مقالات وآراء
حتي لا يصبح فك الإرتباط حُقنة كمال عبيد

نصت إتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحركة الشعبية بقيادة الوحدوي د.جون قرنق ونظام المؤتمر الوطني بقيادة عمر البشير ضمن نصوصها علي إلتزام الطرفين بجعل وحدة السودان وحدة جاذبة في مواجهة نص بحق تقرير المصير عبر إستفتاء ولما كانت النار دائماً هي من مستصغر الشرر فقد كانت هنالك شرارة صغيرة هي ( الجنوبيين حُقنَة ما حا نديها ليهم)، عبارة عن حروف قليلة تفوه بها كمال عبيد أحد قيادات المؤتمر الوطني آنذاك لكن بقي صداها لاهباً لست سنوات حتي أتي الإستفتاء في العام 2011 ليقر إستقلال جنوبنا الحبيب عن السودان الكبير وما زالت ذكري الحُقنَة قصة حية وستظل في ذاكرة كل المُجايلين لحدث التقسيم الأول للسودان.
ما دعاني للربط بين حُقنَة كمال عبيد وفك الإرتباط هو الصراع المُعلن بين طرفين داخل تنسيقية تَقدُم بوصفها تَجمُعاً لعدد مُقدر من القوي السياسية والمدنية والعسكرية حول قضية محورية هي وقف الحرب الدائرة الآن بين الجيش والدعم السريع وتجنيب البلاد لكل مألات يمكن أن تقود إليها وأخطرها هو تقسيم ثانٍ بدأت ملامحه بائنة ليس فقط في دعوات سودان البحر والنهر أو في تسويق النعرات العنصرية والقبلية وإنما في تنفيذ خطوات تقسيم عملياً يقوم بها نظام المؤتمر الوطني الحاكِم برئاسة أحمد هرون المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية والذي ثبت فعلياً لكل من له عينين أنه النظام المُمسِك بكل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية ومن قبيل التذكير فهذه الخطوات هي:
1. تغيير عملة البلاد الموحدة في مناطقه وإستثناء بقية البلاد وبالتالي نشوء نظام نقدي ومالي جديد وخاص به.
2. حصر خدمات الوثائق الثبوتية (أرقام وطنية، جوازات، شهادات الميلاد والوفاة .. إلخ) وحرمان البقية من المواطنين الموجودين خارج مناطق سيطرته.
3. إستمرار العملية التعليمية وإجراء الإمتحانات لشهادتي الأساس والثانوي داخل ولايات محددة خاضعة له.
4. منع إنسياب المساعدات الإنسانية كالغذاء والدواء من مناطقه إلي الولايات الٱخري.
5. إستخدام سلاح الطيران بكثافة في قصف المدنيين وفي مناطق معينة بإعتبارها حواضن مجتمعية للدعم السريع.
6. إستهداف ممنهج بأبشع صُنوف القتل وأحكام السجن لسَحْنات محددة في مناطقه بإعتبارهم وجوه غريبة.
لم يختلف كثير من المُتناولين من كُتاب ومُحللين ومن دُعاة تشكيل الحكومة والرافضين لها وعديد المتابعين في توصيف هذه الخطوات بأنها مشروع لتقسيم السودان يجري تنفيذه بدقة ولكنهم إختلفوا في إمكانية مقاومته من خلال الدعوة لتشكيل حكومة كما أن البعض قد ذهب إلي أن تشكيلها ربما يُكرّس تقسيم البلاد الذي تقوده سلطة بورتسودان.
في هذه المحطة توقف قطار تنسيقية تقدُم ما بين أطراف مُنادية بتشكيل حكومة في المناطق الغير خاضعة لسيطرة الجيش و أطراف أخري رافضة لها دون الوصول إلي معادلة مُرضية ومُلبية لأشواق السودانيين المتمثلة في وحدة قُواهُ السياسية والمدنية دون المساس بخيارات أي طرف طالما أن الجميع علي إتفاق تام في المباديء والأهداف الكلية التي إجتمعوا وتعاهدوا عليها منذ مايو 2024 بعد إنعقاد مؤتمرهم التأسيسي في أديس أبابا..
دون الخوض في تفاصيل الخلاف بين الطرفين وما تشعب عنه ومنه ومن ثَم خروجه إلي العَلَن والعامة، فبلا شك أن خروج هذا الخلاف لم يكن مُوفقاً لا من حيث التوقيت ولا من حيث الإخراج نفسه، فمن حيث التوقيت فقد جاء خروجه وتنسيقية تقدُم قد خطت خطوات مُقدرة في تحقيق أهم أهدافها وهو المُضي قُدماً نحو تأسيس جبهة مدنية موسعة بدت إرهاصات نجاحها بعد إجتماعات نيروبي في يناير الماضي.
أما من حيث الإخراج غير المُوفق أيضاً فهو مُحاولة ترسيخ مفردة إصطلاحية هي (فك الإرتباط) عبر تسريبها للإعلام وهي مُفردة تم الإتفاق علي إستبدالها (بإطار تنسيقي) تأسيساً علي أن ما يجمع بين الطرفين هو مباديء وأهداف متفقٌ عليها بما فيها من موضوعية مبررات لكل طرف وإن إختلفوا في أدوات ووسائل تحقيقها، إذ لا يخفي علي أحد أن مصطلح فك الارتباط هو مصطلح مفاهيمي له أبعاد سياسية تتعلق بتفكيك وحدة الهياكل والوظائف والمهام للمؤسسات المُوحدة ووضع حدود فاصلة بينها ولمصطلح فك الإرتباط أيضاً أبعاد أخري عندما يُستخدم بواسطة دولتين أو عدة دُول لقضايا خاصة بالحدود والجغرافيا ونظم الحكم.. إلخ ..
خلاصة الأمر وحفاظاً علي وحدة القوي السياسية والمدنية والعسكرية فإن سِيق مصطلح فك الإرتباط سهواً أو عمداً فإن التوفيق قد جانَبهُ تماماً ولكن لم يَفُت الوقت بعد من وجهة نظري، فأمام تنسيقية تَقدُم بكل ما تملكه من عُقول عركتها وعجمت أعوادها أهوال الحياة في مقاومة حِقَب الطغاة فُرَص وسوانِح يتوجب عليهم إغتنامها حتي لا يصبح فك الإرتباط مثل حُقنة كمال عبيد التي تذكرنا بتلك الحقبة الأليمة من تاريخ تقسيم البلاد.
ما دعاني للربط بين حُقنَة كمال عبيد وفك الإرتباط هو الصراع المُعلن بين طرفين داخل تنسيقية تَقدُم بوصفها تَجمُعاً لعدد مُقدر من القوي السياسية والمدنية والعسكرية حول قضية محورية هي وقف الحرب الدائرة الآن بين الجيش والدعم السريع وتجنيب البلاد لكل مألات يمكن أن تقود إليها وأخطرها هو تقسيم ثانٍ بدأت ملامحه بائنة ليس فقط في دعوات سودان البحر والنهر أو في تسويق النعرات العنصرية والقبلية وإنما في تنفيذ خطوات تقسيم عملياً يقوم بها نظام المؤتمر الوطني الحاكِم برئاسة أحمد هرون المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية والذي ثبت فعلياً لكل من له عينين أنه النظام المُمسِك بكل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية ومن قبيل التذكير فهذه الخطوات هي:
1. تغيير عملة البلاد الموحدة في مناطقه وإستثناء بقية البلاد وبالتالي نشوء نظام نقدي ومالي جديد وخاص به.
2. حصر خدمات الوثائق الثبوتية (أرقام وطنية، جوازات، شهادات الميلاد والوفاة .. إلخ) وحرمان البقية من المواطنين الموجودين خارج مناطق سيطرته.
3. إستمرار العملية التعليمية وإجراء الإمتحانات لشهادتي الأساس والثانوي داخل ولايات محددة خاضعة له.
4. منع إنسياب المساعدات الإنسانية كالغذاء والدواء من مناطقه إلي الولايات الٱخري.
5. إستخدام سلاح الطيران بكثافة في قصف المدنيين وفي مناطق معينة بإعتبارها حواضن مجتمعية للدعم السريع.
6. إستهداف ممنهج بأبشع صُنوف القتل وأحكام السجن لسَحْنات محددة في مناطقه بإعتبارهم وجوه غريبة.
لم يختلف كثير من المُتناولين من كُتاب ومُحللين ومن دُعاة تشكيل الحكومة والرافضين لها وعديد المتابعين في توصيف هذه الخطوات بأنها مشروع لتقسيم السودان يجري تنفيذه بدقة ولكنهم إختلفوا في إمكانية مقاومته من خلال الدعوة لتشكيل حكومة كما أن البعض قد ذهب إلي أن تشكيلها ربما يُكرّس تقسيم البلاد الذي تقوده سلطة بورتسودان.
في هذه المحطة توقف قطار تنسيقية تقدُم ما بين أطراف مُنادية بتشكيل حكومة في المناطق الغير خاضعة لسيطرة الجيش و أطراف أخري رافضة لها دون الوصول إلي معادلة مُرضية ومُلبية لأشواق السودانيين المتمثلة في وحدة قُواهُ السياسية والمدنية دون المساس بخيارات أي طرف طالما أن الجميع علي إتفاق تام في المباديء والأهداف الكلية التي إجتمعوا وتعاهدوا عليها منذ مايو 2024 بعد إنعقاد مؤتمرهم التأسيسي في أديس أبابا..
دون الخوض في تفاصيل الخلاف بين الطرفين وما تشعب عنه ومنه ومن ثَم خروجه إلي العَلَن والعامة، فبلا شك أن خروج هذا الخلاف لم يكن مُوفقاً لا من حيث التوقيت ولا من حيث الإخراج نفسه، فمن حيث التوقيت فقد جاء خروجه وتنسيقية تقدُم قد خطت خطوات مُقدرة في تحقيق أهم أهدافها وهو المُضي قُدماً نحو تأسيس جبهة مدنية موسعة بدت إرهاصات نجاحها بعد إجتماعات نيروبي في يناير الماضي.
أما من حيث الإخراج غير المُوفق أيضاً فهو مُحاولة ترسيخ مفردة إصطلاحية هي (فك الإرتباط) عبر تسريبها للإعلام وهي مُفردة تم الإتفاق علي إستبدالها (بإطار تنسيقي) تأسيساً علي أن ما يجمع بين الطرفين هو مباديء وأهداف متفقٌ عليها بما فيها من موضوعية مبررات لكل طرف وإن إختلفوا في أدوات ووسائل تحقيقها، إذ لا يخفي علي أحد أن مصطلح فك الارتباط هو مصطلح مفاهيمي له أبعاد سياسية تتعلق بتفكيك وحدة الهياكل والوظائف والمهام للمؤسسات المُوحدة ووضع حدود فاصلة بينها ولمصطلح فك الإرتباط أيضاً أبعاد أخري عندما يُستخدم بواسطة دولتين أو عدة دُول لقضايا خاصة بالحدود والجغرافيا ونظم الحكم.. إلخ ..
خلاصة الأمر وحفاظاً علي وحدة القوي السياسية والمدنية والعسكرية فإن سِيق مصطلح فك الإرتباط سهواً أو عمداً فإن التوفيق قد جانَبهُ تماماً ولكن لم يَفُت الوقت بعد من وجهة نظري، فأمام تنسيقية تَقدُم بكل ما تملكه من عُقول عركتها وعجمت أعوادها أهوال الحياة في مقاومة حِقَب الطغاة فُرَص وسوانِح يتوجب عليهم إغتنامها حتي لا يصبح فك الإرتباط مثل حُقنة كمال عبيد التي تذكرنا بتلك الحقبة الأليمة من تاريخ تقسيم البلاد.
لماذا خسرت المليشيا الحرب
(القوة الخفية) التي هزمت حميدتي ..!
منذ انطلاق الرصاصة الأولى في الخرطوم يوم 15 أبريل 2023، كان واضحاً أن محمد حمدان دقلو (حميدتي) لم يقرأ المشهد العسكري والسياسي جيداً، أو قرأه بعين الوهم لا ببصيرة الواقع وبواطن الحقائق.
راهن الرجل على انقلاب خاطف وسريع يمكنه من وضع السودان في قبضته، لكنه لم يدرك طبيعة القوة الخفية في الدولة السودانية، تلك الدولة التي تبدو في ظاهرها ضعيفة ومفككة وآيلة للزوال، وذات مؤسسات هشة قابلة للانهيار السريع، لكنها أثبتت مراراً أن لديها عناصر قوة خفية لا تظهر إلا في مواجهة التحديات الكبرى.
عناصر القوة الخفية في الدولة السودانية:
• قوة المجتمع في التناصر والتعاضد ومقاومة الظلم والعدوان.
• قوة المؤسسات العسكرية والأمنية في تراكم خبراتها، وعمق تأهيلها المهني ، وروح الثبات والصبر على تحقيق الأهداف، وهي سمات تميز ضباطها وجنودها.
• قوة وجسارة الشباب بمختلف انتماءاتهم السياسية في مواجهة التحديات والمخاطر، سواء في الحروب أو التظاهرات.
• مستوى الوعي السياسي القادر على فضح النوايا الشريرة المغطاة بالشعارات التجميلية.
• العمق التاريخي لنضالات الشعب السوداني، الممتد منذ الممالك المسيحية، مروراً بمملكة الفونج، والثورة المهدية، واللواء الأبيض.
ما فعلته قوات حميدتي أنها استفزت مكامن القوة الخفية في الدولة السودانية، فوجدت نفسها في مواجهة مختلف الطيف القبلي والجهوي والثقافي والسياسي والعسكري. ونتيجة لذلك، تشكّل تيار وطني عريض وغير مسبوق، عابر للانتماءات.
هذا التيار الوطني ضمّ:
• شيوخ ورجال الدين والطرق الصوفية مثل عبد الحي يوسف، شيخ الزين محمد أحمد، شيخ الكباشي، والمكاشفية، والختمية، وقساوسة كنيسة ماري جرجس وغيرهم.
• الفنانات مثل ندى القلعة، إيمان الشريف، ميادة قمر الدين وغيرهن.
• المفكرين من مختلف التيارات، من الإسلاميين مثل أمين حسن عمر، عبد الوهاب الأفندي، التجاني عبد القادر، وحسن مكي، إلى اليساريين والليبراليين مثل البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، د. محمد جلال هاشم، د. عشاري أحمد محمود، د. معتصم الأقرع، د. صلاح بندر، والروائي عبد العزيز بركة ساكن وغيرهم.
• المقاتلين من الحركات المسلحة في دارفور، وقوات “كيكل”، و”برأوون”، و”غاضبون”، و”المستنفرين”، وشباب الأقباط، و”ميارم الفاشر”، و”مرابطات الشمالية ونهر النيل”، والشيخ موسى هلال.
كل هؤلاء وغيرهم تصدوا لحماية الدولة السودانية والدفاع عن وجودها.
حميدتي، الذي كان بالأمس شريكاً في السلطة، متمتعاً بقوتها ونفوذها، ظن أنه قادر على اختطاف الدولة، لكنه نسي أن القوة وحدها لا تكفي، وأن شرعية البندقية لا تدوم طويلاً. فالرهان على الدعم الخارجي، والتحالفات المصلحية، واستراتيجية “الأرض المحروقة”، لن يحقق له أهدافه، بل سيؤدي إلى عزله وإنهاء وجوده في الفضاء العام.
فشل مشروع انقلاب حميدتي على الدولة السودانية لم يكن مفاجئاً، بل كان حتمياً، لأن أي انقلاب يفتقر إلى عمق سياسي، ورؤية استراتيجية، وحاضنة شعبية، لا يعدو كونه مغامرة متهورة باهظة التكلفة.
منذ اللحظة الأولى، كان واضحاً أن حميدتي يخوض معركة بلا غطاء وطني، وبلا ظهير سياسي يمتلك الخبرة والذكاء، وبلا أفق بعيد. اعتمد على القوة اللحظية العارية، لكنه واجه الحقيقة القاسية: القوة الخفية في المجتمع كانت أكبر من قوته العسكرية.
اليوم، وبعد ما يقارب العامين من الحرب، لم يبقَ لحميدتي سوى أطلال مشروع متهالك، وتحالفات تتآكل، وساحة تتسع لنهاية مأساوية.
فالتاريخ لا يرحم من ظنوا أن البنادق تصنع شرعية، ولا يغفر لمن توهموا أن الدعم الخارجي وحده يمكنهم من حكم الأوطان
العهدة على الكاتب