مقالات وآراء

مناورات متبادلة وخطاب مؤكد لطبيعة الطرفين!!

د. أحمد عثمان عمر

(١)
مازالت الحرب تفضح طرفيها كل يوم، وتؤكد طبيعتهما المعادية لشعبنا العظيم. فبالأمس أقامت المليشيا الإرهابية المجرمة مخاطبةً سياسية، أسمتها مؤتمراً صحفياً، انتهت بتقديم دعاية سياسية محضة، فشلت في تغطية هزيمة المليشيا الإرهابية في الجزيرة وفي جزء مقدر من العاصمة، عبر إنسحاباتها المجانية المريبة وخروجها بقواتها سالمة من مواقع سيطرتها. ترادف هذا الخطاب العاجز الملئ بالتهديد الأجوف بالإنتصار مستقبلاً، مع خطاب لواجهات للمليشيا الإرهابية، ينسب ما حدث لها في الجزيرة والعاصمة إلى المسيرات ويفسر هروبها بذلك، ويؤكد عودة المليشيا الإرهابية مجددا لهجوم مرتد ساحق لأنها وجدت علاجا لسلاح المسيرات. وبالرغم من التراجع الواضح للمليشيا الإرهابية وفقدانها السيطرة وانسحاباتها للحفاظ على سلامة قواتها، نسمع خطابا مضللا عن إنتصارات لا أساس لها في أرض الواقع، وعن معارك في العاصمة إنتصرت فيها هذه المليشيا المجرمة، دون تقديم الدليل الكافي الذي يسند هذه الإدعاءات. وتصر المليشيا الإرهابية في خطاب واجهاتها في وسائط التواصل الإجتماعي، على المناورة بتكوين الحكومة الموازية في ظل تراجعها، وتلوح إلى أنها ستكون حكومة بقيادتها لا بقيادة الجزء المنقسم من “تقدم”، التي أدت هذه المناورة العقيمة لإنقسامها. والواضح هو أن هذه المناورة مع خطاب التصعيد، تؤكد تراجع المليشيا الإرهابية لا تقدمها، وهروبها إلى الأمام سياسيا في ظل فقدان السيطرة على الأرض عسكرياً.

(٢)
في المقلب الآخر نسمع من حكومة الأمر الواقع غير الشرعية وداعميها، خطاب هجومي شامل يبشر بإنتصار ساحق وحسم الحرب عسكرياً، وإقامة ديكتاتورية شاملة بعد تجريف الساحة السياسية وطرد كل القوى السياسية المعارضة للحركة الإسلامية المجرمة. ففي واشنطن نفسها، تسرب لقاء بحضور رسميين يمثلون تلك الحكومة، تحدث فيه شخص مؤكدا أن القوى السياسية المدنية – لم يستثن احدا ووصفها جميعا بأنها متعاونة مع المليشيا الإرهابية- أخطر من هذه المليشيا ويجب عدم التهاون معها وقمعها. وهذا خطاب ليس معزولا، بل هو خطاب كل عناصر الجيش المختطف المؤدلجين، وخطاب عناصر مليشيات الحركة الإسلامية المجرمة، وخطاب داعمي الجيش المختطف بوسائط التواصل الإجتماعي. وهو يعكس خطا سياسياً متماسكاً وواضحاً، يؤكد أن الحرب الحالية لإعادة دولة التمكين وبناء دولة شمولية جديدة أسوأ من سابقتها. ويصدق هذا الخطاب في جزئيته المتعلقة بالتجريف، جرائم الحرب المروعة والجرائم ضد الإنسانية التي بلغت حد الذبح الداعشي للمواطنين بتهمة التعاون مع المليشيا المجرمة، ويكذبه في جانب القدرة على تحقيق نصر عسكري كامل وحاسم، فشله في عرض قتلى المليشيا الإرهابية حيث لا يتوقع أن يوجد أسرى لأن مصيرهم القتل خارج نطاق القانون. فالمليشيا الإرهابية تقوم بإنسحابات بكامل عسكرييها وعتادها، وتتمركز في أماكن غير معلومة للمواطن، وتواصل تدوين المناطق الآهلة بالسكان كسوق صابرين، والجيش المختطف يقصف المواطنين الآمنين جوا في مناطق سيطرة المليشيا الإرهابية كذلك.

ومناورة حكومة الأمر الواقع غير الشرعية سليلة إنقلاب اكتوبر ٢٠٢١م ، مازالت تخفيف منظر التجفيف عبر خارطة سياسية أعلنها إبن إمام الانصار السابق في ظهوره الأخير، تهدف للتمويه على عودة التمكين كاملا غير منقوص، بعد أن انقضت مرحلة التواري خلف حكومة شبه المدنية في المرحلة المسماة زورا وبهتانا مرحلة انتقالية، من أجل تصفية ثورة ديسمبر المجيدة. وهذه الخارطة القائمة على هندسة سياسية متوهمة، تتجاهل عمدا طبيعة التركيبة الاجتماعية، وتحاول فرض سلطة شريحة الرأسمالية الطفيلية بقوة السلاح ومفاعيل الحرب، وتنسى أن مثل هذه المحاولات فشلت سابقا وستفشل مجدداً.

(٣)
الخطابان والمناورتين مع الممارسة في الأرض، جميعها يعكس أن الطرفين لا يأبهان بمعاناة الشعب من حربهما، في عداء واضح غير مستتر. فخطاب المليشيا الإرهابية ومناورتها وسلوكها تجاه المواطن، يؤكد رغبتها في التصعيد سياسياً وعسكريا بالرغم من تراجعها ميدانياً، وقصفها للآمنين في الأسواق يؤكد عدم اهتمامها بالمواطن ورغبتها في إبادته. أما انسحاباتها المتكررة للحفاظ على قواتها وعتادها، فتؤكد إصرارها على اعادة التمركز للقيام بهجوم مضاد وربما نقل الحرب لأماكن أخرى. أما خطاب حكومة الأمر الواقع غير الشرعيّة المجرمة، فهو يؤكد تصميمها على تجريف الساحة السياسية وعسكرة السلطة لمصلحة الحركة الإسلامية المجرمة المختطفة للجيش، وسلوكها الإجرامي في المناطق التي دخلتها مليشياتها والذي حظي بإدانة دولية، فيؤكد خطها السياسي المعلن بالخطاب. ومناورتها عبر إبن إمام الانصار السابق المنخرط في مشروعها والتابع لها، تشكل تعزيزا لصدق الخطاب في معاداة الشعب السوداني وقواه المدنية، وتؤكد أنه ليس خطاب دعاية وحرب نفسية، بل خط سياسي معلن يتم تنفيذه علنا وعلى رؤوس الأشهاد، بالمواكبة لإطلاق الشائعات التصعيدية كتسريب شريط لشخص مجهول في وسائط التواصل الاجتماعي، يؤكد اتخاذ قرار بحرق الخرطوم بالبراميل المتفجرة، ويدعو المواطنين لإخراج اهلهم ومعارفهم حتى لا يكونوا عرضة للإبادة، مع تبرير إبادتهم حال بقائهم، في تطبيق عملي لخطة هانيبال الاسرائيلية الشهيرة.
وما تقدم يوضح إلى أي مدى يعادي طرفي الحرب شعبنا، وإلى أي مدى لا يأبهان إلى معاناته، وإلى أي مدى يرغب كل طرف في إعادة صياغة الخارطة السياسية عبر الحرب، حتى يبني سلطة شمولية جديدة. والمطلوب هو إعادة تنظيم شعبنا لنفسه رغم المعاناة غير المسبوقة والإنهاك الذي سببته الحرب بقصد وتصميم، ومواصلة بناء جبهته القاعدية المعادية والرافضة للحرب، التي تهدف إلى طرد الطرفين المتحاربين من المعادلة السياسية، ومحاسبتهما على جميع الجرائم المقترفة.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!

كمداميك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..