مقالات وآراء

كوكب الشرق أم كلثوم خمسين عام علي الرحيل

كلمات وكلمات

صلاح الباشا

 

في الذكري الخمسين لرحيل سيدة الغناء العربي أم كلثوم

نكتب :

وأطلت كوكب الشرق في سماء الخرطوم.

بعد نجاحات تلك القمة العربية للزعماء العرب والتي إنعقدت بالخرطوم عقب هزيمة إسرائيل للعرب في الخامس من حزيران _ يونيو ١٩٦٧م حين كان الزعيم اسماعيل الازهري رئيسا لمجلس السيادة ومحمد احمد محجوب رئيسا للوزراء والذين حكموا السودان برغبة جماهيرية عارمة وفق انتخايات حرة ديمقراطية نزيهة ادهشت كل الانظمة الشمولية في العالم الثالث .. ونجحت القمة في لم شمل العرب وانهت الحرب الطويلة في اليمن بين مصر والسعودية وصالحت بين الزعيم جمال عبدالناصر والملك فيصل وحققت تمويل من الدول النفطية لمصر ولسوريا والاردن لاعادة تسليح جيوشها بعد تلك الحرب الاسرائيلية التي دمرت اسلحتهم تماما.

وقد رحبت بقرارات تلك القمة كل الشعوب العربية لأنها قد أعادت الثقة في الأمة العربية وقد وحدت العرب بعد فراق بائن .

وعلي إثر تلك النجاحات التي حققها السودان وشهد لها العالم اجمع .. إنفعلت كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم بهذا التضامن والتلاحم الذي نتج عن مؤتمر اللااءات الثلاثة بالخرطوم .. فقامت برحلاتها الفنية الشهيرة في كافة الدول العربية لإحياء الحفلات لصالح المجهود الحربي ولإعادة بناء القوات المسلحة المصرية .. مما حدا بوزير الإعلام السوداني وقتذاك الراحل الأستاذ عبدالماجد أبوحسبو المحامي والقطب الإتحادي الديمقراطي الأكثر شهرة في أن يوجه الدعوة للسيدة أم كلثوم لزيارة الخرطوم لاحياء حفلات يخصص دخلها لصالح المحهود الحربي في مصر حيث أوكل ابو حسبو الأستاذ الراحل الفكي عبدالرحمن مدير المسرح القومي في ذلك الزمان والذي كان متواجداً في مصر في مهمة رسمية لمقابلة ام كلثوم لدعوتها للغناء في السودان .

فقبلت كوكب الشرق الدعوة بفرحة غامرة وأتت إلي الخرطوم وسط استقبال رسمي وشعبي كبيرين.

وقد أحيت حفلين شهيرين بالمسرح القومي بأم درمان ، وكان ذلك الحدث في بداية فبراير 1968م .. أي في ذات شهر رحيلها الذي حدث بعد سبع سنوات من تلك الزيارة (3 فبراير 1975م) … وكان حفل المسرح القومي بأم درمان يعتبر أول ميلاد لأغنيتها الأكثر شهرة (هذه ليلتي) في ذلك الحفل ، وقد كتبها الشاعر اللبناني جورج جرداق وألف لحنها موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب ، كما تغنت برائعة الشاعر المصري الراحل إبراهيم ناجي (الأطلال) ثم بقصيدة الشاعر مرسي جميل عزيز (فات الميعاد) والقصيدتين كانتا من الحان الموسيقار الراحل (رياض السنباطي) .

ثم جاء الحوار التلفزيوني الشهير والوحيد في حياتها وقد أجراه معها الأستاذ علي شمو مدير التفزيون السوداني في ذلك الزمان.

إعجاب كوكب الشرق بشعب السودان :

الكل يعلم في ذلك الزمان بأن أم كلثوم وحتي وفاتها كانت تفتخر جداً بزيارتها للخرطوم وقد إعتبرت تلك الزيارة من أجمل رحلات حياتها الفنية الناجحة والمتميزة .. مما دعاها بأن تطلب من الأستاذ الوزير عبدالماجد أبو حسبو بأن يهييء لها عدة دواوين شعر لشعراء السودان لتختار منها أغنية تغرد بها تقديراً وعرفاناً لشعب السودان في مواقفه العربية الصادقة المذكورة آنفاً .

ولقد قامت السيدة بتسليم الأستاذ الموسيقار محمد عبدالوهاب كل دواوين الشعر السوداني التي حملتها معها من الخرطوم ليتمكن من إختيار نص منها وليقوم بتأليف لحن مناسب له لتتغني به .

وقد ظل عبدالوهاب شهوراً طويلة يطالع في الأشعار وأم كلثوم تلاحقه هل وجد نصاً مناسباً للغناء أم لا ؟ .

وذات مساء في العام ١٩٧٠م .. ذهب عبدالوهاب إلي فيلا أم كلثوم بالزمالك وكان متأبطاً آلة العود .. وخرجت السيدة لإستقباله عند بوابة فيلتها .. فوجه لها سؤالاً مباغتاً قائلاً لها : أغداً ألقاك ؟؟؟؟ .

وهنا فهمت أم كلثوم بإحساسها العالي بأن عبدالوهاب قد وجد النص وقام بتجهيز اللحن أيضاً .. وإلا لما أحضر العود معه ، فردت عليه بطريقة أكثر دبلوماسية :

ولماذا ليس الآن ؟؟؟ .

فجاء الإختيار من ديوان الراحل المقيم وشاعر السودان المتميز الأستاذ الهادي آدم حيث كان (كوخ الأشواق) من ضمن الكتب الشعرية التي رافقت أم كلثوم في رحلة العودة من الخرطوم …. فارسلت السيدة في طلب الأستاذ الهادي الذي سافر إليها بالقاهرة لإكمال الإتفاق في شكله القانوني والأدبي النهائي .. كماجري تعديل طفيف في مفردات بعض الأبيات ..

ثم لم تمر أسابيع معدودة وإلا ونجد ام كلثوم تغرد بتلك الرائعة في حفلها الشهري الذي إعتادت علي إقامته بالمسرح القومي في القاهرة .. والذي كانت تنقله إذاعةالقاهرة علي الهواء مباشرة ليستمع له عشاق فنها في كل العالم .. وصدحت :

أغداً ألقاك ؟؟؟ ياخوف فؤادي من غدِ

يالشوقي وإحتراقي في إنتظار الموعد ِ

إلي أن تصل إلي المقطع الذي تردده عدة مرات نظراً لإعجابها بمفرداته الجديدةذات المضمون الأكثر رقة وفلسفة شعرية وظلت تحكي هي عن ذلك .. ليسكن في الوجدان العربي تماماً :-

كم أناجيك .. وفي قلبي حنينُ ُ ودعاء

يا رجائي أنا ..

كم عذبني طول الرجاء

أنا … لو لا أنتَ …

لم أحفل بمن راح وجاء

أنا أحيا في غدي الآن .. بأحلام اللقاء

فأت ِ … أو لا تأت ِ .. أو فأفعل بقلبيَ ما تشاء

ورحم الله أم كلثوم التي رحلت في الثالث من فبراير 1975م وهي من مواليد 1900م بالضبط ، ورحم الله الأستاذ الهادي آدم الذي فارق الدنيا في نهاية نوفمبر 2006م ورحم الله أيضاً موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي رحل في يونيو 1998م …. وقد رحلت أيضاً كل تلك الرموز السياسية من القادة العرب … بما في ذلك رموز قمة الخرطوم .

وتبقي الذكريات العطرة عن مؤتمر قمة اللاءات الثلاثة .

وستبقي زيارة كوكب الشرق للخرطوم خالدة في التاريخ السياسي والاجتماعي والفني وفي وجدان اهل السودان واهل مصر .

وستبقي خالدة أيضا أغنية(اغدا القاك) وخلود إسم شاعرها الأستاذ التربوي الفاضل(الهادي آدم) إبن الهلالية بشرق الجزيرة.

 

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. التحية للأستاذ الباشا. ولكن حفل المسرح القومي كان في نهاية شهر ديسمبر 1968، كما أن مُلحن أغنية “فات الميعاد” هو الموسيقار بليغ حمدي وليس رياض السنباطي.. مع الاحترام..

  2. هذه ليلتى وحلم حياتى بين ماض من الزمان وٱت . الهوى انت كله والامال فاملأ الكأس بالغرام وهات .
    بعد حين يبدل الحب دارا
    والعصافير تهجر الاوكارا
    وديار كانت قديما ديارا
    ستراها كما نراها قفارا
    سوف تلهو بنا الحياة وتسخر فتعال احبك الٱن اكثر .
    هل فى ليلتى خيال الندامى
    والنواسى عانق الخيام
    وتساقوا من خاطر الاحلام
    واحبوا واسكروا الايام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..