الشر المطلق

عبدالرحيم محمد سليمان

لم تثير مشاركة احزاب الامة والاتحادي فى الحكومة الافتراضية التي يسعى التمرد الى تشكيلها اندهاش المراقبين والمحللين السياسيين ولم تثير حتى اندهاش جماهير الحزبين ، فالجميع يرى ان هذه الخطوة بديهية ومتوقعة استنادا الى عدة عوامل حيث ان الحزبان لايملكان رؤية وطنية تمكنهما من الحفاظ على ماء وجهيهما اذ هما حزبان تقليديان تأسسا على اسس دينية غير واقعية وهذا الارث يجعلهما يناديان بالديمقراطية ويطالبان بعودة الحكم المدني والتعددية السياسية ومع ذلك يمارسان داخليا نمطا شموليا يتناقض مع شعاراتهم ، فقيادة حزب الامة محصورة فى اسرة المهدي منذ انتحال المهدي المؤسس فكرة المهدية، وكذلك ظلت قيادة الحزب الاتحادي دولة بين اسرة الميرغني منذ قدوم الجد المؤسس رفقة الاستعمار ، مما يعزز فكرة عدم وجود تداول ديمقراطي حقيقي داخل مؤسسات الحزبين ، وهذه الشمولية قادت جماهير الحزبين للجهل وضعف الوعي السياسي الذي يرسخ للشخصيات التاريخية اكثر من المؤسسات الحزبية فالقيادات يتم اختيارها بالتوافق والترتيبات الداخلية ولايتم اشراك القواعد فى عملية انتخابها ، مما يعمق للانقسامات داخلها ويساهم فى ضعف المؤسسات الديمقراطية ، ففاقد الشي لايعيطيه ، وهذان الحزبان لعبا دورا رئيسيا فى تشكيل حكومات السودان ، سواء عبر الانتخابات أو التحالفات السياسية. ومع ذلك كانا غالبا ما يعليان المصالح الطائفية على حساب المصالح الوطنية ، وكانا ايضا احد العوائق الرئيسية أمام التحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة الحديثة.

كما ظلا يلعبان ادوارا مزدوجة ساهمت فى اعاقة التحديث السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية اذ يميلان الى استخدم الدولة كأداة لخدمة مصالحهم النخبوية والدينية والقبلية. وازاء هذا تقع على عاتق النخب الوطنية مسؤولية اقناع الجماهير بالعدول عن تأيدهما ، وذلك عن طريق الحوار والتوعية وتقديم البدائل السياسية القوية ، وبالتأكيد على ان الزعامة السياسية تقوم على الكفاءة وليس على الاشخاص ، اضافة الى دعم الشباب لقيادة الحراك السياسي وطرح خطاب جديد يركز على المستقبل ويقدم رؤوية واقعية للعدالة والتنمية بعيدا عن القبيلة والطائفية والمناطقية. فالتاريخ لايمنح امتيازيا رمزيا ابديا للاشخاص ، فاستمرار الوراثة السياسية يضعف فرص الكفاءة.

[email protected]