مقالات وآراء

جمهورية الكدمول: للافتراس نهج (2-2)

 

ملخص
جاء كتاب “جمهورية الكدمول” لخطاب الحرب بتحليل اقتصادي اجتماعي هو من الفرائض الغائبة في خطاب الحرب عندنا. فلا تجد أحداً من بين الصفوة على ضفتي الحرب من استصحب علم الاقتصاد والمجتمع في فهمها. فـ”الدعم السريع” في تحليلهم حال سياسية عسكرية بحتة في طلاق بيِّن مع اقتصادها وديناميكيته. فحتى الحزب الشيوعي، الذي في عقيدته أن الاقتصاد محرك التاريخ، لا يرى منه سوى الوجه العسكري السياسي، بينما يمزج الباحثون غيرنا اقتصاده وسياسته وعسكريته مزجاً. فمنظمة “غلوبال وتنس” وصفته بـ”المركب الصناعي الميليشياوي” وسماه المتخصص في علم السودان ألكس دي وال بـ”شركة الارتزاق الخاصة العابرة للأمم”.

صدر خلال شهر يناير الماضي كتيب بعنوان “جمهورية الكدمول” (غطاء رأس أفراد ’الدعم السريع‘) من وضع جشوا كريز ورجاء مكاوي من هيئة مسح الأسلحة الصغيرة في سلسلة تقاريرها حول التقديرات المبدئية للأمن الإنساني. وعززه فريق من المراسلين من داخل السودان المغيبين اسماً ممن قاموا بالبحث الذي من ورائه. فدرس التقرير لدراسة الآليات الاقتصادية التي يدير بها “الدعم السريع” المدن التي احتلها. وسمى اقتصادها، لجهة توحشه من حيث تحول القادة العسكريين أنفسهم إلى مستثمرين، بالاقتصاد السياسي الافتراسي لقيامه على النهب، والفدية عن الرهائن ومنهوب المال، والإثقال في الضريبة.
ويثير هذا الاقتصاد الافتراسي الذي كشف عنه “جمهورية الكدمول” مسألتين شاغلتين. فالمسألة الأولى هي المنهج حيال جماعات من المتعاونين مع “الدعم السريع” خلال احتلاله أحيائهم لنحو عامين. فجنح المتضررون منهم إلى أخذ القانون بيدهم بعد اقتلاع الجيش لـ”الدعم السريع” من أحيائهم والثأر لأنفسهم منهم. وحذرت الدولة، التي تستعيد آلتها حيث وجدت القوات المسلحة بصعوبة، دون هذا الانفلات، ودعت لإحالة المتهم بالتعاون إلى الحكومة.
وقد نحتاج للوعي الأمثل بهذا التعاون المنكر مع “الدعم السريع” برده إلى اقتصاد التنمر السياسي الذي كشف عنه تقرير “جمهورية الكدمول”، فنرى منه أن “التعاون” لم يكن خياراً للمتعاونين بل كان كرهاً لهم. فأقام “الدعم السريع” من فوق أنقاض الاقتصاد الذي هدمه شبكات عمالة جعلت ألا مناص لمن وقعوا تحت حكمه من السكان المفقرين من الاندماج فيها كلياً. فصار عليهم أن يتعاملوا في نطاق هذا الاقتصاد القائم في النهب الافتراسي كمنتجين إما خوفاً أو للحاجة لدخل. ففرض “الدعم” على بعضهم التجنيد إكراهاً وبسلاح التجويع. فانتمى إليه من الناس من خلا طرفه من المدخرات وانقطع معاشه، لو كان من أربابه، لـ”الدعم” لحماية نفسه أو أسرته في غيبة أي نظام بديل للعمل.
فاندماج الحرب في السوق، التي صارت الدولة ومجتمع الموارد، أغرى بالارتزاق كالخدمة الوحيدة المعروضة في هذه السوق. فالمخبر لـ”الدعم” عن العدو يصدق له “الدعم” بكشك لتجارته الصغيرة أو درداقة (لنقل البضائع في الأسواق)، ثم هناك العمال الذين يرشدون إلى بيوت أهل المال ولهم من الغنيمة نصيب، وهناك طبقة الحرامية الموكول لهم بنهب البيوت. وظهرت النعمة على كثير من الأسر التي خدمت في هذه الأشغال مع “الدعم السريع”. وهكذا تخلصت إدارة “الدعم السريع” بالدفع عيناً من نظم المواهي.
وأثار كتاب “جمهورية الكدمول”، ناظراً إلى الاقتصاد الافتراسي لـ”الدعم السريع”، سؤالاً حول إن كان بوسعه الالتزام باتفاق للسلام ينعقد معه في هذه الحرب. فمع تكلف آل دقلو بأجور جنود “الدعم السريع”، في قول الكتاب، إلا أن النهب هو المصدر الأكبر لدخول منتسبيه مع ذلك. فالنهب في “الدعم السريع”، واصل الكتاب قائلاً، ليس حدثاً عارضاً من أعراض الحرب بل مكون ضروري لنظام الأجور في “الدعم السريع”. ولا يغرنك، في رأي الكتاب، قولهم إنما ينهبون مال دولة 56 الحلال على الهامش، فالنهب طاول مدن الهامش أيضاً مثل نيالا وزالنجي في ولاية دارفور.
وخلص الكتاب إلى أنه إذا كان النهب عصب اقتصاد “الدعم السريع” فالتوسع في الحرب وحده هو ما يكفل لهم تدفق المال لملاقاة أجورهم. وربما كان مصداق هذا في الاقتران أخيراً بين شكاوى من أفراد من “الدعم السريع” عن عدم قبضهم رواتبهم لشهور على فيديوهات منشورة، مع نداءات منهم لحميدتي لفك اللجام والأمر بـ”فتح” ولايات النيل والشمالية. وكأنهم يريدون حقولاً بكراً لتغنيمها بعد تجفيفهم لموارد الخرطوم والجزيرة. فـ”الدعم السريع” في قول الكتاب، في حال مقيم من الأزمة ودائماً ما كان في حاجة إلى إقليم جديد لغزوه. ويظل يخيم عليه شبح تداعي مكوناته إذا لم يجدد حقول افتراسه. وقال الكتاب إن “طبيعة الوحش” هذه إحدى المخاوف من استدامة أي وقف نار أو سلام ينعقد.
جاء الكتاب لخطاب الحرب بتحليل اقتصادي اجتماعي هو من الفرائض الغائبة في خطاب الحرب عندنا. فلا تجد أحداً من بين الصفوة على ضفتي الحرب من استصحب علم الاقتصاد والمجتمع في فهمها. فـ”الدعم السريع” في تحليلهم حال سياسية عسكرية بحتة في طلاق بيِّن مع اقتصادها وديناميكيته. فحتى الحزب الشيوعي الذي في عقيدته أن الاقتصاد محرك التاريخ لا يرى منه سوى الوجه العسكري السياسي. خلافاً لهذا يمزج الباحثون غيرنا اقتصاده وسياسته وعسكريته مزجاً. فمنظمة “غلوبال وتنس” وصفته بـ”المركب الصناعي الميليشياوي” وسماه المتخصص في علم السودان ألكس دي وال بـ”شركة الارتزاق الخاصة العابرة للأمم”.
ولن نبعد النجعة إن قلنا إن الطلاق بين اقتصاد “الدعم” وعسكريته في سياسات قوى الحرية والتغيير (قحت) هي التي قادت إلى هذه الحرب. فقررت “قحت” في سياق الإصلاح الأمني والعسكري في الاتفاق الإطاري (يناير 2023) دمج “الدعم السريع” في الجيش. وهذه غفلة كبرى لأن ثروة حميدتي التي رأينا شبكاتها قيد المقاطعة الأميركية كانت ستذهب أدراج الريح بغير أن يكون زمام “الدعم السريع” بيده لا الجيش. فـ”الدعم السريع” هو الجن حارس الكنز، بل واشتطت “قحت” فوق ذلك كله وحظرت على “الدعم السريع” كميليشيات حتى إن يطرق أبواب المال والأعمال. وظنت “قحت” توقيع حميدتي على الإطاري كسباً ولم تفطن إلى أنه حين قال لها إنه سيدمج دعمه السريع في الجيش بعد 20 عاماً فكأنه قال لها سودانياً “تلقوها عند الغافل”. وقال كاتب إن “قحت” لم تعط الإطاري نيرات فكرها فوضعت قوتين مسلحتين رئيستين في طريق وعر انتهى بحرب.

‫10 تعليقات

  1. في أواخر سِني العمر يكتب المثقفاتي العلج لهدف واحد هو أن يقول: I am not dead yet
    المثقفاتي العلج يكتب أيضا ليثبت لنفسه أنه لا يعلم شيئا عن نحر الرقاب وجز الرؤوس وبقر البطون ومضغ الأحشاء. ليس من السهل لأي إنسان إثبات أنه شجع محرقة في بلده وبأيدي أبناء بلده يكون تتويجها هو حرق البشر أحياء في منازلهم بالبراميل المتفجرة مثلا
    لكن المثقفاتي العلج يأبى إلا أن يتنكب الطريق

    1. Where Vulgarism Reigns, Moral Impoverishment is King

      غُضِ الَطَرْفَ فإنك من…….. و لا عبد الله على إبراهيم بلغت

      (المثقفاتي العلج لهدف واحد هو أن يقول):
      واضح جداً أنك بكل المعايير مفلس (للحديدة ).
      فلغتك تدل إلى أى شارع تنتمىk بل ،و بكل
      أسف، فى أى اسرة فاقدة تربويا تربيت.
      كيف تخاطب إنساناً ، أى إنسان، بهذه اللغة الهابطة
      التى تعافها حتى أكثر أقبية المواخير ظلماً و ظلاماً.
      عبد الله على إبراهيم هو من هو لا أقول مربياً
      فحسب بل هو أديب أريب و عالم نحرير فأروقة
      المدرجات فى أرقى الجامعات تعرفه و كذا كواليس المؤتمرات
      و صولات الفضائيات و حاجته للمديح و التقريظ كحاجة الشمس
      للبريق.

    2. انت إنسان غبي و متنمر و مزعج . اترك د عبدالله لحاله . ماعندك شغلة غير متابعته و الإساءة له، لو بينك و بين دكتور عبدالله علي إبراهيم ثار شخصي فما ذنب قراء الراكوبة.
      انت نموذج للمتعلم السوداني الرديء الذي يشخصن كل شيء بما في ذلك قضايا الوطن. تبا لك!

  2. وماذا عن بيع الشركات العامة السودانية وبالتحديد شركة الصمغ العربي التي كانت تمتلك مائة في المائة من صادر الصمغ وشركة الاقطان السودانية التي كانت معنية بصادر الاقطان وشركة الحبوب الزيتية والمحتكرة لتصدير تلك الحبوب وشركة الماشية السودانية والتي كانت الوحيدة التي تُصدر المواشي.
    كل تلك الشركات حلتها الجماعة المسلمية لصالح لصالح قطعان من الرأسمالية الطفيلية التابعة لها والمرتبطة الرأسمالية العالمية.
    استخرجوا البترول في جنوب السودان ورهنوا ريعه لسنوات قادمات بعد أن أثروا منه وصارت لهم إستثماراتهم وعمائرهم في جهات الدنيا الأربع.
    حتى شجر الجنوب لم يسلم من جشعهم في التسعينات فكان شعار ضباطهم (إخشوشبوا…. فإن الاستوائية لن تدوم).
    جمهورية الكدمول الجنجويدة قامت يوم تخلى الجيش عن واجبه الدستوري وتحول إلى مجرد يافطة للعمولات والرشاوي ويوم باعوا حطام معركة الميل أربعين في سوق الله أكبر بدلاً عن أن يكون مواد خام لمصانع جياد وأيوب.
    إقتصاد الحرب الحالية أكثر من إستفاد منه هم ضباط الشرطة والقوات المشلخة الذين ظلوا يقبضون الرشاوي الدولارية مقابل إصدار الجوزات التأشيرات والأوراق الرسمية ومقابل غض الطرف عن تهريب الذهب.
    طبعاً أكثر المستفيدين هم أمثالك من الكتبة الأرزقية الذين حرَّ سوقهم وهم يتشاتمون وينبحون وينوحون.

  3. من شابه صانعيه ما ظلم !!
    فالنظام الاسلامى الذي انتج السريع له حروبا معلنة على الشعب تحت مسمى التمكين ، و الذي يعنى الافقار الموجه لقطاعات عريضة من الشعب نظر تسلق جماعاتهم و بلغت به الوقاحة و التفاهة ان يبثه فى قناته الفضائية !!
    و ليتها كبيرة الاثافى ! ، فقد تفتق الجهل العنصرى الذى يقوده النظام الى عمل مشروع حضارى لتدريس السعن فى المدارس و الالتزام ببعض الازياء التى استفرغها العالم من سوء ذوقها و قبحها فتركها على مضض.
    لم لا تقدم دعوى لجشوا و رجاء لزيارة افضل الاماكن التى تختارها فى السودان ليروا مدى قبحك و بشاعتك و جدبك و سقطك السرمدى على حقيقته ؟!
    يظل حديثنا لا دفاعا عن اقتصاديات السريع ولكن لوقف الاسفاف و تجيير الحقائق ، التى يجب ان يواجهها السودانيين لانقاذ ما تبقى.

  4. انت عنصري وجهوى بغيض وبمنطقكم العنصري هذا يكون حميدتي ورهطه اقرب اليكم أيها العنصري المستعرب المستلب المصفق للحرب والخراب ماسح جوخ الكوز الفاجر المغتصب واللاعق لبوت العسكر والكيزان، فبئس الثقافة وبئس المثقف الذي يدعم الحرب ويدعو للموت والدمار بدل ابتكار الحلول المبنية علي تعظيم حق الحياة والسلام والتعايش المشترك ونبذ الحرب والعنف والخراب، ورحم الله الثائر الوطني الحكيم الشهيد د. جون قرنق، لتاكيده ان لا شئ يوحدنا غير ان نكون سودانيين وكفي، فهنيئا للكيزان بهذا الكوز المتحور، وصدق من قال ان اسوء الكيزان هو الشيوعي المتحورالي كوزخاصة في ارزل عمره..

  5. جمهورية الكدمول الأولى نشأت في ظروف (صراع الإمام المهدي والعلماء) والذي كتبت عنه أنت كتاباً كاملاً في مدحه وثورته المزعومة.. فقد كان (الجهاد في شان الله) تدميراً لما قبله وسرقة وقلع حُمرة عين ونهب للعيوش وتفريغ للسكان من أماكن زراعتهم مما أدى لاحقاً لمجاعة سنة ١٣٠٦.

  6. الاقتصاد السوداني مبني على النزاهة و الكفاءة و العدالة و لذلك فان المواطن السوداني يعيش في بحبوحة من الترف و اصبح السودان قبلة المغتربين الباحثين عن لقمة عيش

    هذا نا ننتظره في المقال القادم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..