اخبار السياسية الدولية والاقتصاد

هل تنجح مبادرة رجال الدين في إخماد الأزمة في إقليم تيغراي؟

يرى مراقبون أن الزعماء الروحيين يفتقدون لأداة تنفيذية لمتابعة تنفيذ الاتفاق

 

ملخص

تصاعد الخلاف داخل “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” بين تيارين، الأول بقيادة رئيس الجبهة دبرتسيون جبريميكائيل، والثاني يتزعمه رئيس الحكومة الموقتة للإقليم جيتاتشو ردا، منذ المؤتمر الـ14 للحزب.
وأدى هذا الانقسام الداخلي إلى إعلان مجموعة دبرتسيون إقالة جيتاتشو وآخرين من مناصبهم، في حين اتهمت الحكومة الموقتة مراراً وتكراراً التيار المناوئ لها في قيادة الجبهة بمحاولة “زعزعة استقرار” المنطقة من خلال قيادة “انقلاب على السلطة”.

أعلن زعماء دينيون في إقليم تيغراي بشمال إثيوبيا الأحد الماضي أن قادة جناحي “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” المتصارعين وافقا على معالجة خلافاتهم من خلال الحوار، ووقعا على “ميثاق شرف” لتوجيه مسار التسوية السياسية بينهما. وبحسب التلفزيون المحلي، وقع الطرفان وثيقة “ميثاق الشرف التي أعدها الآباء الدينيون للمضي قدماً في حلحلة الخلاف بطريقة سلمية”.
وصرح رئيس أساقفة أبرشية المنطقة الشرقية للكنيسة الأرثوذكسية في تيغراي، ميرها كريستوس، أنه خلال الشهرين الماضيين كان الزعماء الدينيون يبذلون “جهوداً متكررة، فردياً وجماعياً”، لتشجيع الحوار. وأضاف أن قادة “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” وافقوا على إعطاء فرصة لتلك المبادرات، و”حل جميع القضايا مثار الخلاف من خلال مفاوضات مباشرة”.
وصرح ممثلو المؤسسات الدينية الأربع في المنطقة بأنهم “أعدوا وقدموا ميثاق شرف، لكلا الطرفين اللذين وافقا على التوقيع عليها كمدخل لمسار تفاوضي”، وأضاف المصدر أن القادة وافقوا “على أمل أن تقود الوثيقة إلى الأمام وتساعدهم في فهم بعضهم بعضاً”. ودعا الزعماء الدينيون جميع الأطراف إلى المساهمة في ضمان نجاح الاتفاق، ودعوا وسائل الإعلام إلى “الامتناع عن تأجيج المواقف بالدعاية الكاذبة”، والتركيز بدلاً من ذلك على “القضايا التي تعزز وحدة الناس”.
ونصت وثيقة “ميثاق الشرف” على التزامات عدة من بينها: تجريم استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية، “وحل النزاعات بطرق سلمية، عبر اتباع الوسائل الديمقراطية”. كما تنص الوثيقة على “إدانة خطاب الكراهية بصورة مطلقة”، و”منع الترهيب أو العنف” من أي من المتناحرين وأنصارهم.
وبحسب الزعماء الدينيين، اتفق الموقعون أيضاً على أن “الهيئة الوسيطة ستراقب تنفيذ التعهدات المنصوصة عليها في الوثيقة”، وتضمن “تصحيح أي انتهاكات بشفافية وسرعة”.
وفي وقت سابق، في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أفاد الآباء الدينيون في كنيسة تيغراي الأرثوذكسية التوحيدية بأنهم تلقوا “رداً إيجابياً” على دعوتهم “فصيلي جبهة تحرير تيغراي للاجتماع معاً” والالتزام بالحوار لحل خلافاتهما.
وتصاعد الخلاف داخل “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” بين تيارين، الأول بقيادة رئيس الجبهة دبرتسيون جبريميكائيل، والثاني يتزعمه رئيس الحكومة الموقتة للإقليم جيتاتشو ردا، منذ المؤتمر الـ14 للحزب.
وأدى هذا الانقسام الداخلي إلى إعلان مجموعة دبرتسيون إقالة جيتاتشو وآخرين من مناصبهم، في حين اتهمت الحكومة الموقتة مراراً وتكراراً التيار المناوئ لها في قيادة الجبهة بمحاولة “زعزعة استقرار” المنطقة من خلال قيادة “انقلاب على السلطة”.
وارتفعت حدة التوترات أخيراً بعدما أصدر بعض كبار أعضاء القوات العسكرية في تيغراي إعلاناً غير مسبوق يدعو إلى حل وإعادة هيكلة الحكومة الموقتة للإقليم، وأعربوا عن دعمهم لأحد تياري الانقسام السياسي في الجبهة متخلين عن موقفهم المحايد سابقاً، وتصعيد الأزمة السياسية في تيغراي إلى أزمة عسكرية محتملة.

هل ينجح الآباء في إصلاح ما أفسده السياسيون؟

وعلى رغم أن الإعلان مثل بادرة أمل للتيغراويين القلقين من تكرار تجربة الحرب، في ظل تصاعد احتمالات نشوبها أخيراً، فإن بعض الناشطين في الإقليم يشككون في قدرة الآباء الروحيين على إنهاء حال الانقسام، ذلك لأن حدة الصراع تجاوزت حدود الرتق السياسي، بخاصة بعد الاتهامات المتكررة، بالخيانة حتى في فترة الحرب السابقة، اذ اتهم قياديون من جناح دبرتسيون نظراءهم في التيار الآخر، بتمرير معلومات استخبارية للحكومة المركزية في أديس أبابا أثناء فترة الحرب (2020/2022)، مما عزز من فرص هزيمة الجبهة في الحرب، فيما ظل الطرف الآخر يتهم منافسيه بالتخطيط للحرب مع أطراف دولية وإقليمية، بصورة تعرض مقدرات وأرواح التيغراويين للخطر.
ويشير مراقبون إلى أن الأزمة تعدت حدود تيغراي، إذ يرجحون أن يكون “حزب الازدهار” الحاكم في أديس أبابا يسهم في تأجيج الصراع، فضلاً عن الأدوار المحتملة لأطراف خارجية. ويشير مراقبون للوضع في الإقليم إلى أن الزعماء الدينيين سبق ونجحوا في جمع طرفي النزاع، وبدء نوع من التفاوض بينهما إلا أن الحرب النفسية والدعائية بين الطرفين ظلت مستمرة، مما يؤشر إلى أن إصلاح ما أفسده الساسة من خلال الموسسات الدينية ذاتها لا يزال هدفاً بعيد المنال.

النوايا لا تكفي

من جهته رأى المختص في الشأن الإثيوبي سلمون محاري أن “الأزمة بالأساس سياسية، واذا ما توفرت إرادة حقيقية وصادقة بين الطرفين، فينبغي حلها في إطارها السياسي وعبر الأدوات والوسائل السياسية المتعارف عليها، سواء في إطارها الحزبي أو الحكومي”، مشيراً إلى أنه “على رغم صدق نوايا الآباء الروحيين للشعب التيغراوي، فإن تعارض المصالح بين الطرفين سيظل قائماً، بخاصة وأنهما مختلفان في الرؤى وفي طرق حل الأزمات الناتجة من الحرب الأخيرة التي شهدها الإقليم”.
وأوضح سلمون أن “النوايا الطيبة وحدها لا تكفي لإيجاد حلول للأزمات السياسية ذات الطابع الموضوعي”، ويقرأ المختص في الشأن الإثيوبي طبيعة الصراع القائم على أنه “جزء من تداعيات الحرب واستحقاقاتها السياسية والاقتصادية والمالية”. ولفت إلى أن “مثل هذه الحالات واردة ومتوقعة، بخاصة وأن الجبهة خرجت مهزومة من هذه الحرب، إذ كرس اتفاق بريتوريا شروطاً مذلة من بينها نزع سلاح الجبهة، وحل الحكومة  والبرلمان المنتخبين، وهما شرطان لم يكن من المحتمل توقع موافقة الجبهة عليهما لولا الهزيمة العسكرية”.

وأوضح سلمون أنه “على رغم أن الطرفين كانا على وفاق عند توقيع الاتفاق ووافقا عليه، بل ودافعا عنه في وسائل الإعلام، إلا أن كلاً منهما كان يحاول تحميل الآخر وزر الاتفاق وعيوبه”. وأكد أن “أساس الخلاف يتعلق بهذه الجزئية الخاصة بمن يتحمل مسؤولية الهزيمة العسكرية، ومن ثم الاستحقاق السياسي الذي وجدت الجبهة نفسها فيه”، وأضاف أن “الانشقاق كان متوقعاً في ظل حالة الرفض الشعبي لعدد من الشروط الواردة في الاتفاق”.

تاريخ الانشقاقات

وقال إن “المتابع لتاريخ الجبهة يعرف جيداً أن مثل هذه الحالات ظلت تلازم مسار الجبهة منذ فترة الثورة على نظام العقيد منغستو هيلي ماريام، إذ يسجل تاريخ الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كيف تم التخلص من أرجاوي برهي، الرئيس الأول للجبهة في عام 1979، واعتباره منشقاً ومتآمراً، على رغم دوره المركزي في تأسيس الجبهة ثم تبوئه منصب القائد المدني والعسكري. ثم حدث الأمر ذاته بعد الحرب الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا (1998 – 2000) والفارق بين المثال الأخير والحالة الراهنة هو أن الأولى كانت في ظل سيطرة الجبهة على السلطة في عموم أثيوبيا، فضلاً عن انتصارها في الحرب آنذاك، فيما أتت الحرب الأخيرة في وضع تحولت فيه موازين القوة، إذ كانت الجبهة معزولة ومحاصرة من الحكومة الفيدرالية ومن جوارها الإريتري، مما عزز احتمالات خسارتها للحرب من جهة، وضاعف من تداعياتها من جهة أخرى، إذ بدا الانشقاق بصورة أكثر قوة، مما يصعب من إمكان إنهائه بفصل المنشقين عن صفوف الحزب كما حدث أثناء فترة حكم رئيس الوزراء ملس زيناوي، إذ عارض تيار يقوده وزير الدفاع السابق سيي أبرهة، والقيادي جبرو أسرات وغيرهم من صقور الجبهة، معاهدة السلام الموقعة مع إريتريا، وجرى القضاء على الحركة عبر الفصل والحبس، بخاصة وأن الجبهة كانت حينها منتشية بشعور النصر وتملك سلطة مطلقة في إدارة الدولة”.

منشقون روحيون

من جهته يرى المحلل السياسي الإثيوبي بيهون غيداون أن “من المفارقات السياسية في تيغراي، أن آباء الكنيسة في تيغراي الذين انشقوا عن الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية (الأم) وأسسوا كياناً جديداً تحت مسمى كنيسة ’سلامة كيساتي برهان‘ هم من يتوسطون اليوم في الأزمة السياسية داخل الجبهة لثني أحد الأطراف  عن الانشقاق والعودة للتنظيم الأم”. ويضيف غيداون أن “غرائبية الأمر لا تتوقف عند هذا الحد، بل أن دور رجال الدين تجاوز الحد بفرض ما يسمى “ميثاق الشرف” الذي ينص على بنود عدة، تضطلع الكنيسة بمهمات مراقبته لاحقاً، للوقوف على مدى التزام الطرفين به.
ويوضح المتحدث ذاته “ليس سيئاً أن يطرح رجال الدين رؤيتهم ويحثون السياسيين على نبذ الخلاف، لكن ليس من بين مهماتهم فرض بنود ثم القيام بدور رقابي وكأنهم يحلون محل المؤسسات السياسية والرقابية، سواء كانت حكومية ذات طابع تنفيذي، أو برلمانية بمهمات رقابية يحددها القانون”.
ويرى غيداون أن “الكنيسة بهذا الطرح تتجاوز دورها الروحي، وتؤسس لسابقة خطرة تخلط الروحي بالسياسي”، مشيراً إلى أن “السماح بحدوث هذا الأمر في تيغراي سيغري أطرافاً دينية أخرى لولوج ميادين الأدوار السياسة محصنة بالمقدس”.
ويتصور المحلل السياسي الإثيوبي أن “الدور الرقابي الذي خصت الكنيسة نفسها به، ثمة مؤسسات دستورية قائمة بالأساس للعناية به”، مضيفاً أنه “ينبغي حل الأزمة السياسية في محيطها وعبر أدواتها المعروفة، ذلك لأن هذه الخطوة محفوفة بالأخطار وتؤسس لمنهج ثيوقراطي”.
ويوضح أنه “من الجائز تشكيل لجان للمصالحة الوطنية، تضم شخصيات محددة من رجال دين وقادة روحيين، كجزء من المجتمع وكتعبير عن ضميره، لكن ليس من الحكمة إطلاق مبادرات تعدها وتدونها ثم تشرف عليها مؤسسات دينية أياً كان تأثيرها أو نواياها”.
ويردف المحلل السياسي “من الجيد أن ينشغل رجال الدين بالجانب الروحي والمعنوي، والسعي إلى حل الأزمة القائمة بين كنيستي مقلي وأديس ابابا، ليقدموا نموذجاً للسياسيين ولرعاياهم وأتباعهم، إذ إن الدور الأساس لرجل الدين هو تقديم القدوة، وليس الاضطلاع بمهمات سياسية”.
ويرى غيداون أن “ثمة رمزية سلبية تعيد لأذهان الإثيوبيون عصر النظام الكهنوتي الذي انتهى في بدايات السبعينات، كما ترمز إلى فشل النخب السياسية والفكرية، وعجز المؤسسات، وإفلاس النظام السياسي ككل”، مضيفاً أن “الدور الرقابي يفترض أنه مرتبط بتدابير تنفيذية وعقابية، فهل بإمكان رجال الدين في حال خرق المدونة من أحد الطرفين أو كلاهما، اتخاذ تدابير ميدانية وفرض إجراءات عقابية؟”.

ويلاحظ المحلل الإثيوبي “تجاهل المؤسسات الفيدرالية لهذا الصراع الذي يقود إلى نذر حرب قد تغري أطرافاً خارجية للدخول مجدداً إلى الإقليم ومن ثم إلى عموم إثيوبيا، مما يعرض الأمن القومي الإثيوبي لأخطار محتملة”، مشيراً إلى أن “الأمر يتجاوز كونه مجرد خلاف حزبي”، ومؤكداً أن “توقيت قرار اللجنة الوطنية للانتخابات في شأن تعليق نشاط الجبهة يقوي من موقف أحد طرفي النزاع ويعزز احتمالات التصعيد وبالتالي الحرب”.
وينوه غيداون بأن “إضعاف الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ودخولها في مواجهات مسلحة، بخاصة بعد إعلان قوات الدفاع التيغراوية اصطفافها مع تيار دبرتسيون، يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي الإثيوبي ككل”.

اندبندنت عربية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..