لا يغرنكم ضجيج الكيزان فهم الآن بأضعف حالاتهم

محمد صالح
ان تجاهل العالم لحرب السودان واستمرارها لحوالي سنتين اديا لحالة توازن ضعف عند طرفي الحرب حيث اصبح الطرفان بنفس مستوى الضعف وانت في تفوق طرف واحد على الاخر. فقد بنى الدعم السريع استراتيجيته الهجومية على الهجوم على المواقع بأعداد ضخمة وكثافة نيران أدت لانسحابات متتالية للجيش من مناطق كثيرة. تلك الاستراتيجية التي وصفها بعض المحللين الغربيون بانها spray and pray أي أطلق النيران بكثافة ثم ادعو انها ستصيب هدفها. أدت هذه الكثافة الهجومية طوال سنتين لاستهلاك عتاد الدعم الحربي واهم إشارة لذلك هي دعوة حميدتي لهم بأحد خطاباته بان لا يطلقوا النار للاحتفالات وهو انذار مبكر بنفاذ ذخائر قواته. الآن الطرفين بنفس مستوى الضعف مما أدى لانسحابات متتالية للدعم من مناطق واسعة وبسرعة في الفترة الاخيرة. ولا ينفصل ضعف الفريقين عن ضعف مجموعات الكيزان المختلفة وهو مصطلح شامل لكل المستفيدين من الوضع الحالي وحكومة الجبهة الإسلامية سابقا فهم يعانون من حالة ضعف واضح لم يسبق لها مثيل منذ عشرية الانقاذ الأولى. وتتبدى مظاهر ضعف الكيزان في عدد من الوجوه وأبرزها:
1. فقدان الاستقرار السياسي: منذ الثورة في 2019م، شهدت البلاد فترات من التوترات السياسية والصراعات بين القوى المدنية والعسكرية الموالية والمناوئة، مما أدى إلى عدم استقرار حكومي وصعوبة في اتخاذ قرارات موحدة. واستمر عدم الاستقرار حتى بعد انقلاب أكتوبر 2021م وانفراد المكون العسكري بالسلطة كاملة و يستمر حتى اللحظة وتمثل ذلك في فشل حكومة البرهان في تكوين حكومة او تعديل الدستور رغم الوعود الكثيرة بذلك.
2. التحديات الاقتصادية: يعاني السودان من أزمة اقتصادية حادة، مع معدلات تضخم عالية، وفقر متفشي، وقلة في موارد النقد الأجنبي. كما أدى فقدان النفط بعد انفصال الجنوب إلى تراجع العائدات. إضافة للصرف على المجهودات الحربية الذي أفرغ الخزينة العامة ولا ينفصل عن ذلك توجيه الحركات المسلحة المحتكرة لوزارة المالية لموارد مالية هائلة لمصالحها. بالإضافة لفقدان موارد مالية ضخمة نتيجة لتوقف حركة الصادر والوارد وحركة الإنتاج بكل اشكالها بسبب الحرب.
3. الضعف العسكري: ادي ضعف الجيش لفقدان مناطق واسعة وبسهولة غريبة وانسحابه لتكوين حكومة امر واقع ببورتسودان واستعانته بكل من وافق ان يرفع السلاح معه رغم اختلاف الايدلوجيا والاهداف والمصالح مما نتج عنه تحالفات عسكرية هشة يمكن ان تنهار بسرعة مع اول بارقة هدوء بجبهات القتال مما يفتح الباب واسعا لاستمرار دائرة الصراع وتجدده بمناطق جديدة.
4. زهد عدد كبير من أعضاء التنظيم في المشاركة: بعد انهيار نظام البشير آثر عدد كبير من الاسلامويون ان يبتعدوا عن المشهد مكتفين بما نهبوه وكنزوه من مال اثناء فترة حكمهم واشتروا عقارات واستقروا وتحصلوا على جنسيات دول مثل تركيا وغيرها وازداد عدد المبتعدين عن المشاركة اكثر بعد انقلاب أكتوبر 2021م وحرب ابريل 2023م ويظهر هذا في اعداد المشاركين بمؤتمرات الكيزان الخارجية الباهتة والتي خلت من عناصر كثيرة من الصف الأول بسبب الابتعاد او المطاردات الأمنية.
5. موت اعداد كبيرة من عضوية الاسلامويون بسبب الحرب: عقب ابتعاد السودانيون عن الانخراط بالقتال ببداية الحرب تخلى الاسلامويون عن فقه ادخار القوة واضطروا للدخول بالجبهة بكل ثقلهم وفقدوا نتاج ذلك اعداد كبيرة من عضويتهم المتزمتة والمحتملة بسبب القتال بصورة مباشرة كما في حالة جمال زمقان واعداد كبيرة من الضباط والمقاتلين واخرين وبصور غير مباشرة كما حال الكثيرين نتيجة لتدهور الخدمات الصحية وانتشار الاوبئة.
6. ضعف آلة الكيزان الأمنية: ويظهر ذلك في كثرة الاحتجاجات بالمناطق التي تاؤيهم بالشرق فمن مظاهرة لنصرة زي مذيعة تلفزيونية لأخري لعزل موظف وتعيين اخر وشهدنا ما يشبه الثورة بمدن الشرق مما ادي لان تنحني تلك الأجهزة الأمنية الباطشة للعاصفة ومن المتوقع ان يستمر ضعفها اكثر واكثر بعد انتشار السلاح وتعدد مراكز القوى.
7. فقدان موارد الكيزان المالية الضخمة: أدت الحرب لخسائر مادية فادحة لعضوية الكيزان مما اثر على مواردهم المالية ويلاحظ ذلك في تواضع تجمعاتهم الاخيرة ببعض الدول والتي كان يرصد لها الكثير من الأموال.
8. انقسامات الكيزان الحادة: شهدت الفترة الأخيرة صراع اجنحة كيزانية مختلفة على رئاسة المؤتمر الوطني وانقسم الكيزان على مستوى رجوعهم تحت مسمي المؤتمر الوطني ام الحركة الاسلاموية وانقسموا ما بين مؤيد للحرب واخر معارض وانقسموا ما بين مؤيد للدعم السريع واخر مؤيد للجيش وما بين من يريد مراجعة أدائهم بالفترات السابقة وما بين من يؤيد الاستمرار على نفس النهج ومعظم هذه الانقسامات خفية او تكون على استحياء ولكن ستظهر للعلن وبقوة ما ان تصغر الكيكة وتزيد المطامع.
9. ضعف المؤسسات: ضعفت المؤسسات الحكومية والخدمية، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، مما يعيق تقدم التنمية المستدامة. وبعد الحرب واكتشاف المواطن لهشاشة تلك المؤسسات وعملها على خدمة اجندة الكيزان وافقار المواطن فمن المتوقع ان تضعف اكثر واكثر.
10. الفساد الإداري: ساد الفساد مؤخرا بصورة غير مسبوقة واصبح تبادل الاتهامات ما بين المسئولين والجهات الحكومية المختلفة شئيا متكررا مما يؤدي لضعف قبضة الكيزان على أمور الدولة الآن ومستقبلا.
11. العزلة الدولية: يشهد نظام الكيزان عزلة دولية غير مسبوقة من كل الاتجاهات ستؤدي لانهيار نظامهم بسرعة كبيرة للغاية بعد فقدان كل اشكال الدعم الدولي.
12. العقوبات الامريكية والدولية: نشطت الإدارة الامريكية بفرض عقوبات مالية منتقاة على عدد من شركات الكيزان وعضويتهم وتبعتها عدد من الدول الأوروبية ومن المتوقع ان تستمر هذه العقوبات بشكل كبير لتزيد ضعفهم على ضعف.
13. المحكمة الجنائية الدولية: بعد الهجمة التي شهدتها المحكمة الجنائية الدولية بامريكا مؤخرا فمن المتوقع ان تستغل المحكمة ضعف الحكومة الحالية وتطالب بتسليم المطلوبين لديها مع وجود فرصة لفتح قضايا اتهام ضد عدد كبير من كيزان الجيش والمدنيين والأيام حبلى.
14. التحديات الاجتماعية: وجود تفاوتات كبيرة بين مختلف المناطق في السودان، مما يزيد من الشعور بالانقسامات الاجتماعية والاقتصادية بين المواطنين. فقد استفادت ولايتي نهر النيل والشمالية بصورة كبيرة من الحرب حيث تم افتتاح اعداد كبيرة من المنشأت بالمدن المختلفة منها مؤسسات حكومية ومقار وطرق ومطارات ومؤسسات صحية ضخمة ونقل عدد كبير من المصانع أنشطتها شمالا ووصل الامر الى حد تشجير طرق صحراوية تربط ما بين مدن الشمال في استفزاز واضح لبقية مناطق البلاد التي تعاني من ويلات الحرب مما سيبعد الشقة بين الشمال ومناطق أخرى بما فيها الوسط الذى شعر بان القيادة العسكرية قد ضحت به لتفادي هجوم الدعم على الشمال دع عنك ضحايا الحرب في الغرب وبقية المناطق.
15. انقسامات الاسلامويون: تشهد الفترة الحالية وجود انقسامات كبيرة بين الاسلامويون وذلك لغياب القيادات التاريخية الكاريزمية ومن المتوقع ان تزادا اكثر مع استمرار الحرب والانهيار الاقتصادي وظهور تيارات شبابية واضحة.
16. الابتعاد عن برامج الاسلامويون التقليدية: في سبيل الحشد للحرب والتحشيد للحصول على الدعم السياسي وإدانة الخصوم اضطر الاسلامويون لوضع يدهم بيد كل من هب ودب من مختلف الاطياف من ارزقجية وبائعي مواقف ومرتزقة من سياسيين وصحفيين وغيرهم مما قلل من حجم الكيكة التي سيستأثر بها الكيزان مستقبلا حيث سيشاركهم فيها عدد كبير جدا من المنتفعين ذوي الاجندة المختلفة عن البرامج الاسلاموي مما سيقلل من فرص تأثيرهم على مجمل الأوضاع بالبلاد مستقبلا.
17. زيادة حجم وعي المواطنين بسبب الاستقرار ببلدان أخرى: تسببت موجات النزوح باستقرار اعداد كبيرة من اللاجئين بمختلف الدول مما يساعد على تفتح بصيرتهم ومعرفة كيف تعمل حكومات تلك الدول من اجل رفاهية مواطنيها وانخراط العديد من اللاجئين بورش ودورات تدريبية وتثقيفية مختلفة تعدهم ليكونوا عناصر اشرس بمقاومة طفيلية الجبهة الإسلامية مستقبلا. وسيتفاجأ الكيزان مستقبلا بنوع مختلف من الجماهير لم يعرفوه سابقا اكثر وعيا.
18. انتشار السلاح وتعود الجماهير على العنف: ان الجموع التي وقفت تهتف للبراؤون اثناء تنفيذهم لجرائم القتل على استعداد لحمل السلاح وممارسة نفس العنف متى ما استفاقت من الصدمة فقد اصبحوا أصحاب تجارب وتعودوا على ممارسة العنف وأثبتت لهم الحرب ان العنف هو امضي سلاح للحصول على الحقوق. ستصحي جماهير مدن الوسط على التكلفة العالية لاعادة التعمير وستجد حكومة الكيزان فرصة ذهبية للاستثمار كعادتها بمعاناتهم وذلك برفع الضرائب والجمارك والاتاوات المختلفة لتعويض خسائرها الحربية ولاحراز مكاسب شخصية وستكون تلك لحظة الاستفاقة من الغيبوبة لداعمي الحرب ومعرفة العدو الحقيقي الذي سترفع بوجهه البنادق.
19. تعدد مراكز القوي: اوجدت الحرب واقعا مختلفا تغيرت فيه مراكز القوي فقد اكتشفت حركات الكفاح المسلح الدارفورية مكامن قوتها وكيفية استغلال ذلك كما مددت حركات الشرق المختلفة عضلاتها واختبرت قوتها بتنظيم مظاهرات واغلاق مرافق كثيرة كما اثبتت قوة الميديا والصحافة ان لها وجود نتج عنه تعيين ناشط اسفيري كوزير اعلام وأصبحت صحفية متواضعة القدرات كرشان اوشي تدخل بمعارك مع وزارات ووزراء دون خوف بالإضافة لان العقوبات الدولية ستؤدي لاعتماد الكيزان على راس مالية مشبوهين لاجراء تعاملات شراء الأسلحة والوقود مما سيحدث تغييرات كبيرة على مراكز التأثير والقرار سيكون لها اثر كبير في اضعاف متخذي قرار الكيزان.
بسبب كل هذه العوامل وغيرها من عوامل غير منظورة حاليا سنرى الكيزان عراة بقمة خوفهم وضعفهم بعد انجلاء غبار المعارك وهدوء وانفضاض موائد نهش اللحم النئي على وسائل التواصل الاجتماعي وتوقف حملات التخوين والتخويف المستمرة تحت ستار الحرب. ولن يكون للاسلامويون خيار الا باستمرار المعارك من اجل بقاء الأوضاع كما هي او مواجهة الجموع الغاضبة لاحقا. وعلى القوي المدنية ان تنتبه لهذا الامر وتستعد وان تجهز نفسها ببرامج مستقبلية واضحة قابلة للتنفيذ وان تعمل على التوقف عن البحث عن وحدة متجانسة مثالية وان تسعي للتوحد خلف برامج واقعية تنهض بالبلاد وتقيل عثراتها وعلى الاسلامويون توسيع مرقدهم بمزبلة التاريخ لان اقامتهم هناك ستطول.