مقالات وآراء

لعبة الجنرال: مشهد ثان لمذبحة القلعة.. هل يعيد البرهان التاريخ في دارفور؟

 

عمار نجم الدين

إذا كان التاريخ يكرر نفسه بأشكال مختلفة، فإن ما يحدث في السودان اليوم يبدو وكأنه استدعاء لحيلة قديمة استخدمها الطغاة لإزاحة خصومهم دون أن تتلطخ أيديهم بالدماء مباشرة. لا يمكن النظر إلى معركة دارفور القادمة إلا من خلال عدسة الماضي، حيث نجد تطابقا مذهلا بينها وبين واحدة من أكثر الأحداث دموية في التاريخ المصري، مذبحة القلعة التي دبرها محمد علي باشا عام ١٨١١، حين استدرج المماليك إلى فخ محكم وقضى عليهم بضربة واحدة.

٢١٤ عاما تفصلنا عن مذبحة القلعة الشهيرة، ولكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بأساليب مختلفة.

في ذلك اليوم المشؤوم، دعا محمد علي قادة المماليك إلى احتفال داخل القلعة، مظهرا حسن النوايا وطي صفحة الماضي. ولكن بمجرد أن دخلوا إلى الباحة الضيقة، أغلقت الأبواب، وانهمرت عليهم نيران البنادق من كل جانب، ليسقط معظمهم قتلى في لحظات.

اليوم، في السودان، تتكرر نفس الاستراتيجية بلمسات حديثة. انسحاب الدعم السريع من الشمال ليس هزيمة، بل خطوة محسوبة في لعبة سياسية أوسع، تعيد تشكيل خارطة الصراع. فبدلا من معركة حاسمة بين الجيش والدعم السريع، يتم تحويل ساحة القتال إلى دارفور، حيث ستتقاتل الحركات المسلحة والدعم السريع فيما يشبه مصيدة محكمة.

ولكن، هل يمكن أن تسير خطة البرهان دون مفاجآت؟

حتى الآن، يراهن البرهان على أن خصومه سيقضون على بعضهم بعضا، ولكن هناك عنصرا واحدا يمكن أن يكسر هذه المعادلة، التدخل الدولي.

يدرك المجتمع الدولي أن دارفور قابلة للاشتعال بشكل خارج عن السيطرة، وأن تحولها إلى معركة استنزاف بين الحركات والدعم السريع قد يجر الإقليم كله إلى صراع مدمر. ومع تصاعد الضغوط الدولية لوقف حرب الإبادة في دارفور، فإن خطة البرهان قد تتعرض للتشويش، إذا تصاعدت المطالبات بإرسال قوات حفظ السلام أو بضغوط دبلوماسية تفرض عليه قبول تسوية سياسية، تجنب دارفور دخول حرب لا تحتملها.

فإذا حدث ذلك، فسيكون البرهان أمام معضلة حقيقية، إما أن يستمر في خطته ويواجه عزلة دولية أكبر، أو يرضخ للتسوية، مما سيحرمه من فرصته الذهبية لإضعاف خصومه ببعضهم.

في النهاية، ستكون دارفور إما مذبحة القلعة بحلة جديدة، أو ستكون اللعبة التي يخسر فيها البرهان كل شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..