
لاشك أن المشهد السياسي اليوم قد بات متناقضا ويفتقر لأساسيات بل وأبجديات الفِعل السياسي الاحترافي والعمل الوطني المسؤول، حيث أن استمرار المكايدة السياسية الصبيانية وتطورها واستفحال ظاهرة (اللايفاتية) واضمحلال دور الاحزاب وما تعانيه من التسلخات الداخلية، وتنامي ظاهرة بروز مجموعات من الناشطين ومحاولة تقديم خطاب سياسي، ونزوع بعض المؤسسات الدولية في دعمه فنياً بالتنظير له تارة سياسيا ومرة إعلامياً، إنما يشكل حالة من حالات العبثية والعدمية في إهدار الجهود الوطنية الديمقراطية، والركون الى اختطاف القرار الوطني من قبل منصة مجهولة النسب الوطني، بالتالي ليتحول النظام السياسي السوداني برمته إلى حالات شعبوية عديمة التأثير والجدوى على الساحة المحلية وبالتالي الإقليمية والدولية.
وبتصوري إن الحل الموضوعي والعملي لهذه الحالة يتمثل بالحوار السوداني، كوسيلة لاستعادة عافية النظام السياسي والحفاط على وحدة الوطن. وعلى الفاعلين السياسيين أن يحسموا هذا الجدل الغوغائي حول صغائر القضايا، وان يوحدوا قاموس السياسة السودانية ويرسخوا تفاسير للمفاهيم السياسية، وبالتالي الانتقال الى حسم التأسيس النظري الكُلي لركائز إعادة تأسيس الدولة.
بداية ومن خلال هذا الحسم يكون التوصيف الفعلي لطبيعة الصراع للانتقال حينها إلى إعادة رسم خارطة التناقضات وما تفرضه تداعيات العملية السياسية ذاتها إذا ما كان الحسم باتجاه التوصيف الأدق للمرحلة وتحديد ماذا تعني؛ هل إننا ما زلنا نعيش مرحلة ثورة ديسمبر؟ وإذا ما اعتبرت المرحلة القادمة بعد نهاية الحرب مرحلة ثورية على طريق الاستمرار في بناء مؤسسات حكومة الانتقال وتعزيز سلطتها كيف ما اتفق سابقاً، واذا كان بالامكان ذلك، يبرز تساؤل آخر حول كيف يكون الالتزام بالإخراج الموضوعي والعملي في واقع حالة الأزمة السائدة اليوم والتي تحولت إلى تناقضات رئيسية عناوينها البارزة الصراع على السلطة ولا شيء سوى ذلك.
فلابد على من يتعامل وهذا المفهوم كخط استراتيجي أن يحدد بالضبط منطلقات وتداعيات العملية السياسية هذه، وبالتالي عليه أيضا أن يحدد خارطة التناقضات للدولة أو الدولة العميقة وأن يتعاطى بمنطق رجل الدولة و أجهزتها العسكرية والأمنية والاستخبارية ومؤسساتها الاقتصادية ومنظومة قوانينها.
إن أزمة النظام السياسي السوداني الذي يوصف بأنه بدائي ومتخلف تتلخص في تعدد التفسيرات وتداخل المفاهيم بعضها ببعض حتى بات هناك الكثير من الرؤى المطوعة قصرا لصالح هذه الجهة أو تلك، ويبقى دائما التفسير والجدل الفارغ المحتوى سيد الموقف لكل من يريد إحراج الآخر في اللعبة السياسية الداخلية في الوطن إذا ما جاز التعبير.. مستخدما الحذلقات السياسية تارة، أو المحاكمات التاريخية والتفسيرات القانونية تارة أخرى، أو لتلك المفاهيم التي تحكم العلاقات الداخلية في أطر التحالف السياسية القائمة تارة أخرى.. وكأن الأزمة فقط تندرج في من سيحكم دون التطرق الى أدنى فكره سياسية لتأسيس الدولة. إلا أن الواقع عكس ذلك تماما الأمر الذي يخلق معه الكثير من المغالطات التي وللأسف تصبح مسلمات باللغة السياسية السودانية البائسة الراهنة، يتم التعاطي معها بشكل طبيعي وكأنها حقائق فعلية.