مقالات وآراء سياسية

هل سيكون ميثاق نيروبي بداية جادة لنهاية الحرب؟

طه جعفر الخليفة

 

يدور كلام كثير عن تقسيم الدولة السودانية وتهديد الوحدة الوطنية ويذهب البعض في التشاؤم بعيدا لوصف الحال بأنه تفتيت للوطن وحالة غير مسبوقة من التشظي للتراب الوطني وقواه الإجتماعية والسياسية.

الصور والتقارير الواردة من نيروبي هذه الأيام ترسل رسالة واضحة لأصحاب الرؤي الموصوفة بالأعلي بالنفي التام لها. تمّ بالأمس التوقيع علي ميثاق تأسيس الدولة السودانية ويعكف الموقعون الآن علي تجهيز مسودة للدستور تنظم عمل حكومة السلام القادمة علي حسب زعمهم. بيان و تصريحات قيادات حزب الأمة مهما علت نبرتها لا تخفي حقيقة وجود القائد السياسي المحنّك الجنرال بالمعاش برمة ناصر. بيان وتصريحات الحزب الإتحادي لن تخفي حقيقة وجود السيد ابراهيم الميرغني ولا حقيقة وجود الإستاذ محمد عصمت ضمن قائمة الموقعين علي الميثاق التأسيسي للدولة السودانية. ولن تخفِ التصريحات الواردة من شرق السودان حقيقة وجود الأستاذين أسامة سعيد والسيد مبروك سليم. فهم هناك في تحالف جديد وواسع مع قيادات قوات الدعم السريع و(قمم) المنظمة المدنية التابعة للدعم السريع.

بالنظر للميثاق نفسه فإنه يرسل تطمينات لقوي الثورة السودانية والشعب السوداني عموما حول طبيعة الحكومة البديلة لحكومة البرهان الكيزانية والإنقلابية. لا نقول حكومة موازية لأن حكومة بورتسودان الإسلامية ليست حكومة شرعية لتوازيها حكومة أخري ولا الحكومة المزمع قيامها بعد إعلان الدستور الموقع في بيروبي شرعية لكنها تحتفظ بتمثيل واسع للقوي السياسية والحركات المسلحة من غير الكيزان.

ما تم سرده بالأعلي هو الملمح السياسي العام للمسألة. تشكل هذه الخطوة السياسية الفوقية إلي حد ما والمعزولة نسبيا عن الشارع السوداني أكبر هزة سياسية أصابت واقعنا السياسي الذي خربته الحركة الإسلامية منذ إنقلابها المشؤوم في 30 يونيو 1989م.

ما تمّ في نيروبي ليس معزولا عمّا سبقه من أحداث أعقبت إنتصار ثورة ديسمبر المجيدة. بما يشمل إنقلاب البرهان/حميدتي في 25 اكتوبر 2021م ضد حكومة حمدوك العاجزة التي وبإرادة قياداتها سلمّت ملفات السلام والعلاقات الخارجية والإصلاح الإقتصادي للعسكر وإمتنعت عن تكوين برلمان الثورة الذي كان سيكون الترياق الناجع لحسم وترتيب تركة نظام ال 30 من يونيو 1989م.

تركت حكومة حمدوك الضعيفة ملفات غاية في خطورة دون حسم مثل سيطرة الشركات الموبوءة بالإسلاميين اللصوص ومملوكة زيفاً للجيش والشرطة والأمن والدعم السريع علي مداخل ومخارج الإقتصاد السوداني. وتركت ملف المحاسبة دون أي فعل يقود إلي تحقيقها ولا حتي الممارسة الشكلية القاضية بتسليم المطلوبين لدي محمكة الجنايات الدولية. عجز وفشل حكومتي حمدوك أحد أهم العوامل التي أبقت علي دولة الكيزان كما هي في القطاع الأمني ،الخدمة المدنية، القضاء والنيابة وزارة العدل بل وفي الحياة العامة.

ما يتم الآن في نيروبي هو دخول قوي كانت مبتعدة عن تفاصيل الأحداث خلال الفترة بعد إنتصار الثورة وعلي رأس هذه القوي الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو. وهو أيضا إعلان لا نعرف مدي مصداقيته من الدعم السريع بتبنيه علي الصعيد العملي لأجندة سياسية قريبة من الشارع و مفارقة بالكامل لأجندة الحركة الإسلامية الهادفة للإنفراد بالحكم ونهب الموارد. وهو أيضا إعلان عن إنحياز أقسام من القوي المدنية والسياسية التي كانت في تقدم (حمدوك) للدعم السريع.

بعد إعلان حكومة ميثاق نيروبي سيكون الدعم السريع مختلفا وربما سيتغير إسمه وتدخل في قيادته قيادات جديدة بعقيدة عسكرية مختلفة عن عقيدة الجنجويد العسكرية التي إنبنت علي الإنتهاكات وقتل المدنيين في جو من ضمان الإفلات من العقاب. هذه القيادات الجديدة في الدعم السريع ستجيء من الحركة الشعبية شمال والحركات المنتمية لما كان يسمي بالجبهة الثورية. هذا الإختلاف المأمول علي حسب ما أري كذّبته ممارسات القوات المشتركة التي كانت ضمن الجبهة الثورية حال إنظمامها للجيش الكيزاني ودونكم حادثة تجار المخدرات بالأمس القريب في كسلا. ولا نظن في دكتور الهادي إدريس ولا الحلو ولا الطاهر حجر نفس الظن واتمني ألا يخيبوا ظننا فيهم.

ما يتم في نيروبي سيسفر بالضرورة أذا نجحت حكومة ميثاق نيروبي في فرض السلام بقوة السلاح ، سيسفر عن حل سلمي للنزاع يوقف الحرب ويفتح الطريق أمام شراكة جديد بين الجيش الإسلامي والحركات المسلحة والدعم السريع في ثوبه الجديد وبعض القوي الساسية. هذه الشراكة سيكون أمامها عقبات كثيرة مرتبطة بتناقضات المصالح الإقليمية حول موارد السودان وشواطئه وأراضيه الزراعية وموارده المعدنية والغابية وموارد الثروة الحيوانية، لأنه ببساطة هذه الحرب ليست حرباً سودانية صِرفة حتي يعالج مشكلتها ويوقفها السودانيون لوحدهم، هي حرب إقليمية مرتبطة بدوائر رأس المال العالمي الذي لا تعنيه حياتنا كشعب بل يهتم ويسعي للسيطرة علي مواردنا عبر حكومات وطنية تابعة وضعيفة وعدوة لشعبها.

بارقة الأمل الوحيدة أمامنا كقوي ثورة مدنية وسلمية هي وقف الحرب وحلول السلام الذي سنتمكن بعده من مواصلة ثورتنا من أجل التغيير الذي سيخدم مصالحا نحن بنات وأبناء شعبنا خارج النخب الحاكمة والطامحة للحكم والنهب والسيطرة علي الوطن دون رضاء أهله.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..