مقالات وآراء

شرعنة الانقلاب وتأثيرها على الديموقراطية ٢/١

د. محمد حمد مفرح

 

بالرغم من اسهامات علماء المسلمين المقدرة في مجال التشريع الاسلامي ذي الصلة بنظام الحكم، الا انهم لم يقوموا بابتداع نظام حكم متكامل يقوم على الشريعة ومعطيات العصر، موفقا بين الأصل والعصر عبر التقيد بالقطعي الورود من الدين الاسلامي كالشعائر، مع الاجتهاد في ما عدا ذلك من مستجدات. ويستلزم هذا النظام، بطبيعة الحال، الاستناد الى الشريعة الاسلامية باعتبارها تدعو الى وتعبر عن قيم الدين مثل الحرية Freedom والعدالة Justice والسلام Peace، كأساسيات لا بد منها لارساء دعائم الاستقرار والتنمية والرفاه، كما يتعين عليه مخاطبة كل المستجدات الناتجة عن حضارة العصر الحالي من جميع مناحيها، وذلك بالاستعانة بالخبراء في المجالات المختلفة. ومن المؤكد انهم، أي علماء المسلمين، لو فعلوا ذلك وبشروا به على المستوى الدولي لتصدرت الشريعة انظمة الحكم الأخرى ولكان لذلك مردودات ايجابية كبيرة على مستوى عالمنا الاسلامي.

وفي ظل عدم توافر نظام حكم اسلامي وفقا للتوصيف انف الذكر، فقد تسيدت الديموقراطية، كنظام حكم، انظمة الحكم الأخرى. وبذا فقد غدت توجها عالميا انتظم الكثير من دول العالم غربا وشرقا وعمل على احداث تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية ايجابية كبيرة في هذه الدول. لذا فقد قطعت الدول التي طبقت نظام الحكم الديموقراطي اشواطا حضارية جد بعيدة نقلتها الى افاق النهضة و التطور الحقيقيين. وكان لطبيعة الديموقراطية القائمة على الحرية والعدالة والمساءلة Accountability والشفافية Transparency وكل ما هو ضروري لارساء دعائم الاستقرار، كان لها القدح المعلى في استشراف الدول المشار إليها افاق النهضة والرفاه.

ونظرا لالتقاء الديموقراطية مع الشريعة في قيام كليهما على قيم الحرية والعدل والمساءلة بناء على اقرار الحقوق والواجبات للمواطن، واستهداف سعادة الانسان ورفاهه، مع تفوق الشريعة، بطبيعة الحال، على الديموقراطية في الكثير من المناحي كونها (الشريعة) تعد ذات بعد اخروى، نظرا لذلك يمكن، في غياب نظام الحكم انف الذكر، اعتماد الديموقراطية كنظام حكم في العالم الاسلامي. غير ان من الضروري استلهام الديموقراطية لروح الدين مع اخضاعها لواقع الدول وتأصيلها، وذلك حرصا على مخاطبتها لواقع دولنا الاسلامية وعدم اصطدامها بقيم الدين والاصول المرعية بهذه الدول. وهذا يحتم، بالقطع، عدم التقيد الحرفي بالديموقراطية كمنتوج فكري غربي (ديموقراطية ويستمنستر) Westminister Democracy بل تأصيلها بما يتماشى مع قيم ديننا ومجتمعاتنا. بمعنى اخر يمكن أن يتم ابتداع نظام حكم ديموقراطي Democratic rule يناسب واقع الدول الاسلامية الحضاري ويتناغم مع قيمها وأصولها مع تلبيته لحاجات الشعوب المتحركة في عالم سريع التطور.

وتأتي أهمية ابتداع نظام الحكم الديموقراطي هذا من حتمية تمسكنا بقيم الدين مع اخضاع العديد من المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية التي تفرضها ضرورات الحياة وتعاملاتها، الى الاجتهاد المؤطر بالدين. ولا شك في ان قيم الدين التي يعبر عنها الكتاب والسنة تمثل معينا قيميا لا ينضب، يحتاج الى البحث ليتم استيعابه في التشريعات والقوانين. كما ان ثمة حاجة للالمام بالمستجدات العصرية في كل المجالات واسنيعاب التشريع لها.

وإذا كانت الدول غير الاسلامية التي طبقت وتطبق الديموقراطية حريصة على قيم الحرية والعدل والسلام كممسكات للاستقرار ورفاه الشعوب Welfare of nations فمن باب أولى ان تحرص الدول الاسلامية على هذه القيم التي سبق ديننا الاسلامي كل المعتقدات لها. وتبعا لذلك فليس من الدين في شيء الالتفاف Outflanking على هذه القيم بشتى الأساليب وذلك في مسعى مكشوف لتحييدها من اهدافها ومقاصدها، تحت أي دعاوي كانت. و بالقطع فان التذرع بأي دعاوى او مبررات تتقاطع مع الدين و لا تتسق مع قيمه يصادم مقاصد الدين و يفضح أهداف الحكم المعني خاصة إذا كان هذا الحكم ينتهج الاسلام، وفقا لبرنامجه و فكره المعلن.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..