تونس اليوم وحتى الـ17 من مايو 2024، 25 ألفاً و37 جمعية، تتوزع بين مؤسسات ثقافية فنية ورياضية ونسائية، وتستحوذ محافظة تونس على 20 في المئة من الجمعيات تليها صفاقس ونابل وأريانة.

وبحسب دراسة أنجزتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن تونس قد تخسر مجتمعها المدني في حال تم القبول بهذا القانون الجديد الذي يحدّ من الموارد المالية للمنظمات والجمعيات، وربما تخسر نحو 30 ألف فرصة عمل بصورة مباشرة و100 ألف فرصة عمل غير مباشرة، بينما تواجه البلاد أزمة اقتصادية واجتماعية حادة.

العراق… مراحل النمو والنكسة والعودة

مرت منظمات المجتمع المدني في العراق بمراحل نمو متسارع بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، لا سيما أنها تزامنت مع خروج العراق من الهيمنة العثمانية التي سيطرت طيلة خمسة عقود مستفيدة من ربط العراق بالعالم. وقد اتسع عدد المنظمات والمجالات التي تعمل بها والتي تركز بعضها على العمل الإنساني والتنظيمات العمالية. نكسة هذه المنظمات كانت إبان تسلم حزب البعث في العراق الحكم عام 1968 ليتقلص وجودها إلى عدد محدود جداً برقابة حكومية وباتهامات حكومية لكل منظمة تنشأ بـ”العمالة لجهات أجنبية”.

وعادت المنظمات غير الحكومية بقوة للعمل في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، ليتم تأسيس دائرة خاصة معنية بتنظيم عمل تلك المنظمات وتسجيلها، مما أوجد قاعدة بيانات خاصة بتلك المنظمات التي ناهز عددها 6000 منظمة عاملة في العراق بجميع المجالات عام  2024 الحالي.

بينما اختلف تمويل هذه المنظمات بين تبرعات الأفراد والتمويل الخارجي لا سيما المنظمات الدولية الكبيرة، التي اهتمت في مجال حقوق الإنسان والتطوير الإعلامي وتنمية قدرات الشباب ومجال حقوق المرأة ومجالات البيئة.

5500 منظمة مجتمع مدني

بين المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد أن عدد المنظمات غير الحكومية بلغ أكثر من 5500 منظمة، فيما أشار إلى أن غالبية المنظمات إنسانية.

وأضاف “عدد المنظمات غير الحكومية المسجلة رسمياً في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تجاوزت 4500 منظمة عراقية تخصصية، إضافة إلى 1000 فرع لمنظمة أجنبية عاملة في العراق”، مشيراً إلى أن المنظمات الأجنبية العاملة بالعراق بحاجة إلى موافقات من وزارة الخارجية بينما تعمل المنظمات المحلية وفق ضوابط وقانون خاص لعملها وعلى كل منظمة أن تخضع لهذه الضوابط.

رقابة حكومية

وأشار إلى أن هناك رقابة حكومية في ما يخص الحسابات البنكية والإجراءات الأمنية الخاصة بعمل المنظمة وإجراءات عدم المحكومية لأعضائها كي تعطى إجازة لعملها بحسب القانون الموضوع لعمل المنظمات، على أن تكون هناك مراقبة سنوية وتقديم حسابات ختامية عن مصدر الأموال التي تأتي لها.

المجالات الإنسانية

وعن مجال عمل تلك المنظمات، بيّن مجيد أن المنظمات بغالبيتها تعمل في المجال الإنساني وهناك فرق تطوعية بادرت للعمل وتقديم المعونة بعد التفجيرات في العراق.

مراحل عدة

وأشار الكاتب والصحافي باسم الشرع إلى أن عمل المنظمات مرَّ بمراحل عدة بين ازدهار وكبوة، وإلى تأثير تلك المنظمات في المجتمع العراقي.

مضيفاً “عمل منظمات المجتمع المدني بالعراق مر بمرحلتي ازدهار الأولى في بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي حتى عام 1958، وكانت هذه المرحلة حافلة بدخول منظمات دولية وتأسيس منظمات عراقية جديدة وإنشاء فرق تطوعية”.

تراجع عمل منظمات المجتمع المدني

وأشار إلى أنه بعد انقلاب الـ14 من يوليو (تموز) 1958، بات تراجع هذه المنظمات لمصلحة العمل الحزبي، بحسب مرجعيات تاريخية، وبخاصة عندما كان هناك صراع حزبي وسياسي في الفترة التي أعقبت إسقاط عبدالكريم قاسم عام 1958 حتى عام 1963.

وبين أنه بعد عام 1963 حتى عام 2003 انتهى دور تلك المنظمات حتى أصبحت جميعها تابعة لحزب البعث ومن ضمنها نقابات العمال، مما أفقد الفرق التطوعية والعمل المدني الحقيقي محتواه، ثم انتهى العمل المدني والتطوعي المستقل وشبه المستقل.

ازدهار عمل المنظمات

وأوضح أنه بعد عام 2003، عاد عمل منظمات المجتمع المدني الدولي والمحلي بكثافة، وقد مر بمرحلتين، الأولى امتدت 10 أعوام من 2003 إلى 2013، وقتها كان هناك عدد هائل من المنظمات سواء مسجلة أو غير مسجلة.

وذكر أن بعد هذه الفترة انخفض العدد بسبب ضعف التمويل لا سيما أن تمويل غالبية المنظمات يعتمد على المعونات التي تقدمها المنظمات الدولية الكبيرة، وكذلك من قبل الحكومة العراقية التي  خصصت موازنة محددة لمساعدة المنظمات غير الحكومية، لا سيما المنظمات التي نشأت في فترة الحكومات السابقة.

وعزا الشرع تراجع التمويل إلى الحرب التي خاضتها القوات العراقية ضد تنظيم “داعش”. ولكن على رغم التراجع، فإن العمل المدني ما زال فاعلاً وهناك تنافس نقابي في العراق ولا تزال المنظمات مؤثرة.

قلة الدعم

وتحدث مدير منظمة “عين الموصل” الإنسانية أنس الطائي، عن قلة الدعم الذي تقدمه المنظمات الدولية لمنظمات المجتمع المدني، لافتاً إلى جهود ما وصفه بـ”المشاريع الوهمية” التي تقدمها بعض المنظمات.

وأضاف الطائي “ازدهر عمل المنظمات الإنسانية والمنظمات العاملة في مجال الإعمار والبيئة في مدينة الموصل بعد تحريرها من “داعش”، وكذلك إبان فترة التهجير والنزوح إذ إن عدداً منها تكفل بمهام إنسانية”.

الدعم الدولي

وعن مصادر تمويل تلك المنظمات، قال إن تمويلها يتم عن طريق المتبرعين وكذلك دعم منظمات دولية، لافتاً إلى أن العاملين في تلك المؤسسات غالبيتهم من فئة الشباب الذين تبنوا مهام العمل التطوعي.

ولفت إلى أن غالبية المنظمات العاملة في الموصل تواجه قلة دعم ويقتصر عملها على حملات الإغاثة وعقد المنتديات، وأشار إلى أن المنظمات التي تعمل حالياً قليلة عما كانت عليه قبل أعوام بسبب قلة التمويل، فضلاً عن تركيز المنظمات العالمية الداعمة على  مناطق أخرى من العالم مثل أوكرانيا.

السودان… منظمات المجتمع المدني إطار فضفاض

تشمل منظمات المجتمع المدني بحسب الأمم المتحدة، المنظمات التطوعية والشبكات والجمعيات والتنظيمات المهنية والفئوية مثل تنظيمات النساء والطلاب والمجموعات والحركات غير الحكومية وغير الربحية التي يُشكلها ناشطون في هذا المجال. وتتضافر جهود هذه المنظمات التي تعمل بصورة مستقلة عن الحكومة، لتعزيز مصالحها المشتركة أحياناً من خلال العمل الجماعي. وفي السودان  يتسع هذا المصطلح لتنضوي تحت جناحه أيضاً الجماعات الصوفية والتنظيمات الدينية.ال

“أذرع الأحزاب”

تعدّ جذور وخلفية منظمات المجتمع المدني قديمة في السودان، وفي هذا الخصوص يقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعات السودانية بهاء الدين مكاوي إنها “نشأت بداية كأذرع وواجهات لبعض الأحزاب السياسية السودانية في إطار صراع الأخيرة مع الحكومة الاستعمارية، لذا فقد نشأت مسيسة في البداية بسبب ارتباطها الوثيق بالأحزاب السياسية. وكان من المفترض أن تعمل هذه التنظيمات بعد الاستقلال على أن تكون مستقلة عن الأحزاب السياسية ولكن ذلك لم يحدث، مما باعد بينها وقواعدها من ناحية، وقاد إلى احتكاكات وصراعات في ما بينها على أساس سياسي محض مما أضعفها جميعاً، وجعلها تدور في فلك الأحزاب السياسية”.

 وأوضح الباحث محمد موسى أن “المجتمع المدني عبارة عن منظمات، مجال عملها متمايز عن عمل الدولة أي مستقلة عن سلطه الدولة وأن الشأن الاجتماعي مشترك بينهما وأن منظمات المجتمع المدني هي تجمعات بشرية تضم متطوعين وتقدم سلاسل من الخدمات التطوعية والخيرية إلى المحتاجين والمنتفعين من دون مقابل في ضوء مجموعة من التشريعات”. وأضاف أن “شرائح واسعة من المجتمع السوداني تستفيد من هذه المهمات التطوعية، خصوصاً الشباب”.

 وعن دور تلك المنظمات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، شرح موسى أنه “يتمثل في حاجة مفهوم المجتمع المدني إلى وضعه في سياقه الملائم والصحيح والقيام بدوره كاملاً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وكيفية توفير الآليات للتصدي للتحديات التي تواجه العمل التطوعي في السودان”.

دور فاعل

هناك بروز واضح لدور منظمات المجتمع المدني الفاعل، لا سيما بعد إسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير، ولكن هذه المنظمات تعرضت لانتكاسة في ظل الحكومة الانتقالية. فقد كشف تقرير أطلقته منظمة المبادرة السودانية للتنمية “سوديا” عن مؤشر استدامة منظمات المجتمع المدني لعام 2021 في السودان، عن تراجع هذه المؤشرات لأسباب أهمها “الانقسام السياسي والاجتماعي في ظل الحكومة الانتقالية والشراكة بين المكونين المدني والعسكري”. وأضاف التقرير أنه “بعد الإجراءات التي فرضها الفريق عبدالفتاح البرهان في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، تدنّت مؤشرات استدامة المجتمع المدني بسبب تجميد الموارد المالية الموجهة إلى السودان من المانحين والداعمين الدوليين، مما انعكس سلباً على الموارد المتاحة للقطاع وتمويل عمليات التنمية في البلاد”.

أما بعد الحرب، فاضطلعت المنظمات بأدوار في العمل الإنساني إلى جانب المنظمات الدولية ومنظمات الإغاثة، ولكن استمرار الحرب والتعدي على هذه المنظمات وعلى مستودعات المساعدات، عطلا عملها.

 وفي السياق ذاته، كان رئيس لجنة طوارئ تحالف منظمات المجتمع المدني في السودان عادل عبدالباقي علي أكد في مارس (آذار) الماضي أن “الوضع الإنساني في جنوب كردفان خرج عن السيطرة، إذ نفدت كل المعونات ولا يزال الحصار مطبقاً هناك على رغم النداءات والاستغاثات”.

وأضاف أن “المنظمات المدنية تبذل كل الجهد من أجل توفير ولو وجبة واحدة من البقوليات لآلاف الأسر في المنطقة”، موضحاً أن “ما يقارب 700 ألف طفل لا يجدون الطعام، مما أدى إلى إصابة غالبيتهم بحالات الأنيميا الحادة (فقرالدم الحاد) في ظل غياب تام لألبان الأطفال والأدوية، تحديداً لذوي الاحتياجات الخاصة منهم والذين يحتاجون إلى رعاية خاصة”.

اندبندنت عربية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..