مقالات وآراء

ماذا بعد تحرير الخرطوم؟

ماذا بعد تحرير الخرطوم؟

في أسبوع شهد تطورات عسكرية متسارعة، أكملت القوات المسلحة السودانية تحرير مدينة بحري باستثناء جيوب قليلة يجري تمشيطها حالياً، وفي الوقت ذاته لم يعد أمامها الكثير لاستكمال عمليات استعادة الخرطوم التي تتقدم فيها من عدة محاور، وبات متوقعاً صدور إعلان رسمي خلال وقت قريب بتحريرها واستعادة القصر الجمهوري، والوزارات، والمنشآت الاستراتيجية، وتأمينها.

ماذا تعني هذه التطورات؟ من الناحية العسكرية لا يمكن القول إن الحرب حسمت بأي حال، فلا يزال في المشوار بقية، وإن كانت الموازين تغيرت تماماً لصالح الجيش والقوات المشتركة والمستنفرين في صفوفه. بعد معارك تحرير الخرطوم ستنتقل الجبهة، وفق ما أكدته قيادة الجيش، نحو إقليم كردفان ثم إلى دارفور، حيث ستكون طبيعة المعارك مختلفة تماماً، ومعظمها قد يدور في مناطق مفتوحة نسبياً، خلافاً لمعارك حرب المدن والشوارع الصعبة.

الأمر الواضح الآن هو أن الحرب دخلت مرحلة مفصلية، وأن زمام المبادرة بات في يد الجيش والقوات التي تقاتل في صفوفه، وهو ما جعل الحرب الإعلامية والنفسية الموازية تستعر أيضاً. فمقابل أجواء الفرحة في صفوف أنصار الجيش، وبين المواطنين في المناطق التي تحررت، يبث خصومه، الآن، الذين دأبوا على مهاجمته ومحاولة التقليل من شأن الانتصارات التي تحققت، كلاماً أحسبه للتشويش، من شاكلة أن كل ما تحقق منذ تحرير مدني ثم بحري والآن في الخرطوم إنما كان باتفاق لتهيئة أرضية العودة للمفاوضات بعد تحسين الجيش لموقفه العسكري الميداني، وأن «قوات الدعم السريع» لم تنهر وانسحبت تكتيكياً. هذا الكلام لا تسنده الوقائع على الأرض، ولا ينسجم مع حالة التشتت والانسحابات غير المنظمة لـ«قوات الدعم السريع» من مواقعها، وتركها أسلحتها وراءها والهروب باتجاه غرب البلاد حيثما أمكن. كما أنه يقفز تماماً فوق كل التصريحات الصادرة من قيادات الجيش التي أكدت أنها ماضية في طريق «الحسم»، لتغلق بذلك طريق أي مفاوضات الآن.

أيضاً فإن الكلام عن أن الجيش حقق انتصاراته من دون قتال، وأن «قوات الدعم السريع» انسحبت طوعياً «ضمن صفقة»، لا يأخذ في الاعتبار أن قيادات الجيش ظلت تعمل بأسلوب وصفه الفريق عبد الفتاح البرهان بـ«الحفر بالإبرة»، أي أسلوب النفس الطويل لإعادة بناء القدرات، واستنزاف قوة «الدعم السريع» تدريجياً، وصولاً إلى مرحلة محاصرتها بقوات من كل الاتجاهات لمنعها من ممارسة أسلوبها المعروف في الهروب ثم محاولة الالتفاف. فمع هذا الوضع باتت «قوات الدعم السريع» أمام أحد خيارين: إما قتال انتحاري تحت كماشة الحصار، وإما الهروب من مواجهة خاسرة، وهو ما فعلته مخلفة وراءها عتادها العسكري.

ما يدحض أيضاً انسحاب «قوات الدعم السريع» «بصفقة»، أن خلافات دبت في صفوفها أدت إلى تصفية بعض قادتها المعروفين الذين حملتهم مسؤولية خسائرها واتهمتهم بالتخاذل عن القتال. كما لوحظ أيضاً أن مواقع التواصل الاجتماعي ضجت بمقاطع وتسجيلات عديدة لمجندين في «الدعم السريع» يهاجمون قياداتهم ويحملونهم مسؤولية الهزائم المتتابعة التي لحقت بهم.

بعد كل ما سبق ماذا سيترتب عن تحرير الخرطوم الذي بات قريباً وفق كل الشواهد والمعطيات الماثلة؟

بعيداً عن الجوانب العسكرية والتوقعات بأن تتجه القوات مباشرة من معركة تحرير الخرطوم نحو كردفان ودارفور، فإن معركة أخرى ستنطلق من أجل عودة الخدمات الأساسية وإصلاح البنى التحتية في العاصمة المدمرة، لتسهيل عودة الناس وحياتهم. فعودة الناس إلى بيوتهم تمثل انتصاراً معنوياً ونفسياً، بعدما ذاقوا عذاب التشرد من بيوتهم وأحيائهم التي احتلتها «قوات الدعم السريع» وحولت الكثير منها إلى ثكنات عسكرية ومخازن للسلاح والمنهوبات، ودمرت قسماً منها.

صحيح أن هذه العودة ستفرض تحديات وأعباء للإسراع في توفير الخدمات من كهرباء ومياه وخدمات صحية وبنكية وتجارية، إذ إن الخرطوم بمدنها الثلاث من أكثر مدن السودان اكتظاظاً بالسكان، ما يعني ضخامة حجم الاحتياجات المطلوبة التي تجعل العودة ممكنة، بدءاً من إزالة مخلفات الحرب، مروراً بنشر الشرطة لمواجهة التفلتات الأمنية، وانتهاء بعودة المدارس والجامعات واستئناف التعليم بشكل طبيعي.

إلى جانب ذلك، ينتظر الناس عودة الحكومة لمزاولة أعمالها من الخرطوم. هذه الخطوة تبقى في سلم الأولويات، لا لرمزيتها عسكرياً وسياسياً ومعنوياً فحسب، بل لأن هذه العودة ستكون أقوى مؤشر للمواطنين لكي يعودوا إلى ديارهم، فلا يعقل دعوة الناس للعودة إلى العاصمة، بينما الحكومة موجودة في بورتسودان.

عودة الحكومة سوف تطمئن الناس، كما ستوجه رسالة إلى العالم بأن موازين هذه الحرب تغيرت، وأن الأمور إذا سارت بالوتيرة الحالية، فإنها تتجه نحو نهاياتها. بالتأكيد لن يكون الطريق سهلاً، فهذه الحرب بتشعباتها وكثرة التدخلات فيها، أوضحت ذلك للناس، لكن هذا لا يمنع القول إن الأصعب ربما انقضى، ولعل الناس يتعلمون من مرارة التجربة ودروسها.

الشرق الاوسط

‫10 تعليقات

  1. بعد تحرير الخرطوم تجي إنت وتبقي وزير الإعلام في حكومة الكيزان القادمة
    الذي تعرفه أنت جيدا ولم تقله
    هو أن الكيزان يشحذون سكانينهم (سكانينهم بالمعني الحرفي لا المجازي)
    لقتل الثوار في لجان المقاومة والمتطوعين في التكيات وكل المعارضين للكيزان
    والتهمة جاهزة هي التعاون مع الدعم السريع
    فإنت حتجي وزير فوق أنهر من الدماء
    فما حنعرف حينها نبارك ليك ولا نعزيك

    1. بعد تحرير الخرطوم سنتفرغ نحن كسودانيين لبناء قاعدة الذكاء الصناعي كما فعلت ال ديب سيك و قلبت موازين وول استريت في أسهم التكنولوجيا. فقط فلنرجع إلى الظلل لناخذ مكاننا الطبيعي في ركب الحضارة

  2. انت يا قذر أقعد نظر من وراء السطور.
    السودان عاد إلى مرحلة ما قبل الحداثة بالضبط ليوم ٢ سبتمبر ١٨٩٨ العصر يعني بعد معركة كرري.
    نبدأ من وين وكيف بمساعدة منو في ظل سلطة مرفوضة داخلياً وخارجياً وأكثر من ستين في المائة من السودان خرج سيطرتها.
    خليك شغال لصالح اسيادك آل سعود بحثاً عمر عقود تعمير تعيش عليها باقي عمرك الذي قضيته في العمالة والأرزاق.
    تعرصتك ظاهرة من شنبك الحليق وخدك الأملس.

  3. الاختلاف في الرأي يجعل الحياة جميلة اما عدم احترام النفس و الاخرين يجعل الانسان حيواناً متجرداً من العقل و الانسانية لذلك السودان يتحكم فيها افرازات الدكتاتورية و الايديولوجية و القبلية.

  4. تتطلع لمنصب الملحق الاعلامى بسفارة السودان فى لندن لكن ستصاب بخيبة امل قاتلة……الصف طويل.

  5. افيدونا مأجورين هذا الكويتي مراسل حربي ام وزير اعلام ام ضابط علاقات بئس اخو العشيرة ايها الأملس

    1. ياجهلول عثمان ميرغني دا الكاتب السوداني الاول في صحيفة الشرق الاوسط السعودية اللندنية. في بداية التسعينيات منعت سلطة الكيزان دخول الشرق الأوسط بسبب مقالات عثمان ميرغني المناهضة لهم و طردت مراسلها من الخرطوم، يعني شنو: يعني مافي مجال للمزايدة عليهو و القول بانه كوز.

      التحية لعثمان ميرغني لانضمامه للشرفاء من الكتاب و النشطاء اليساريين و الليبرالين امثال امجد فريد، محمد جلال هاشم و غيرهم في إداندتهم للدعم الصريع .

  6. سؤال بسيط .. هل بالفعل تحررت الخرطوم .. ؟؟ وثانيا هل الكذب كافى كافى لكسب معركة .. ؟؟
    والخرطوم إتحررت من منو ..؟؟ وياريت تورينا إنت فعلا مقتنع بأن الخرطوم قد تحررت .. ؟؟ وهل القتل والتشريد والذبح الممنهج وبقر البطون ونهش أعراض الناس .. كل هذه المآسى وغيرها كثير لتداعيات هذه الحرب العبثية المجنونة .. فهل هذا يترك لإنسان له ضمير أو له أخلاق أو هو مجرد إن إنسان أن يدعم هذه الحرب ولو بكلمة .. ؟؟

  7. حسب علمي ومن خلال متابعتي لمقالات هذا الشخص فهو دعامي في شكل كاتب….. لا خلاف ان تكون ضد الكيزان وكلنا لها و اذيد كمان….. بس تقيف في صف الظعط الصريع وتمجدهم فهذا لن ولا يغفر لك…..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..