مقالات وآراء سياسية

حصار الجوع ..!!؟؟

د. عثمان الوجيه

 

في قلب دارفور، حيث تتلاقى رمال الصحراء مع أوجاع السنين، يقع مخيم زمزم للنازحين، شاهدًا على مأساة إنسانية تزداد يومًا بعد يوم، هناك، حيث يعيش ما يقرب من نصف مليون إنسان، فروا من جحيم الحرب التي أشعلتها مليشيا الدعم السريع المتمردة، يعانون في صمتٍ مرارة الجوع والعطش والخوف، منذ أشهر، خيّم شبح المجاعة على المخيم، ليحول حياة النازحين إلى صراع يومي من أجل البقاء، ومع كل يوم يمضي، تزداد الأوضاع سوءًا، حيث يعاني الأطفال من سوء التغذية الحاد، ويصارع الشيوخ والأمهات شبح الموت الذي يلوح في الأفق، وفي خضم هذه المعاناة، تأتي الأخبار لتزيد الطين بلة، ففي يوم الجمعة، أعلنت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن مليشيا الدعم السريع المتمردة منعت شاحنات المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المخيم، هذا المنع، الذي يأتي في وقتٍ تشتد فيه الحاجة إلى الغذاء والدواء، يمثل جريمة حرب بشعة، تستهدف حياة الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، إن حصار مخيم زمزم، الذي تفرضه مليشيا الدعم السريع المتمردة، يهدف إلى تجويع النازحين وإذلالهم، إنه عملٌ وحشي، يتنافى مع كل القيم الإنسانية والأخلاقية، فبدلًا من أن تسعى هذه المليشيا إلى تخفيف معاناة المدنيين، فإنها تستخدم الجوع كسلاح حرب، لتزيد من آلامهم ومعاناتهم، إن المجتمع الدولي مدعو اليوم إلى تحمل مسؤولياته والتدخل الفوري لإنقاذ حياة هؤلاء الأبرياء، يجب عليه أن يضغط على مليشيا الدعم السريع المتمردة لرفع الحصار عن مخيم زمزم والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط، كما يجب عليه أن يعمل على إنهاء الحرب في السودان، التي تسببت في هذه المأساة الإنسانية، إن أطفال ونساء وشيوخ مخيم زمزم يستغيثون اليوم، فهل من مجيب؟ هل سيتحرك العالم لإنقاذهم من براثن الموت والجوع؟ أم أنه سيظل صامتًا، يشاهد هذه المأساة تتفاقم دون أن يحرك ساكنًا؟.. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي:- في خضم الأحداث المتسارعة التي شهدتها بلادي الحبيبة السودان، حيث سيطر الجيش على بعض المدن، وتمكن من فرض سيطرته على جزء كبير من العاصمة، بدأت الدعوات والمناشدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تدعو المواطنين للعودة إلى منازلهم، بل رأيت بأم عيني، إن هناك حافلات في القاهرة قد تم تجهيزها لتسفير اللاجئين السودانيين في مصر، وتطوع بعض السودانيين في الخارج لتبليغ الدعوات العودة، لكنني أرى في هذه الدعوات أمراً خطيراً ومميتاً للمواطنين الأبرياء، وكأنها تعكس حالة متأخرة من عدم الاحترافية والمسؤولية التي تعاني منها مؤسساتنا الأمنية، فمن المعلوم أنه في مثل هذه المواقف، التمهيد لعودة المدنيين يمر بمراحل أساسية من فرض السيطرة العسكرية، حيث تقوم القوات المسلحة بتأمين المنطقة المحررة من جيوب القوات المعادية، والتأكد من عدم قدرة العدو على العودة، ثم التأمين العسكري الأمني، حيث تقوم القوات المسلحة بتطهير المنطقة من مخلفات الحرب، وتمهيد الطرق وإعادة الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء واتصالات، إلى عودة المرافق الخدمية للعمل، وعلى رأسها المستشفيات والمدارس والبنوك وأقسام الشرطة والمحاكم، وعودة السلطات المحلية، وفتح الأسواق، الخ، فيا أبناء وطني الكرام، يا من لجأتم إلى بلدان الجوار، أناشدكم بالله، أن تتريثوا في العودة إلى الوطن الحبيب، فما زالت رياح الفتنة تعصف بأرضنا، وما زالت نار الحرب تستعر في ربوعنا، تريثوا يا أحبائي، حتى ينجلي الظلام، وتشرق شمس الأمن والسلام على ربوع الوطن، حتى يعود الأمان إلى دروبنا، وتستقر النفوس في بيوتنا، تريثوا يا إخوتي، ولا تستعجلوا العودة، فإن العودة المبكرة قد تكون مجازفة لا تحمد عقباها، فالأرض لم تطهر بعد من آثار الحرب، والنفوس لم تبرأ بعد من جراح الفتنة، انتظروا يا أحبائي، حتى تضع الحرب أوزارها، ويعود الهدوء إلى ربوعنا، حتى يتم تطهير الأرض من الألغام والمتفجرات، وتعود الحياة إلى طبيعتها في مدننا وقرانا، أناشدكم بالله، أن تصبروا وتتحملوا، فإن الله مع الصابرين، وما بعد الضيق إلا الفرج، وما بعد العسر إلا اليسر، أدعو الله أن يحفظكم في غربتكم، وأن يعيدكم إلى وطنكم سالمين غانمين، وأن ينعم على بلادنا بالأمن والسلام والإستقرار

I pray to God to protect you in your exile, to return you to your homeland safe and sound, and to bless our country with security, peace and stability

وعلى قول جدتي:- “دقي يا مزيكا !!”.

خروج:- “صرخة في الظلام” ففي مدينة أم درمان، حيث كانت الحياة تنبض بالأمل والسلام، تحولت الأيام فجأة إلى كابوس مرعب، لم يكن أحد يتخيل أن مدينتهم الهادئة ستشهد يومًا ما أعمال عنف وحشية تقشعر لها الأبدان، وفي منطقة ود البشير، بدأت الشرارة الأولى عندما انتشر مسلحون في المدينة، وبدأوا في نهب وسلب المواطنين تحت تهديد السلاح، لم يكتفوا بذلك، بل تطور الأمر إلى جرائم أفظع، حيث تعرضت النساء لاعتداءات جنسية وحشية، في تلك المنطقة الموبوءة، سُمعت صرخات العشرات من الفتيات القاصرات اللاتي تعرضن للاغتصاب بأبشع الطرق، فتيات في عمر الزهور، لم تتجاوز أعمارهن 12 أو 13 أو 15 عامًا، سُلبت منهن طفولتهن البريئة، لم يرحم هؤلاء المجرمون حتى كبار السن، حيث تعرضت امرأة تبلغ من العمر 65 عامًا للاغتصاب، ولم تتوقف جرائمهم عند هذا الحد، بل وصلت إلى طفلة بريئة تبلغ من العمر خمس سنوات، حيث اغتصبت بوحشية أدت إلى وفاتها ووفاة والدتها التي لم تتحمل هول الصدمة، لم يقتصر الأمر على الاغتصاب، بل تعرض المواطنون، وخاصة النساء، للاستجواب المهين من قبل المسلحين عند التنقل بين مناطق نفوذ أطراف الحرب، كانوا يسألون عن سبب تنقلهم، ويتعرضون للعنف اللفظي في نقاط التفتيش، وسط هذه الفوضى والرعب، انتشرت ظاهرة زواج القاصرات بشكل كبير، الأسر، بدافع الخوف على بناتهن، لجأت إلى تزويجهن في سن مبكرة، كانوا يرون في ذلك حماية لهن، أو وسيلة للحصول على المال لسد رمق العيش، بعض الزيجات كانت تتم قسرًا تحت تهديد السلاح من قبل المسلحين، الفتيات الصغيرات، اللاتي كان من المفترض أن يعشن طفولتهن في أمان وسلام، وجدن أنفسهن في زيجات قسرية مع رجال غرباء، ومع استمرار الحرب، تفاقمت الأوضاع أكثر فأكثر، العنف الجنسي انتشر بشكل كبير في مناطق أخرى من السودان، النساء والفتيات، بالإضافة إلى عدد متزايد من الرجال والفتيان، أصبحوا عرضة لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، تقارير الأمم المتحدة كشفت عن أن أعمار المتضررين من العنف الجنسي تتراوح بين 6 سنوات و 75 عامًا، هذا يعني أن الأطفال وكبار السن على حد سواء لم يسلموا من هذه الجرائم البشعة، رئيس بعثة تقصي الحقائق الخاصة بالسودان، محمد شاندي عثمان، وصف الوضع بأنه “مروع”، وقال إن نطاق العنف الجنسي الذي يتم توثيقه في السودان مذهل، وإن وضع المدنيين، وخاصة النساء والفتيات، مقلق للغاية ويتطلب معالجة عاجلة، العنف الجنسي ضد النساء، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي والاستغلال الجنسي والاختطاف لأغراض جنسية، كان يحدث في سياق غزو المدن والبلدات والهجمات على مواقع النزوح، المدنيون الذين فروا من المناطق المتأثرة بالنزاع كانوا أيضًا عرضة لهذه الجرائم، إن استمرار الحرب في السودان أدى إلى تدمير كل شيء جميل في هذا البلد، لقد حصدت أرواح الآلاف، وشردت الملايين، وقضت على الأخضر واليابس، هذه صرخة مدوية في وجه الظلام، إنها شهادة على الجرائم البشعة التي ارتكبت في السودان، ودعوة إلى العالم للتحرك وإنهاء هذه الحرب التي لا معنى لها..

#أوقفوا – الحرب

ولن أزيد ،، والسلام ختام.

 

[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..