المشهد السياسي السوداني بين الصراع وإعادة التشكل

زهير عثمان حمد
لا يمكن حل أي مشكلة ما لم تعرفها بشكل دقيق. وأول ما عرفناه أن عند الانتصار يتجمع الوفود، وهو ما حدث عند تكوين الحكومة، حيث تجمع كل أصحاب الطموحات ومن يظهرون عند جمع الغنائم. عندما جاءت جحافل الجنجويد إلى وسط السودان وتموضعت في أماكن استراتيجية وهجومها في منتصف أبريل، كان الوطن جريحًا ومثخنًا بالصدمات، وهنا هرب كل المنافقين والباحثين عن الكراسي ووقف مع الوطن والدولة الذين عفوا دائمًا عند المغانم وصار الوطن فسطاطين تمايزا تمامًا.
اتفق أغلب السودانيين أن هناك عدوًا أساسيًا واحدًا هو الجنجويد، لكن يضم في أحشائه دولًا تسانده وتموله وتسلحه وتنعقد عليه فيها مؤتمرات التأييد. يوجد مجموعة سودانية من ضمنها أحزاب ومنظمات ومجموعات وتجمعات شبابية وحركات مسلحة ومجموعات عرقية في تحالف وثيق مع الجنجويد ويتم تمويلها منه – حسب التسريبات من الجنجويد أنفسهم – كما تنال هذه المجموعات المنتظمة جميعًا في “تقدم” دعمًا من لوبيات ومنظومات دولية وأجهزة استخبارات وغيرها.
هناك مجموعة ثالثة من الحزب الشيوعي والمتأثرين حوله من شباب التغيير الجذري ضمن تحالفاتها التقليدية، تقف في مكان يدين فيه الطرفين (وهنا يقترب من تقدم) ويسميه حيادًا أو سكوتًا أو موقفًا ضد الطرفين. وبشكل عام يتفق مع الكوزوفوبيا التي بنى عليها تقدم سرديته. وهناك تبادل علاقات بين الطرفين، وإن كانت أغلبها لا توضح الكثير.
إذن هناك تجادل كبير في وسط القوى المدنية، أي أنها اليوم أبعد ما تكون اختلافًا من أي وقت مضى خلال ثلاثين عامًا من الإنقاذ. وعندما كتبت كتابي الرؤية، كان أغلب الشعب السوداني متفقًا حول إسقاط النظام، إما ثورة أو هبوطًا ناعمًا. وحتى سؤال أين نريد الذهاب لم يكن غائبًا، فقد تم تنظيم ورشة عمل لبرنامج بديل من قوى الهبوط الناعم، وطلبت الإجماع الوطني وتجمع المهنيين تطوير مذكرة حراك لبرنامج إسعافي تبنته قحت لاحقًا وقدمته لحمدوك كبرنامج للانتقالية وأنكره حطب. وكانت العلاقات والاتفاقات والتحاور بين كل الأطراف سالكًا وفاعلًا. هذا الخلاف الكبير في وسط النخبة السياسية والاجتماعية سوف يطرح أسئلة أكثر وأكبر حول سؤال الرؤية الثاني.
أغلب الأحزاب التقليدية التاريخية والحديثة والمنظمات مثل الجمهوريين والعديد من نخبة ما سمي بالمجتمع المدني، وأغلبها مرتبطة بالتمويل الخارجي الأمريكي غالبًا والاتحاد الأوروبي أحيانًا، كلها الآن تنتظم في تقدم. وهو مفهوم في السياق السوداني من سيطرة العسكر لأغلب تاريخ السودان وإغراء استعادة الديمقراطية على يد الجنجويد كما توهموا.
أغلب السودانيين سوف يعودون لمواطنهم وهم يحملون الكثير جدًا من ذكريات مريرة ضد الجنجويد ومن يؤيدونهم، ولديهم حماس واستجابة فعالة للدفاع عن دولتهم ومؤسساتهم وثرواتهم ومستقبل أبنائهم. غالبية أبناء الوطن يرفضون تحالفات تقدم واليسار المنظم، ويتراوح تقديرهم من سوء الاختيار إلى الخيانة. أغلب أبناء الوطن لديهم موقف موحد وصلب من موقف دولة الإمارات بدعم الجنجويد وتقدم وغيرهم، وأيضًا من الدول المجاورة التي تساهم في أي أنواع الدعم للجنجويد أو لقاءات تقدم أو المنشقين منها.
حملة السلاح من أبناء دارفور يشكلون معضلة حقيقية في الخارطة السياسية القادمة، حيث أن قطاعات كبيرة من الشعب السوداني ترفض وجودهم بسبب ارتباط بعضهم بالجنجويد أو المصالح الإقليمية. ومع ذلك، فإن تجاهلهم تمامًا لن يكون خيارًا واقعيًا، بل يجب أن يتم استيعابهم ضمن عملية سياسية عادلة، مع مراعاة محاسبة المتورطين في الانتهاكات وضمان عدم تحولهم إلى قوى معرقلة للسلام والاستقرار.
رؤيويًا، فإن انتصارات الدولة السودانية وهزائم الجنجويد، والتراجعات في الدول المجاورة عن تقديم الدعم العلني والوقح، وفرحة أبناء الوطن بعودتهم إلى مدنهم وقراهم المحررة، وبداية تكون مجتمعات جديدة وانتهاء تكوينات قديمة مثل الإدارات الأهلية التي دعمت الجنجويد وغيرها، سوف تؤدي إلى ظهور نخب جديدة وتلاشي القديمة، بالإضافة إلى مؤثرين اجتماعيين اكتسبوا موقعهم من حمل السلاح أو المشاركة في لجان الطوارئ وغيرها.
سوف يعاد نقاش الميثاق لأن محتواه طويل نسبيًا، وظهرت حوارات وأفكار جديدة ونبتات تعبر عن قوى جديدة دخلت الساحة ولها خبرات وتجارب مختلفة، جزء منها من الموجودين في الوطن في اللجان المختلفة، وجزء منها من الشباب حاملي السلاح في الدفاع عن وطنهم، وجزء أخير من خبرات الذين لجؤوا إلى بلاد مختلفة وخاضوا تجارب متنوعة. سوف تنهي التحضيرات لمواصلة إعادة النظر في الميثاق الاستقطابات ومحاولات السواقة بالخلا وهندسة ممثلي التنسيقيات وفرض الأجندات، وهو ما ترك أثرًا ضارًا في مرحلة صياغة الميثاق.
المعركة بين اغلب الشعب و الجنجويد. صح ام خطأ التهنئة للكيزان على كل حال . آفة الآفات صراصير كوم الزبالة حصريا
ماذا حصل للسيد زهير عثمان حتي يغير نظرتة للوضع الراهن 180 درجة تجاه القوة المدنية كنا من اشد المعجبين والمتابعين لمقالاتك الموضوعية والمتزنة لكن بالله قل لي ماذا حصل لك ؟