مقالات وآراء

من جدة إلى جنيف: تعثر وقف إطلاق النار الإنساني

قراءة : عبدالله رزق أبوسيمازه

ثمة اتفاق غير معلن بين طرفي الح-رب في السودان : القوات المسلحة السودانية، من جهة، وقوات الدع-م الس-ريع، من الجهة الأخرى، دخل حيز التنفيذ، برعاية وإشراف دولي، على الأرجح، منذ حين من الوقت. أبرز معالم هذا الاتفاق هو انسحاب قوات الدع-م الس-ريع من بعض المناطق، في العاصمة والأقاليم، وإعادة انتشار القوات المسلحة في تلك المناطق، فيما يشبه بداية للعد التنازلي لإنهاء الح-رب. يحيط بشقي العملية وقف محدود لإطلاق النار. إذ ثمة معارك تدور في مناطق أخرى : قصف جوي ومدفعي، وانت-هاكات وتعديات على المدنيين، كما يستفاد من الأنباء الجارية.
وفي انتظار اكتمال هذه الانسحابات من طرف، وما يقابلها من إعادة انتشار من الطرف الآخر، لتتضح أكثر وأكثر أبعاد الاتفاق، ومدي علاقته بمشروع التسوية الذي تنشط في محوره العديد من الأطراف الدولية، أبرزها الاتحاد الإفريقي وتركيا، تجدر الإشارة إلى تعثر وضع اتفاق جدة الإنساني موضع التنفيذ منذ ما يقرب من العامين، هو عمر الح-رب العبثية، حسب وصف أحد طرفيها، ومن ثم تعثر تقديم الإغاثة للمتضررين من الح-رب، في مناطق العمليات وخارجها، مما فاقم من المأساة الإنسانية، الوجه الآخر للح-رب.
تتعلق تعقيدات الوضع، باندلاع الح-رب، داخل العاصمة، الخرطوم، منذ يومها الأول، ولجوء بعض أطرافها للتحصن بالمناطق السكنية، مما حول المواطنين إلى دروع بشرية، وتحول العديد من المواقع المدنية، مثل الأسواق الشعبية في جنوب الخرطوم، إلى أهداف القصف الجوي والمدفعي.
مالم يبلغه منبر جدة، وهو حمل طرفي الح-رب على القبول باتفاق لوقف إطلاق النار الإنساني، هو ما جهدت أطراف منبر جنيف لتحقيقه، للارتباط الجدلي بين وقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية، لأكثر من 20 مليون سوداني، حسب الأمم المتحدة، تعهدت به أطراف تحالف جنيف.
في هذه الأثناء، حيث يتعثر وصول الإغاثة للمحتاجين، ويتعرقل بسبب عدم تعاون طرفي الح-رب، تتفاقم المأساة الإنسانية، الناجمة عن نقص الغذاء، وتفشي أمراض سوء التغذية وسط السكان، خاصة الأطفال، وكبار السن، بجانب انعدام الرعاية الصحية والدواء. وفي منطقة الوادي الأخضر، بمحلية شرق النيل، بولاية الخرطوم، تواترت منذ سبتمبر الماضي، أنباء عن حدوث وفيات بسبب سوء التغذية. وفيما رصدت مصادر طبية في مستشفى البان جديد بالحاج يوسف، ومركز صحي الغار، القريب من الوادي الأخضر، أربع وفيات، وثلاث حالات من سوء التغذية الحاد وسط الأطفال، بين شهري سبتمبر وأكتوبر، وفق إفادة الناشط عباس محجوب، الذي يدير المطبخ التكافلي،( التكية) ، الذي يوفر وجبة يومية لأكثر من 600 أسرة في مربعات الوادي الأخضر الثلاث، بجانب قرية مجاورة، فإن الصحفي محمد عبدالرحيم، محمد سونا، أكد من جانبه، أن عدد الوفيات أكبر مما هو معلن، مشيرا إلى أن الأسر، التي ترى في الوفاة بسبب الجوع، عيبا، تتستر على أسباب وفاة ذويها.
مايحدث في الوادي الأخضر، يمكن أن يعد مؤشرا، لواقع الحال في مناطق أخرى، في العاصمة الخرطوم وخارجها، حيث يعاني السكان من شح السلع الاستهلاكية الضرورية وغلائها، في ظل ضعف القوة الشرائية وشح السيولة النقدية. وهم يعتمدون، إلى حد كبير، على التحويلات المالية التي يرسلها لهم أقاربهم وأصدقاؤهم من داخل السودان وخارجه، ويضطر أغلبهم إلى عرض ممتلكاتهم الخاصة، من ملابس مستعملة وأوان وأثاث منزلي، للبيع بأسعار زهيدة من أجل الحصول على المال. تتضافر كل تلك العوامل في انتشار الجوع الخفي الذي يحاصر الجميع. ومع تعثر وصول المساعدات الإنسانية، التي وعد بها المجتمع الدولي للمتضررين، فإن الأخبار المتداولة عن الم-جازر المرافقة لعمليات الانسحاب وإعادة الانتشار، التي تستهدف المدنيين، وفق الإفادات والفيديوهات المتداولة عبر السوشال ميديا، من شأنها أن تطلق موجة جديدة من نزوح المواطنين وتشردهم بحثا عن الأمان، في مناطق جديدة، مما يعقد الوضع الإنساني المأساوي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..