“جمهورية الكدمول”: عن حكومة “الدعم السريع”
كتيب يكشف كيف اعتمدت "ميليشيات حميدتي" على الاقتصاد الافتراسي لقيامه على النهب والفدية

د.عبد الله علي إبراهيم
كان يناير (كانون الثاني) الماضي هو الشهر الذي وضع اقتصاد أسرة آل دقلو (محمد حمدان دقلو “حميدتي” وإخوته) وقوات “الدعم السريع” في عين العاصفة. فصدر خلال السابع من يناير 2025 الأمر التنفيذي (4098)، الذي تعاقب به أميركا كل شخص أو كيان يعكر صفو السلام في السودان وأمنه واستقراره، لتخضع للمقاطعة الأميركية سبع شركات خدمت الأسرة وجيشها.
وسبق أن صدر من وزارة الخزانة الأميركية نفسها في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 قرار بمقاطعة القوني دقلو القائم بأمر المال والأعمال للأسرة و”الدعم السريع”. من جهة أخرى صدر خلال الشهر الماضي كتيب بعنوان “جمهورية الكدمول” (غطاء رأس أفراد ’الدعم السريع‘) من وضع جشوا كريز ورجاء مكاوي من هيئة مسح الأسلحة الصغيرة في سلسلة تقاريرها حول التقديرات المبدئية للأمن الإنساني.
وعززه فريق من المراسلين من داخل السودان المغيبين اسماً ممن قاموا بالبحث الذي من ورائه. فأخضع التقرير لدراسة الآليات الاقتصادية التي يدير بها “الدعم السريع” المدن التي احتلها. وسمى اقتصادها، لجهة توحشه من حيث تحول القادة العسكريين أنفسهم إلى مستثمرين، بالاقتصاد السياسي الافتراسي لقيامه على النهب، والفدية عن الرهائن ومنهوب المال، والإثقال في الضريبة. يدير “الدعم السريع” ماكينة اقتصاد سياسي افتراسي (النهب). فأنشأ إدارات في المناطق التي احتلها يقوم عليها قادة طبقة من قبيل آل دقلو من الماهرية والرزيقات. وهي حكومات في حد ذاتها غير أنه ليس لها مركز يقف على ضبط مواردها ومصرفها. فـ”الدعم السريع” في قول الكتاب مثل ميليشيات أفريقيا الوسطى والكونغو لا ينتج الموارد التي للسوق، بل يحصل عليها نهباً. وتحت هؤلاء القادة شبكة من المهربين والسماسرة والمتعسكرين بمثابة وكلاء لهم في ماكينة هذا الاقتصاد. فظهر قبل أشهر فيديو لقادة في “الدعم السريع” كان في مقدمته أحدهم يعرض برنامجهم لإقالة عثرة السودان بالمدنية والديمقراطية، أما خلفه فترى قائداً آخر يتحدث في الهاتف. ولن يفهم المحادثة التي جرت بينه والطرف الآخر إلا مطلع على نظم “الهمبتة” أو “النهيض” في أصلها داخل البادية ثم الحضر لاحقاً. و”الهمبتة” عادة ما جرى تمثيلها عندنا بصعاليك العرب، ومن عادة أهلها (الهمباتة) نهب إبل الرجل واسع الرزق ثم مساومته من طريق وكيل معروف لدفع الفدية عنها لهم ليستردها. وخضعت السيارات في المدن أخيراً لهذه “الهمبتة”. ومتى أرخيت أذنك للقائد في خلفية الفيديو سمعت مساومة تفصيلية مع وكيل ما لرد سيارات استولى عليها لأصحابها في مواضع بعينها، لقاء مبلغ في عداد المليار بالجنيه السوداني. لم يتفق الكتاب مع الشائع من أن مناطق سيطرة “الدعم السريع” نهب الفوضى. فقيام حوكمتها على الافتراس لا يعني أنها لم تأت ببديل للدولة والجيش في شرط عصيب للحرب. وكأنه يقول مع شكسبير إن الجنون ليس بلا منهج. وعرض الكتاب لاقتصاد “الدعم السريع” في الخرطوم الذي اختلف عن مثيله في أم درمان والخرطوم بحري. فحال تطبيق أنموذج الخرطوم بحذافيره في أم درمان لأن الجيش نازع “الدعم” فيها من يومه الأول، بينما توسع “الدعم” في الأنموذج داخل الخرطوم بحري وشرق النيل اللتين كانتا بمثابة القلعة الخالصة له. والسوق هو بؤرة هذه الإدارات إلا في بحري وشرق النيل التي فتح فيها “الدعم” إلى جانب السوق نقاط شرطة ومكاتب نيابة. وصار السوق في بؤرة حوكمة “الدعم السريع” لتحكمه بارتكازاته العسكرية في ضبط الموارد وتوجيهها للأسواق التي يفرض عليها الضرائب ورسوم الرخص والحماية، ويتحكم في السلع الاستراتيجية مثل البترول والدقيق. ومن مواقع سيطرته هذا حجب التجارة في أسواق باطن الأحياء. فبدأت هذه الأسواق بمنهوبات أفراد الطبقة الوسطى الذين غادروا الخرطوم والتي جرى عرضها في ما يعرف بأسواق دقلو الشهيرة (التي لا علاقة بها بدقلو) علاوة على الأسواق الكبرى القديمة مثل السوق المركزية (شرق الخرطوم) وسوق الكلاكلة اللفة (جنوب غربي الخرطوم)، وأسواق مايو (جنوب الخرطوم). ويغلب على حي مايو النازحون من حروب السودان المختلفة وتجند نفر كثير منهم في “الدعم السريع”. والسوق مصدر تمويل كبير. فيفرض الضرائب عشوائياً من جهة مبلغها وفي تعدد مواضع دفعها بتعدد الارتكازات. وفي الأسواق يدفع التاجر نحو دولار يومياً رسم حماية وقد يجمعها أكثر من مجند في “الدعم السريع” خلال اليوم. ويتحصل “الدعم السريع” على رسوم الاتصال لمستخدمي جهاز “ستارلينك” الذي يحتكره. ويثير هذا الاقتصاد الافتراسي الذي كشف عنه “جمهورية الكدمول” مسألتين شاغلتين. فالمسألة الأولى هي المنهج حيال جماعات من المتعاونين مع “الدعم السريع” خلال احتلاله أحيائهم لنحو عامين، فقد جنح المتضررون منهم إلى أخذ القانون بيدهم بعد اقتلاع الجيش لـ”الدعم السريع” من أحيائهم والثأر لأنفسهم منهم. وحذرت الدولة التي تستعيد آلتها حيث وجدت القوات المسلحة بصعوبة، دون هذا الانفلات، ودعت لإحالة المتهم بالتعاون إلى الحكومة. وقد نحتاج للوعي الأمثل بهذا التعاون المنكر مع “الدعم السريع” برده إلى اقتصاد التنمر السياسي الذي كشف عنه تقرير “جمهورية الكدمول”، فنرى منه أن “التعاون” لم يكن خياراً بل كان كرهاً لهم. فأقام “الدعم السريع” من فوق أنقاض الاقتصاد الذي هدمه شبكات عمالة جعلت ألا مناص لمن وقعوا تحت حكمه من السكان المفقرين من الاندماج فيها كلياً، فصار عليهم أن يتعاملوا في نطاق هذا الاقتصاد القائم في النهب الافتراسي كمنتجين إما خوفاً أو للحاجة لدخل، ففرض “الدعم” على بعضهم التجنيد إكراهاً وبسلاح التجويع، فانتمى من الناس الذي خلا طرفه من المدخرات وانقطع معاشه لو كان من أربابه لـ”الدعم”، لحماية نفسه أو أسرته في غيبة أي نظام بديل للعمل. فاندماج الحرب في السوق التي صارت الدولة ومجتمع الموارد، أغرى بالارتزاق كالخدمة الوحيدة المعروضة في هذه السوق. فالمخبر لـ”الدعم” عن العدو يصدق له “الدعم” بكشك لتجارته الصغيرة أو درداقة (لنقل البضائع في الأسواق)، ثم هناك العمال الذين يرشدون إلى بيوت أهل المال ولهم من الغنيمة نصيب، وهناك طبقة الحرامية الموكول لهم بنهب البيوت. وظهرت النعمة على كثير من الأسر التي خدمت في هذه الأشغال مع “الدعم السريع”، وهكذا تخلصت إدارة “الدعم السريع” بالدفع عيناً من نظم المواهي. وأثار كتاب “جمهورية الكدمول”، ناظراً إلى الاقتصاد الافتراسي لـ”الدعم السريع” سؤالاً حول إن كان بوسعه الالتزام باتفاق للسلام ينعقد معه في هذه الحرب. فمع تكلف آل دقلو بأجور جنود “الدعم السريع”، في قول الكتاب، إلا أن النهب هو المصدر الأكبر لدخول منتسبيه مع ذلك. فالنهب في “الدعم السريع”، واصل الكتاب قائلاً، ليس حدثاً عارضاً من أعراض الحرب بل مكون ضروري لنظام الأجور في “الدعم السريع”، ولا يغرنك، في رأي الكتاب، قولهم إنما ينهبون مال دولة 56 الحلال على الهامش، فالنهب طاول مدن الهامش أيضاً مثل نيالا وزالنجي في ولاية دارفور. وخلص الكتاب إلى أنه إذا كان النهب عصب اقتصاد “الدعم السريع” فالتوسع في الحرب وحده هو ما يكفل لهم تدفق المال لملاقاة أجورهم، وربما كان مصداق هذا في الاقتران أخيراً بين شكاوى من أفراد من “الدعم السريع” عن عدم قبضهم رواتبهم لشهور على فيديوهات منشورة، مع نداءات منهم لحميدتي لفك اللجام والأمر بـ”فتح” ولايات النيل والشمالية. وكأنهم يريدون حقولاً بكراً لتغنيمها بعد تجفيفهم لموارد الخرطوم والجزيرة. فـ”الدعم السريع” في قول الكتاب، في حال مقيم من الأزمة ودائماً ما كان في حاجة إلى إقليم جديد لغزوه. ويظل يخيم عليه شبح تداعي مكوناته إذا لم يجدد حقول افتراسه. وقال الكتاب إن “طبيعة الوحش” هذه إحدى المخاوف من استدامة أي وقف نار أو سلام ينعقد. جاء الكتاب لخطاب الحرب بتحليل اقتصادي اجتماعي هو من الفرائض الغائبة في خطاب الحرب عندنا. فلا تجد أحداً من بين الصفوة على ضفتي الحرب من استصحب علم الاقتصاد والمجتمع في فهمها. فـ”الدعم السريع” في تحليلهم حال سياسية عسكرية بحتة في طلاق بيِّن مع اقتصادها وديناميكيته. فحتى الحزب الشيوعي الذي في عقيدته أن الاقتصاد محرك التاريخ لا يرى منه سوى الوجه العسكري السياسي، بينما يمزج من جهة أخرى الباحثون غيرنا اقتصاده وسياسته وعسكريته مزجاً. فمنظمة “غلوبال وتنس” وصفته بـ”المركب الاصطناعي الميليشياوي” وسماه المتخصص في علم السودان ألكس دي وال بـ”شركة الارتزاق الخاصة العابرة للأمم”. ولن نبعد النجعة إن قلنا إن الطلاق بين اقتصاد “الدعم” وعسكريته في سياسات قوى الحرية والتغيير (قحت) هي التي قادت إلى هذه الحرب. فقررت “قحت” في سياق الإصلاح الأمني والعسكري في الاتفاق الإطاري (يناير 2023) دمج “الدعم السريع” في الجيش. وهذه غفلة كبرى لأن ثروة حميدتي التي رأينا شبكاتها قيد المقاطعة الأميركية كانت ستذهب أدراج الريح بغير أن يكون زمام “الدعم السريع” بيده لا الجيش. فـ”الدعم السريع” هو الجن حارس الكنز، بل واشتطت “قحت” فوق ذلك كله وحظرت على “الدعم السريع” كميليشيات حتى إن يطرق أبواب المال والأعمال. وظنت “قحت” توقيع حميدتي على الإطاري كسباً ولم تفطن إلى أنه حين قال لها إنه سيدمج دعمه السريع في الجيش بعد 20 عاماً فكأنه قال لها سودانياً “تلقوها عند الغافل”. وقال كاتب إن “قحت” لم تعط الإطاري نيرات فكرها فوضعت قوتين مسلحتين رئيستين في طريق وعر انتهى بحرب.
السودانيين بمثقفيهم مازالوا يخوضون حرب الخدارة !!
أما ما يحكيه الواقع فهو رواية السلطة المملة فى السودان و التى يصدف أنها تتقاطع مع المال والدماء و الشقق المصرية و الشئون الاقليمية والاغتصاب , و التى اختصرها (وال) تأدبا بالسوق السياسى , كنت أتمنى أن يترفع مثقفينا عن سفاسف الكدمول و تداول العراريق الشفافة الى تناول الاستراتيجيات و الحلول التى قد تغير عقليه السودانى تناولا لأزماته.
أما عن الفساد والامبراطوريات المالية فهى متوفرة بالطرفين , ولعله ما رد به وزير الخارجية الروسى لافروف عندما سألته مزيعة السى أن أن عن رأيه فى قضايا التحرش التى يواجهها ترامب أبان فترته الاولى حيث قال لها أن الانتخابات الامريكية مليئة ( بالبوسيز ) فى كلا الجانبين !!
قحت” لم تعط الإطاري نيرات فكرها فوضعت قوتين مسلحتين رئيستين في طريق وعر انتهى بحرب
و ازيد ، لو افترضنا قحت تبخرت حينها فإن القوتين المسلحتين كان يمكن دمجهما و كان خلصنا من يومها!! فعلا قحت انتم سبب الحرب، إيه.
Out of the blue, right in the middle of nowhere
Something to ponder & Nonsense to consider
عدم الشغلة مرض لآخر (حذفور)
(فحال تطبيق أنموذج الخرطوم بحذافيره في أم درمان لأن الجيش)
الجمع فى اللغة هو ما يدلُّ على مجموعة مفردات أى أنه بالضرورة
يتكون من عدد من المفردات فلولا المفرد لما كان الجمع . غير أنه لَشَدَّ ما أعيا
ملاحظتي و أضناها كلمة مثل حذافير لم أسمع أو أقرأ لها يوماً بمفرد.
هسه يا منظر زمانك جايلك حكومه برهان ومعاها ٤ مليشيات متمرسه أكثر من الدعم الصريع
مايسمى
1. بالجيش الوطني (مقصود بيها التابعه للمؤتمر اللا وطني)
2. مليشيا المتطرفين من الاخوان (الدواعش او البراء بن مالك)
3. مليشيات حركتي مناوي وجبريل المتخمتين بما نهب من زينه الدوله.
4. مليشيا شبيهه ب الجنجويد في تكوينها ومضمونها وهي ميليشيا كيكل
زمان كان عندنا ٣ مليشيات بتصارعو على نهب خزنه الدوله اللي نوعا ما كان فيها قروش وموارد.
هسي عندنا ٤ مليشيات جدا متمرسه وبأعداد مقاتلين جدا ضخمه وميزانية دوله خاويه وبنيه تحتيه وخدميه منهاره تماما.
ورونا يا فلاسفة الغفله كيف سيكون غدا بسودان خالي من مواطنيه وتسكنه المليشيات والقتله.
(دا انا متفائل انهم ٤ مليشيات وعلى أساس الدعم السريع ما حيرجعوه بحيله ما تاني).
وماذا عن فساد جمهورية الجلابة ألتي جعلت الدولة السودانية ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية ؟
وماذا عن فساد جمهورية الكدمول الآخر للفلنقايات والتي جعلت مال الدولة حلالاً بلتلاً لها تحت دعوى الصرف على إتفاقية جوبا ؟؟
يا عبدالله ده كله فساد وفساد ذوي قرباك الجلابة أقدم و أسبق فلماذا لا تحدث الناس عنه؟
(جاء الكتاب لخطاب الحرب بتحليل اقتصادي اجتماعي هو من الفرائض الغائبة في خطاب الحرب عندنا. فلا تجد أحداً من بين الصفوة على ضفتي الحرب من استصحب علم الاقتصاد والمجتمع في فهمها)
هذا هو الفرق بين المثقف العضوي الحقيقي كامثال الدكتور عبد الله علي أبراهم، الاستاذ امجد فريد و الدكتور محمد جلال هاشم(و كلهم و قفوا ضد الدعم الصريع) و مثقفي الغفلة كامثال التعايشي(مثقف قبيلته) و النور حمد (مثقف كراهية الكي زان و شتمهم كنوع من التحليل السياسي).
شكرا جزيلا لك يادكتور عبدالله علي إتحافنا بهذا التحليل الذي لم اجد له اي مثيلا، و و يالك من مثقف نادرا وسط هذا اليباب الفكري الذي يرعاه مثقفي الغفلة و الفشل.
في أواخر سِني العمر يكتب المثقفاتي العلج لهدف واحد هو أن يقول: I am not dead yet
المثقفاتي العلج يكتب أيضا ليثبت لنفسه أنه لا يعلم شيئا عن نحر الرقاب وجز الرؤوس وبقر البطون ومضغ الأحشاء. ليس من السهل لأي إنسان إثبات أنه شجع محرقة في بلده وبأيدي أبناء بلده يكون تتويجها هو حرق البشر أحياء في منازلهم بالبراميل المتفجرة مثلا
دور المثقف هو حفذ الزهن الجمعي و ليث التكسب المدسوس