مقالات وآراء

نحن مع التغيير العادل ، ولكن ضد التفريط في وحدة السودان

زهير عثمان حمد

 

إن السودان اليوم يقف أمام مفترق طرق خطير، حيث يتهدد شبح التقسيم وحدة البلاد وسط صراع محتدم لم يرحم أحدًا، لا من انحاز لهذا الفصيل ولا من وقف في صف ذاك، ولا حتى أولئك الذين التزموا الحياد وظنوا أنهم بمنأى عن المحاسبة التاريخية. إن هذا الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد سيحاكم الجميع، السياسيين الذين دعموا الحكومة الموازية، وأولئك الذين سعوا لشق الصف الوطني، وحتى من صمتوا عن قول الحق بينما كانت البلاد تتهاوى نحو الهاوية.

 

التجربة السودانية والانفصال الذي لم يكن درسًا كافيًا

 

لم يتعظ السودانيون من تجربة انفصال الجنوب في عام 2011م، وهو الحدث الذي لا يزال يلقي بظلاله على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ففي ذلك الوقت، ظن كثيرون أن الجنوب سينفصل دون أن تتأثر بقية البلاد، وأن استقرار السودان سيظل مضمونًا، لكن الحقيقة جاءت بعكس ذلك. فقد أدى الانفصال إلى تدهور اقتصادي حاد، وفتح الباب أمام مزيد من الأزمات السياسية والأمنية، وأصبح السودان أضعف مما كان عليه.

 

واليوم، وبعد أكثر من عقد على ذلك الحدث، نجد أنفسنا في مواجهة تحدٍّ مشابه، وربما أشد خطورة، إذ تتكرر السيناريوهات نفسها، من النزاعات المسلحة، إلى التدخلات الخارجية، إلى صمت النخب التي كان يجب أن تكون صوت العقل والحكمة.

 

أمثلة تاريخية من العالم: كيف ضاعت الدول بسبب الانقسامات؟

 

إن التاريخ الحديث مليء بأمثلة لدول تفككت بسبب الصراعات الداخلية، ولم تعد كما كانت بعد ذلك:

 

تفكك يوغوسلافيا: كان هذا البلد موحدًا لعقود، لكن الحروب الأهلية والانقسامات العرقية والسياسية قادت إلى انهياره وتفتيته إلى دول صغيرة، بعضها لم ينجُ من الحروب حتى بعد الاستقلال.

 

تفكك الاتحاد السوفيتي: رغم كونه قوة عظمى، إلا أن الصراعات الداخلية والضعف السياسي ساهم في انهياره إلى مجموعة دول مستقلة، مما أدى إلى تغير جذري في الخارطة السياسية العالمية.

 

سوريا وليبيا واليمن: لم تنقسم رسميًا، لكنها تحولت إلى كيانات متصارعة ضمن الدولة الواحدة بسبب الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية.

 

المسؤولية الأخلاقية والوطنية على النخب والمثقفين .

 

من الغريب أن نرى بعض ممن يدّعون المعرفة والعلم يسيرون في طريق يهدد وحدة السودان، وكأنهم لم يدركوا دروس التاريخ. إنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية جسيمة لأنهم لم يستغلوا مكانتهم في توجيه الرأي العام نحو الحلول التي تحفظ البلاد من التفكك. إن الانحياز الأعمى لأي طرف على حساب مصلحة الوطن، أو الصمت في اللحظات التي تتطلب موقفًا واضحًا، ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو جريمة تاريخية لن تُمحى من ذاكرة الأجيال القادمة.

 

هذا التخوف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة قراءة متأنية لواقع مأزوم، تشكل عبر عقود من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن عقلية النخب التي قادت البلاد لم تكن يومًا بعيدة عن النزعات العنصرية والجهوية، حيث ظل تكالبها على السلطة والثروة هو المحرك الأساسي لصراعات السودان المتكررة. لم يكن هدفها بناء دولة عادلة للجميع، بل كانت ترى في البلاد غنيمة تُقسَّم بين مكوناتها المتصارعة، غير آبهة بمصير العامة والبسطاء الذين دفعوا وحدهم ثمن هذه النزاعات من دمائهم وأرزاقهم وأحلامهم.

 

إن هذه النخب لم تكتفِ بإشعال الفتن، بل استغلت بساطة الناس وجهلهم السياسي لتجنيدهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما تظل قياداتها في مأمن، تتفاوض وتتقاسم النفوذ على حساب الوطن والمواطن. هذا الواقع، بكل تعقيداته، يجعل من خطر التقسيم تهديدًا حقيقيًا، وليس مجرد فرضية نظرية أو دعاية تخويفية، لأن البلاد تسير بالفعل نحو سيناريوهات مشابهة لما حدث في دول فقدت وحدتها بسبب الطمع السياسي والفساد الفكري لنخبها.

 

التحدي الذي يواجه الجميع: هل سيكتب التاريخ خيانة هذا الجيل لوطنه؟ .

 

إن السودان اليوم في اختبار حقيقي، والجميع معنيٌّ بالنتائج. فإذا استمرت البلاد في هذا المسار، فسيكتب التاريخ بأحرف من خزي أن هذا الجيل لم يكن على قدر المسؤولية، وأن قادته لم يرتقوا لمستوى الأخلاق والإنسانية والوطنية التي تتطلبها هذه المرحلة الحرجة.

 

إن الصمت ليس خيارًا، والانحياز الأعمى ليس حلًا، والوقوف ضد المصلحة الوطنية لا يمكن تبريره. الخيار الوحيد هو الانتصار لوحدة السودان، والعمل على إنهاء النزاع، وتوحيد الجهود لإنقاذ البلاد قبل فوات الأوان.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. كان للدكتور جعفر شيخ ادريس مقولة لا زالت عالقة بذهنى ايام عنفوان مقاومة نظام مايو هذه المقولة مفادها ( انه من الافضل تنظيم المرور على الجسر بدلا عن هدمه) وهى مقولة فى محلها فالتغيير سنة الحياة ويعنى التعاطى مع المرئيات المتوفرة وهى ذاتها قابلة للتغيير وبالتالى يجب التكيف معها والتخطيط واعادة التخطيط على اساسها.. مشكلتنا فى السودان اننا لم نتعلم من واقعنا الاجتماعى والاقتصادى ولم ندرس جيدا ما يتطلبه احداث التغيير فساستنا ظلوا يحومون حول انفسهم ولم يقدموا النماذج الوطنية فى القيادة وبمراجعة بعض النماذج القريبة والبعيدة فهناك دول مثل غانا فى قارتنا الافريقية والهند فى اسيا فغانا نالت استقلالها نفس العام كالسودان 1956م ولكنها اليوم تخطو بتثات فى بنائها الوطنى وتطورها الاقتصادى فقادتها من انكروما ورولينقز وميلز نهاية باكوفو اودو كلهم قدموا نماذج فى تطوير اداء مؤسسات الحكم فى بلادهم وبالتالى وصلت الى ما هى عليه اليوم.. اما الهند فامرها عجب فهى تماثل فى التنوع والتعدد بل واسوا من ذلك توجد فيها طبقة كاملة من البشر منبوذون مسحوقون يعيشون على هامش الحياة ولكن قيادتها التاريخية ممثلة فى نهرو تعهد باعمل على نهضة البلاد وتحقيق اعلى قدر من المساواة بين الناس خاصة فى مجال التعليم ونشر ما سمى ب ( الانحياز الايجابى) وهو ما مكن من بروز جيل جديد من المتعلمين والمثقفين فى الهند يسيطرون على الصناعة والتجارة وعالم المال والاعمال ليس فى بلادهم فحسب بل العالم قاطبة..نعم للتغيير وبقوة لانه مطلوب ويجعلنا قادرين على الحياة والتطور ولكن ان ندمر ان يتفتت الوطن فهذا ما لا نريده ولا قانون فى اى بلد فى الدنيا يسمح بتفكيكه او الاعانة على ذلك.. لاننا لا نعى التاريخ فدول كثيرة اختفت من الوجود ولا يذكرها العالم الا من قبيل ضرب المثل للاعتبار … وجميل انك اوردت مثالا بالتحاد السوفيتى ( العظيم ) كما كان يقول الرفاق.. تانى اعظم قوة واكبر مساحة فى الكرة الارضية فى داخلها مناطق تفرق بينها ست ساعات زمنية كانت تملك انياب نووية مهابة ضرب رئيسها منصة الامم المتحدة بحذائه… اتخيلوا جزمة ( الخليع المخلوع الراقص) ولكن الاتحاد السوفيتى اليوم انه فى كتب التاريخ فقط وتلك سنة الحياة لان من لا يعى التاريخ قمين بتكرار اخطائه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..