الدور التركي في النزاع السوداني مابين الوساطة والمصالح الاستراتيجية

زهير عثمان حمد
منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان، برزت العديد من القوى الإقليمية والدولية كلاعبين رئيسيين يسعون إلى تحقيق مصالحهم عبر الوساطة أو التدخل غير المباشر. من بين هذه القوى، كانت تركيا حاضرة في المشهد، سواء من خلال محاولات الوساطة بين الأطراف المتحاربة، أو عبر تحركاتها الاستراتيجية في المنطقة، بما في ذلك تعزيز وجودها العسكري في تشاد القريبة من الحدود السودانية. هذا المقال يستعرض دور تركيا في النزاع السوداني، علاقتها مع الأطراف المختلفة، مصالحها الاستراتيجية، وتأثير ذلك على مستقبل الصراع.
تركيا كوسيط بين الأطراف المتصارعة
مع تصاعد القتال في السودان، حاولت أنقرة تقديم نفسها كوسيط قادر على جمع الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات. وضمن هذا الإطار، عرضت تركيا التوسط بين حكومة الأمر الواقع في بورتسودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، في محاولة لاحتواء الخلافات المرتبطة بالصراع السوداني.
كما شهد يناير 2025م زيارة وزير الخارجية التركي إلى السودان، حيث التقى بالقيادة العسكرية لمجلس السيادة الانتقالي في بورتسودان، وقدم مقترحات لحل النزاع بالتنسيق مع دول إقليمية أخرى. تعكس هذه التحركات رغبة أنقرة في لعب دور سياسي في الملف السوداني، مستغلة علاقتها المتوازنة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية ذات الصلة بالصراع.
الإسلاميون السودانيون في تركيا ودورهم في الصراع
تركيا تستضيف منذ سنوات عدداً من الإسلاميين السودانيين الذين غادروا البلاد بعد سقوط نظام البشير، والذين ما زالوا يمتلكون نفوذاً في المشهد السياسي والعسكري السوداني. بعض هؤلاء الإسلاميين يدعمون الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع، بينما يفضل آخرون التهدئة والانخراط في عملية سياسية تضمن لهم دوراً مستقبلياً في الحكم.
وفي هذا السياق، ظهرت تقارير تفيد بأن قيادات إسلامية سودانية في تركيا تحاول التأثير على القرار العسكري والسياسي داخل السودان، سواء من خلال دعم الاتصالات بين الحكومة السودانية وأنقرة، أو عبر تحركات دبلوماسية تهدف إلى كسب التأييد الدولي لموقف الجيش السوداني.
علاقة تركيا بقوات الدعم السريع واللقاءات السرية
رغم دعمها الرسمي للجيش السوداني، لم تقطع أنقرة اتصالاتها مع “قوات الدعم السريع”، حيث عُقد في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2024م لقاء سري في نيروبي بين مسؤولين أتراك وقيادات من الدعم السريع. خلال هذا الاجتماع، طلب قادة الدعم السريع من المسؤولين الأتراك أن يكون لتركيا دور في الاتفاق السياسي القادم بعد الحرب، كما طالبوا بتأمين حضور تركي في مرحلة إعادة الإعمار.
يبدو أن أنقرة تحاول الحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة مع جميع الأطراف السودانية، تحسباً لأي سيناريوهات قد تطرأ في المستقبل، بما في ذلك احتمالات التسوية السياسية التي قد تفرض إشراك قوات الدعم السريع في أي اتفاق جديد.
الوجود العسكري التركي في تشاد وتأثيره على النزاع السوداني
في خطوة تعكس اهتمام تركيا بتوسيع نفوذها الإقليمي، تستعد أنقرة لتعزيز وجودها العسكري في تشاد عبر الحصول على قاعدتين عسكريتين بالقرب من الحدود مع ليبيا والسودان، وهما قاعدتا “أبشي” و”فاي لارجو”، اللتان انسحبت منهما القوات الفرنسية مؤخراً.
يمثل هذا التحرك تحولاً استراتيجياً، حيث يمكن لتركيا استخدام هذه القواعد لتعزيز حضورها في منطقة الساحل الإفريقي، والتأثير على التوازنات العسكرية في السودان وليبيا، خاصة في ظل التداخل بين المجموعات المسلحة السودانية والميليشيات الموجودة في تلك المناطق.
المصالح التركية في إنهاء الصراع السوداني
تمتلك تركيا عدة دوافع تجعلها حريصة على إنهاء الحرب في السودان، من بينها-
دور رئيسي في إعادة الإعمار ولقد حصلت تركيا على وعود من بعض الدول الخليجية بأن تكون شركاتها من الفاعلين الأساسيين في مشاريع إعادة الإعمار بالسودان بعد انتهاء الحرب، مما يمنحها فرصة اقتصادية مهمة.
تعزيز النفوذ الإقليمي وتسعى تركيا إلى توسيع نطاق تأثيرها في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، حيث تمتلك مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية، ويرتبط السودان بموقع استراتيجي يخدم هذا الهدف.
العلاقات الاقتصادية السودان يمثل سوقاً واعدة للاستثمارات التركية في مجالات الزراعة والبنية التحتية والطاقة، وبالتالي فإن تحقيق الاستقرار في البلاد يخدم المصالح الاقتصادية لأنقرة.
تأمين نفوذها في تشاد والساحل الإفريقي , تعزيز الوجود العسكري التركي في تشاد يمنحها موطئ قدم قوي يمكن استخدامه لدعم مصالحها في السودان، سواء من خلال تقديم دعم مباشر للحكومة السودانية، أو عبر التأثير على مسارات الحل السياسي.
تلعب تركيا دوراً محورياً في النزاع السوداني، مستفيدة من علاقاتها مع مختلف الأطراف المتصارعة وسعيها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. وبينما تحاول أنقرة تقديم نفسها كوسيط سياسي قادر على إنهاء الحرب، فإن تحركاتها العسكرية والاقتصادية تكشف عن طموحات أوسع تتجاوز مجرد الوساطة، لتشمل إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي والساحل الإفريقي.
*ويبقى السؤال الأهم وهو هل ستنجح تركيا في تحقيق توازن بين دورها كوسيط وبين مصالحها الاستراتيجية، أم أن تدخلها في الملف السوداني سيؤدي إلى تعقيد المشهد أكثر؟*.
تعتبر الديبلوماسية التركية الانشط فى المنطقة فضلا عن تركيا قوة عسكرية كما موقعها الجعرافى يفرض عليها دزرا فاعلا ونشاطا مكثفا ليس فى الشرق الاوسط فحسب وانما خارج المنطقة وفى شتى الاتجاهات.. الحقائق التى تعرف بها تركيا انها عضو فاعل فى حلف الناتو وعضو فاعل كذلك فى منظمة التعاون الاسلامى وهى تجاور روسيا المنافس الاول للنفوذ الغربى كما انها تجاور العراق وايران ولديها صراع متجدد مع اليونان وكلاهما عضوان فى حلف الناتو.. تركيا لديها صراع مع كل من سوريا والهراق حول المياه المشتركة والتداخل العرقى الكردى كما ان تركيا تنافس ايران ايضا على النفوذ فى المنطقة سيمافى سوريا والعراق وتركيا ذاتها تناس فس السعودية فى زعامة العالم السنى فى مواجهة تنامى النفوذ الشيعى المسنود بايران ولتركيا علاقات تشوبها جفوة مع اسرائيل .. اما جمهوريات الاتحاد السوفياتى السابق وبعض دول اوروبا الشرقية كل هذه المعطيات رسمت لتركيا دورا مركزيا ان تلعبه .. فمثلا تركيا هى الدولة الوحيدة فى العالم التى اسقطت طائرة عسكرية روسية واغتيل سفير روسى على اراضيها وسامحتها موسكو وفضلت عدم التصهيد مع تركيا… وهى ايضا قوة اقتصادية ربما الثالثة عشرة على الصعيد العالمى فقد شهد اقتصادها نموا قويا وارتفعت قيمة عملتها بعد ان وصلت الى الحضيض فى ثمانينات القرن الماضى … ترى تركيا نفسها بديلا للقوى الغربية سيما تلك التى استعمرت القارة الافريقية فقد صار الوجود التركى واضحا فى غرب افريقيا جيث يذوى الوجود الفرنسى تدريجيا تقوم تركيا بتشييد الطرق والبنى التحتية مطارات وفنادق بجانب الاستثمارات المباشرة فى التجارة والتعدين وقد حققت نجاحا ملحوظا… اما اهتمامها بالسودان ومنطقة البحر الاحمر وشرقى المتوسط فهذا مسرحها الفعلى فهى تسعى تاريخيا لوجود مؤثر على امتداد البحر الاحمر مرورا بقواعدها فى جيبوتى والصومال الى المحيط الهندى وهذا ما لا تريده دول كالسعودبة ومصر واسرائيل باعتبار ان ذلك يشكل خطرا على مصالحها بالرغم من انه لم يصدر من انقرة ما يدل على ذلك …. لم تنظر كل من السعودية ومصر بعين الرضا على الوحود التركى فى البحر الاحمر,,,, ولعل النزاع الذى شهدته الساحة الليبية بين القاهرة وانقرة الا دليل على ذلك…. لا يرى السودانيون باسا فى العلاقات مع تركيا بالرغم من تاريخها الاستعمارى لان تركيا ما بعد اتاتورك لم تعد معنية بالخلافة الاسلامية قدر اهتمامها بمصالحها الاقتصادية المباشرة لان وجودها فى البحر الاحمر يعزز دورها الاستراتيجى بالمنطقة ويحقق لها قدرا اكبر من التاثير على حلف الاطلسى.. ولعلنا نعيد النظر الى الفيتو الذى استخدمته تركيا لقبول عضوية السويد فى حلف الاطلسى مؤخرا…. اتاح لها رفض عضويتها فى الاتحاد الاوروبى فرصة اللعب الحر دون التقيد باجراءات الاتحاد الاوروبى فيما يتعلق بالعقوبات والقوانين الاوروبية التى تبناها الاتحاد