مقالات وآراء

رمي البرهان بخطابه لحماً عبيطاً للصفوة فأخرجت أثقالها (2-2)

 

ليست خطبة البرهان هذه غلظته أو أركان حربه، الأولى على الإسلاميين كما نبه إلى ذلك ضياء البلال. فخطبة البرهان في معسكر حطاب قبل الحرب، لم تكن أقل فظاظة. كما كانت كلمة الفريق الركن شمس الدين كباشي في الفرقة الثانية مشاة في مدينة القضارف خلال الحرب عن الميليشيات الداعمة للجيش، وأبرزها “البراء” الإسلامية، حازمة وحاسمة حول أن القيادة للجيش في الحرب لا مناص، ويأخذ كل الآخرين “الحزا” في لغة الجيش. ناهيك من ردة فعل البرهان الغضوبة على الشيخ عبد الحي يوسف قبل شهرين أو نحوه حين قال إن الحركة الإسلامية هي من يقاتل في السودان وإنما الجيش العنوان. فرد عليه البرهان أن يأتي ويأخذ قواه التي تحارب في السودان إذا عرف أن له تلك القوى. وكان ذلك بمثابة “صرف بركاوي” للشيخ.
وليست هذه المخاشنة علة في الجيش كما صورها كثير من الإسلاميين، أو فسرها إلا من النبرة التي كشفنا عنها الغطاء في أدب خطاب الدولة السياسي. فالعلة يبدو أنها في الحركة الإسلامية في جانب إدارة كتائبها في الحرب بما يزعج الضابط المهني والسياسي في يومنا. فرد الدرديري محمد أحمد، القيادي الإسلامي، مخاشنة اليوم إلى تفاهمات اتفقت للبرهان بعودة بعض عناصر “تقدم” إلى المشهد السياسي وإقصاء الإسلاميين. فلم يقصر الدرديري الأمر على مخاشنة مقدور عليها، بل جعلها مؤامرة. وذكر البرهان بالرئيس نميري وحتى الرئيس البشير اللذين متى ما تخليا عن الإسلاميين، ذهبت ريحهما.
دور “البراء”
وربما الأمر أهون مما صور الدرديري. فحتى المراقب للحرب من المسطبة يرى من “البراء”، كتيبة الإسلاميين في الحرب، خروجاً على الانضباط عظم ظهر القوات المسلحة. فمع تصريحات المصباح أبوزيد، بكريزماه وفدائيته في قيادة “البراء”، بأن كتائبه تعمل تحت القوات المسلحة، وأنهم سيخلعون الكاكي وينصرفون إلى أشغالهم بعد الحرب، تجد لهم مع ذلك إعلاماً مستقلاً بشعارهم ينقل أخبارهم على رغم تعميم تكرر للجيش ألا يُنشر شيئاً عن العمليات الحربية منسوب لها لم يؤخذ منها، ناهيك بنشر فتوح كتائب تحت إمرتها. وأكثر ما ظهر قائدهم المصباح، وهو يحمل عصا كمثل ما يحمله قادة القوات المسلحة، ليذيع خبراً عن فتوحاتهم. فظهر مرة يعلن انتصارهم على “الدعم السريع” عند مدخل كوبري توتي جهة مدينة الخرطوم بحري، بينما كانت القوات المسلحة قد سبقت إلى إعلانها هي نفسها عن ذلك النصر. وظهر في مرة أخرى يعلن تسلمهم معسكر المظلات بالخرطوم بحري وأنصاره يمزقون لافتة كان “الدعم السريع” كتب اسمه عليها ونصبها عند مدخل المعسكر. ولم يبد عليهم أنهم في أعقاب معركة. وكان الدكتور عشاري محمد محمود والناشط عثمان ذو النون معاً تساءلا منذ وقت مضى إن كانت “البراء” تحرر ما تزعم تحريره، أم إنه يأتي في أعقاب تحرير الجيش لموقع ما وتزعم تحريره. ويعلن من جهة أخرى المصباح مرات عن سيره لموقع لتحريره كأنه سيقع غداً ويطول الزمن دونه. مثل وقوفه يوماً يعلن الزحف إلى مدينة ود مدني. ولم تتحرر المدينة إلا بعد أكثر من شهر من ذلك. وانزعج الناس أخيراً لإنذاره “الدعم السريع” إخلاء الخرطوم خلال 12 ساعة وهو ما دونه خرط القتاد بعد. وظهر أخيراً فرد إسلامي ملتح في زي عسكري في مين (الشارع الرئيس داخل جامعة الخرطوم)، وهو منصة الزخم السياسي في الجامعة، ليعلن سقوط “أهل الباطل” من ليبراليين ونسويين وأصحاب أفكار هدامة من منافسي الإسلاميين التقليديين في “تقدم” اليوم ممن أدخلوا السودان في أنفاق المتاهة. وحقه في التعبير متاح بالطبع بعد خلع البزة العسكرية التي يقاتل بها للوطن كله.
إن ما يقوم به شباب مستنفري “البراء” عن محبة للسودان مما يحتاج لإدارة سياسية أفضل مما قد تجده من “المؤتمر الوطني” الذي تصطرع أطرافه على العلن. فالحرب لا تجري في ميدان الوغى وحده. فهي تدور خارجه على مشهد من العالم ومسمع. ولنعترف أن سمعة الإسلاميين ليست فوق الشبهات عند هذا العالم. فهم حليف فادح الكلفة للجيش. فدعوة الإسلاميين للكفر بالعالم واستدباره هي هرب للأمام من عالم إقليمي وعالمي موغر عليهم. فلا يزال فينا، ومن حولنا، من يتربص لإعلان القوات المسلحة منظمة إرهابية بقرينة وجود “البراء” في أوساطها. ومتى نجحوا في هذا وقعت مشقة كبرى علينا. كما أن كسب الحرب ربما أغرى غيرنا بدفعنا إلى مفاوضات ليس من سبب واحد أن يصرفها بعض الإسلاميين كـ”مؤامرة”. وحساب كل ذلك متروك لقيادة الجيش والدولة. فقبول “تقدم” في العملية السياسية بعد مراجعة نفسها كما عرض البرهان عليهم براح لا أعرف كيف سوغ للصحافي الإسلامي بكري المدني تحريمه بقوله إن الحكم القادم “لن تشكله قوى سياسية ليس لها مقاتلين في الميدان” مثل “البراء”، مما يطعن في خلوص نية الإسلاميين إن كانت حربهم للوطن أما إنها مما أهل لغيره.
عاد البرهان، الأربعاء الماضي، ليقول في أم درمان إنهم لن يتخلوا عن الناس الذين قاتلوا معهم، وإنهم شركاء في أي مشروع سياسي منتظر. وهذا تراجع غير منتظم عن دفاء عبارته الأولى بالطبع كنا في غنى عنه لو سلس له زمام الخطابة يومها. وعموماً رمى البرهان بخطابه لحماً نيئاً (عبيطاً) لفرق الصفوة السياسة، كما تقول الفرنجة في استثارة الجماعات للقتال، وأخرجت أثقالها.

‫9 تعليقات

  1. وماذا عن المفاصلة الاولى و الثانية التى أودت بالترابى فى اولاها , ثم أحضرت أيلا رئيسا للوزراء قبل الثورة فى ثانيها , هل كان لتقدم دور حينها ؟
    أبراهيم لا يعبر سوى عن قبحه و دواخله المريضة و الشرور التى تعتمل فى دواخله و اضطراباته العاصفة.
    فى مقالك السابق ظننت أنك قد تجنح للمنطقية ولكن ما يعتريك ليس ضلالا عن الفكر السوى و المنطق السليم , أنما مرضا نفسيا عاصفا و اضطرابا لسوءات لم تعهدها النفس البشرية !!
    أنصحك اقربائك بأيفادك لزيارة طبيب بشكل عاجل .

  2. البروفسور عبدالله تحية واحتراما ، كعادتك تحاول دوما توسيع وتعميق وجه نظرك ، فالشكر لك . لدى ملاحظة واحدة ، لقد تحدثت عن تكلفة الاسلامين الباهظة على الجيش ، ولكن لقياس التكلفة مفهوم مختلف من الذى اعتمدت عليه لإصدار هذه النتيجة. فاى تحليل لقياس التكلفة بمعزل عن العائد لا يوصلنا لمعرفتها وقياسها و الحكم عليها . لذلك فقياس التكلفة فى كافة المجالات دائمآ ما يربط بتحليل العائد منها او عليها، ويسمى هذا التحليل بتحليل التكلفة/ العائد،Cost/Benefit Analysis. عليه فعندما ذكرت يا بروفيسور تكلفة الاسلامين الباهظة على الجيش لم تذكر العائد للجيش نظير تحمله هذه التكلفة الباهظة، فإذا كان العائد للجيش من دعم الاسلامين يفوق تكلفتهم عليه اذن موقف الجيش من الاسلامين سيكون ايجابى والعكس صحيح. وكذلك حال موقف الجيش من قحت من ناحيتي التكلفة والعائد.عليه فتكلفة الاسلامين على الجيش مهما تكن باهظة مع عائد أنه سيبقى كجيش و سيواصل وجوده فى السلطة والاقتصاد فهى اقل، بل لا تقارن، بتكلفة تحالفه مع قحت المفضية لاعادة هيكلته وخروجه من السلطة والاقتصاد بالكلية، بل ربما تصفيته واحلاله بقوات اخرى. ودمتم.

  3. المثقفاتي العلج يجيد الهمز واللمز في أجيال جديدة من الشرفاء ويتملق العسكر والأخوان المسلمين
    المثقفاتي العلج صار مثل لتحليل فرويد Freud عندما تكلم عن حالة حسد ال (….) في تحليله لسلوك معين، فقط هنا المثقفاتي العلج لديه حسد الأجيال

  4. يا عبدالله لا تكرر كتابة ذات المقال مرتين وتغير الترقيم في كل مرة.
    شنو ياخ ؟
    الظرف الدولاري كان ما وصلك ما تعيد تدوير المقالات.

  5. تنسب الى لينين مقوله فحواها “أن الشيوعي إذا سقط يسقط عمودياً والى القاع” !!
    وقد بلغ البروف غوراً حضيضياً بعيداً غير مسبوق …

    اقتباسات من المقال ذات دلالة بلا تعليق:
    – “إن ما يقوم به شباب مستنفري “البراء” عن محبة للسودان”
    – “فلا يزال فينا، ومن حولنا، من يتربص لإعلان القوات المسلحة منظمة إرهابية بقرينة وجود “البراء” في أوساطها. ومتى نجحوا في هذا وقعت مشقة كبرى علينا. ”
    – “كسب الحرب ربما أغرى غيرنا بدفعنا إلى مفاوضات ”
    – “الحركة الإسلامية في جانب إدارة كتائبها في الحرب بما يزعج الضابط المهني والسياسي”

  6. كانت كتاباتك في السابق تعبر عن التمسح بجلابيب العسكر والكيزان عبر الانتقاد الدائم للقوى المدنية والديمقراطية اما الان فكتاباتك مقرفة ليس إلا

  7. فقبول “تقدم” في العملية السياسية بعد مراجعة نفسها؟؟؟ مراجعة نفسها من ماذا ولماذا؟ هل من انقلاب البرهان عليها؟ وادخال قادتها الي السجون؟ او لقتل البرهان للشباب الرافض لانقلاب الموز؟ او مراجعة نفسها لسعيها بكل مااتيت من قوة لمنع الحرب قبل وقوعها وعمل المستحيل لوقفها بعد ان اشعلها اسيادك الجدد؟ سؤال محيرني والله، انتو الكائن ده اصلو عبيط كده واللا دي هبالة الكبر؟
    وقديما قال الشاعر:
    “وإن سفاه الشيخ لاحلم بعده … وإن الفتي بعد السفاهة يحلم”
    قال حكيم “ان اسوء الكيزان هو الشيوعي المتحورالي كوزخاصة في ارزل عمره”.

  8. تحية وتقدير استاذنا عبد الله علي ابراهيم
    رمى البرهان بخطابه لفرق الصفوة السياسية، فأخرجت أثقالها.
    أي سهر الفاعلون جراها واختصموا. في نظري كل ما يحرك هذا التدافع والوساوس هو ذلك الاحتمال الذي يحوم كشبح حول الجميع.: ان امام البرهان فرصة ذهبية ليعزز وضعه باختيار القوة الإقليمية التي ينتصر لها وقادرة على حمايته. حمايته تحديدا من شركاء قد يرى ان أغلب قوى الإقليم الفاعلة ترفضهم جملة وتفصيلا.
    البرهان لا يختلف عن بقية الفاعلين. ادرك بالعقل والممارسة ان القوى الإقليمية شديدة الحماس والاندفاع لتسيطر على البلاد. هم يتنازعون الآن بعد ان شاركوا جميعا متوحدين في ضرب ثورتها. السياسي الناجح وفق تنافس هؤلاء الفاعلين، هو الذي يوفق في اختيار حليف قوي. وهي القوى التي يرسل لها الرسائل. لذا من المحتمل ان تفاهمات وزير الخارجية مع روسيا تتم لقطع الطريق على أفكار البرهان المحتملة. لكن توازنات القوة في الإقليم تهدد هذا الاختيار. البرهان يشغله صلادة الحليف وقد لا يطمئن لهذا الاختيار.
    استاذنا د. عبد اللهأتساءل عن دلالة (الرئيس السابق) في قولك
    (واشتهرت عبارة عن الرئيس السابق حسن أحمد البشير وهي “صرفت له بركاوي”. )
    اعتقد ان تلطيف، ولعله تحريف، الخطاب مع السياسي عمر البشير (بأنه الرئيس السابق)يتم خصما على قيمة وحقيقة ومفهوم الثورة.
    اعتقد ان الثورة اية ثورة هي السلطة الأعلى في أي مجتمع من المجتمعات تفوق، حتى، سلطة الاستفتاء، وبدرجة اعلى تفوق شرعية التمثيل النيابي. وعليه، في نظري، يتطلب مصطلح الثورة والى جانبه مصطلح الشعب عناية وحساسية تناسب في المقام الأول حاجة البلدان المستضعفة لها، لتتخلص من كثير من ازماتها ودكتاتورياتها. فلنرفعهما مكانا عليا. اذ لا مناص من واجب ومسئولية الدفاع عن الشعب كصاحب حق والثورة كشرعية عليا لإحقاق هذا الحق.
    الثورة انقطاع وان كانت ثمارها قد تؤتى في زمن متأخر، كما ذكرت انت في
    مقال آخر.
    ذلك ان ما تحدثه من قطيعة لا يعقبه البردايم الجديد مباشرة.
    ولك تحياتي.

  9. لماذا يعود بعض الشيوعيين الى التدين في اخر سنوات عمرهم ؟؟وما هو السبب ياتري ؟؟
    مصطفي محمود ،، ياسين عمر الامام ؟؟ امبن حسن عمر ؟؟وكثيرون اخرون ،، لم يتحولو فقط من يساري الى يميني بل افنو بقية حياتهم يدافعون عن فكرة تركها اصحابها في مهب الريح ، فالاستاذ عبدالله ينحو نفس المنحى، ولكن الاشكالية بانه ينتقدون الحقائق الثابتة ويدركون انها حقائق ثابتة ويعلمون علم اليقين بانها حقائق ثابتة ،، ورغم ذلك يكررون الامر ببغائية،وبتكرار مقيت

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..