اخبار السياسية الدولية والاقتصاد

طفرة صناعة المسيَّرات في أفريقيا سلاح ذو حدين

 

أصبحت المسيّرات من الأدوات الرئيسية في الزراعة والرعاية الصحية وضبط الحدود ومراقبتها، ولاسيما في المناطق ذات البنية التحتية المحدودة. إلا أن وصول الإرهابيين والمتمردين السهل إلى هذه التكنولوجيا الرخيصة ينذر بالخطر.

جوهانسبرغ (جنوب أفريقيا) – تشهد أفريقيا طفرة في صناعة الطائرات المسيَّرة إذ تنتج منها 13 شركة أفريقية ما لا يقل عن 35 طرازا، وتُستخدم المسيَّرات لمراقبة الحدود، واكتشاف الصيد الجائر والصيد غير القانوني، وتوصيل الأدوية أو السلع الأخرى إلى المناطق النائية.

ويعتقد المؤيدون لهذه الطفرة أن هذا النمو في قطاع المسيَّرات سوف يخفض الأسعار ويسمح للمصنعين الأفارقة بتصنيع نماذج مناسبة للظروف الفريدة والتحديات الأمنية في القارة. لكن هذه الطفرة لا تخلو من مخاطر. وكشف مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها أن عدد القتلى في صفوف المدنيين جرَّاء ضربات المسيَّرات والضربات الجوية قفز في عام 2023 إلى 1418 قتيلاً بعد أن كان 149 في عام 2020.

كما تطمع فيها الجماعات المتطرفة، فقد استخدمت حركة الشباب في الصومال وولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا بنيجيريا والجماعات الإرهابية في موزمبيق طائرات مسيَّرة متوفرة للجميع من أجل القيام بمهام المراقبة وإنجاز مقاطع فيديو دعائية. وتُظهر الأدلة أن الإرهابيين، وخاصة الموالين لداعش، يخططون لتسليح المسيَّرات التجارية. ويقول الخبراء إن ازدهار قطاع المسيَّرات في أفريقيا يجب أن يُقنن بالرقابة والقواعد وتدابير السلامة.

وحذرت الباحثة كارين آلِن، في مقالها لمعهد الدراسات الأمنية، قائلة “يمكن استخدام المسيَّرات لتحقيق مآرب دنيئة في السلم والحرب بسبب إضفاء الطابع الديمقراطي على هذه التكنولوجيا ميسورة الكلفة نسبياً؛ إذ تمثل القارة بيئة ضعيفة حيث تستطيع الجيوش والمتمردون على حد السواء اختبار الطائرات المسيَّرة المسلحة واستخدامها.” وكانت أول طائرة مسيَّرة مصنوعة في أفريقيا ثمرة أبحاث أجراها في منتصف سبعينات القرن العشرين كلٌ من مجلس الأبحاث العلمية والصناعية الممول من حكومة جنوب أفريقيا وشركة التصنيع الدفاعي التي كانت تُسمى “كينترون”.

وحلقت المسيَّرة “تشامبيون” في عام 1977 واستخدمها الجيش في روديسيا سابقاً للقيام بمهام المراقبة ثم انتقلت إلى القوات الجوية الجنوب أفريقية. ويمتلك الآن ما لا يقل عن 31 جيشا أفريقياً طائرات مسيَّرة، وتُضاف إلى الأساطيل العسكرية كل عام قرابة 200 مسيَّرة جديدة. ولا تزال المسيَّرات محلية الصنع نادرة بعض الشيء، إذ لا تشكل سوى 12 في المئة تقريبا من إجمالي الأسطول الجوي. ورواد هذا المجال شركات في مصر وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا والسودان.

ويقول إيكين ليونيل، مدير موقع “ميليتري أفريكا” إن “هناك عدة عوامل تدفع البلدان الأفريقية إلى الاستثمار في قدرات التصنيع المحلي: أهمها الكلفة إذ يمكن للإنتاج المحلي أن يقلل تكاليف ضرائب الاستيراد والشحن وأسعار صرف العملات.”

◙ الخبراء يقولون إن ازدهار قطاع المسيَّرات في أفريقيا يجب أن يُقنن بالرقابة والقواعد وتدابير السلامة

وإضافة إلى ذلك يمكن للمصنعين المحليين أن يصمموا المسيَّرات بما يتناسب مع الاحتياجات الإقليمية المحددة والظروف المناخية ومتطلبات العمليات. كما يسمح بناء المسيَّرات محلياً بنقل المعرفة وتنمية المهارات والتقدم التكنولوجي داخل البلاد.

وأضاف ليونيل في تقرير نشره منبر الدفاع الأفريقي “ربما أكثر ما يهمني هو أن صناعة الأسلحة المحلية القوية تعزز الردع العسكري للبلاد، فإذا أنتجنا أسلحتنا المتقدمة، يمكننا أن نجد ما يلزمنا من العتاد وقتما نشاء، ونصنعه بما يتناسب مع احتياجاتنا المحددة، ونكون على أهبة الاستعداد لما يمكن أن يهددنا.”

ويعتقد أن تكنولوجيا المسيَّرات، وقد صنعت لأغراض أمنية، يمكن أن تُستغل في مختلف الاستخدامات الجديدة؛ فتُستخدم في رسم الخرائط وتوصيل الأدوية ورش المحاصيل، ومن المتوقع أن تتضاعف سوقها ثلاثة أضعاف بين عامي 2022 و2031. ويقول “من ثمار الاستثمار في إنتاج الأسلحة المحلية أنه يوفر فرص العمل، ويرتقي بتنمية المهارات، ويحفز صناعات مختلفة، من التصنيع إلى البحث والتطوير؛ وهذه الجهود تشجع التقدم في الهندسة وعلوم المواد وغيرها من الصناعات المتطورة، ويمكن أن تتوسع آثارها فتنفع قطاعات أخرى من الاقتصاد.”

ويتصدر القطاع الخاص مجال ابتكار المسيَّرات، ولكن تدخل بعض الجيوش الأفريقية عالم البحث والتطوير، حيث يعد معهد تكنولوجيا القوات الجوية النيجيرية ثاني أكبر مصنع للمسيَّرات في القارة، وأنتج 20 مسيَّرة منذ بدء الإنتاج في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

◙ المغرب يمتلك ثاني أكبر أسطول من المسيَّرات العسكرية في القارة، ويتطلع إلى إنتاج المسيَّرات داخل أراضيه

وكشف في عام 2018 عن المسيَّرة “تسايغومي”، صنعها بالتعاون مع شركة “يوافيجَن” البرتغالية، وجناح هذه المسيَّرة مثبت فوق بدنها، ويمكنها الطيران على ارتفاعات تصل إلى 4600 متر، ويبلغ نصف قطر مهمتها 100 كيلومتر، وصُنعت للقيام بمهام مثل الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والدوريات البحرية، ومراقبة خطوط الأنابيب وخطوط الطاقة، والتنبؤ بحالة الطقس، ومراقبة موائل الحياة البرية لحمايتها من الصيادين الجائرين.

ونيجيريا ثالث أكثر من اشترى المسيَّرات العسكرية في القارة، إذ اشترت 177 مسيَّرة، وهي واحدة من بضع دول لديها مدرسة لتدريب طياري المسيَّرات.

وأثناء انعقاد “قمة القوات الجوية الأفريقية” السنوية في أبوجا عام 2024، صرَّح الفريق طيار حسن أبوبكر، رئيس أركان القوات الجوية النيجيرية، بأن بلاده تريد أن تغدو من رواد الابتكار في مجالات المسيَّرات والأسلحة الصغيرة والصواريخ والرادار. وأشار إلى “مركز تطوير المسيَّرات” الذي أُنشئ مؤخراً، وسيسمح لنيجيريا بتطوير المكونات الجوية وتصنيعها محلياً.

وقال “حرصاً منها على الحفاظ على ميزتها التنافسية في المشهد الأمني دائم التطور، شرعت القوات الجوية النيجيرية في حملة بحث وتطوير قوية لمواكبة التقنيات الناشئة ومنافعها في الحرب الحديثة.”

ولدى المغرب ثاني أكبر أسطول من المسيَّرات العسكرية في القارة، ويتطلع أيضا إلى إنتاج المسيَّرات داخل أراضيه، فقد أعلن في مارس 2024 أنه سيتعاون مع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية وينشئ مصنعاً لإنتاج المسيَّرات محليا.

◙ المسيَّرات العسكرية المستوردة تُستخدم في صراعات في إثيوبيا وليبيا ونيجيريا والسودان وأماكن أخرى

وأوردت تقارير أن المصنع سيُقام في الرباط، وسينتج طرازَي “واندر بي” و”ثاندر بي”، ويُستخدم هذان الطرازان في الغالب للقيام بمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.

ومع أن غالبية المسيَّرات التي تُبتكر وتُصنع في أفريقيا مخصصة لأغراض المراقبة، ففيها أيضا مسيَّرات مسلحة، ففي نيجيريا مصنعون عاكفون على النموذج الأولي لمسيَّرتين، عبارة عن مروحية مسيَّرة بستة أذرع مسلحة بقنبلة تزن 250 كيلوغراماً ومسيَّرة انتحارية تكتيكية من طراز “إشوكو”. وصنعت مصر مسيَّرة مسلحة من طراز “30 يونيو”، يمكنها الطيران 24 ساعة، وصنع السودان مسيَّرة انتحارية من طراز “كمين 25”.

وتُستخدم المسيَّرات العسكرية المستوردة في صراعات في إثيوبيا وليبيا ونيجيريا والسودان وأماكن أخرى. وقال ليونيل إن هذا الجانب من تصنيع المسيَّرات من المتوقع أن ينمو “نموا سريعا” في السنوات القادمة، ومن غير المستبعد أن تُنتج في أفريقيا قريبا مسيَّرات مستعينة بالذكاء الاصطناعي وشبه ذاتية التحكم.

وثمة خطر وشيك نابع من إمكانية أن تصل المسيَّرات إلى أيدي الجماعات الإرهابية، فقد استعانت حركة الشباب بالمسيَّرات في مهام المراقبة في الصومال، ويخشى الخبراء أن تخطط جماعات أخرى لاستخدامها في مهاجمة أهداف عسكرية ومدنية. ولم تعد الكلفة عائقاً يحول دون الحصول على هذه الأدوات، فأكثر مسيَّرة يستخدمها داعش في هجماته في الشرق الأوسط هي مسيَّرة “دي جي آي فانتوم”، ويمكن شراؤها من موقع أمازون مقابل 400 إلى 500 دولار.

Thumbnail

وتقول الباحثة هيذر سومرفيل “ما رأيناه مع المسيَّرات التجارية الصغيرة هو أنه حين تستخدمها جماعات ضعيفة التجهيز وفقيرة الموارد وهزيلة التدريب، فإنها تغدو أعظم أثراً وأشد بأساً، ويمكنها أن تعيث فساداً وتنال حتى من الجيوش القوية المتطورة.”

وقالت كارين آلِن، من معهد الدراسات الأمنية، إن الحكومات يجب أن تفكر في عمل أنظمة تسجيل للمسيَّرات وتضع آليات للتعرف على من يشترون شحنات من مسيَّرات الهواة.

وأضافت “لن يحظر تشديد اللوائح بالضرورة استغلال تكنولوجيا المسيَّرات في أغراض دنيئة، ولكنها يمكن أن تعطينا إنذاراً مبكراً، وبما أن المسيَّرات تُستخدم في أغراض شتى، فإننا نحتاج إلى نهج تنسق فيه الوزارات الحكومية تعاملها معها.”

وعلى الجيوش وأجهزة الشرطة أيضاً أن تضع إستراتيجيات لحماية المواقع المعرَّضة للخطر، كالمطارات ومحطات الطاقة والبنية التحتية للاتصالات، وعليها الاستثمار في تكنولوجيا مكافحة المسيَّرات لترتقي بقدرتها على تعقب المسيَّرات جواً وإسقاطها حين تشكل تهديداً.

وقال ليونيل “أعتقد أنه من المحتم أن تضع عناصر غير تابعة للدولة أيديها، بمرور الوقت، على مسيَّرات تُباع في الأسواق وتجعل منها سلاحاً، وينبغي لرجال الأمن الأفارقة أن يعملوا بنهج استباقي للتخفيف من حدة هذا التهديد.”

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..