مقالات سياسية

برناد لويس يكرم نخب وقادة السودان

السر العجمي

 

لا شك أن الاستعمار البريطاني خلق حدود ادارية مصطنعة داخل الدولة السودانية وذلك وفقا لمصالحه بغرض استنزاف ثرواتها، ومواردها، حيث قسم السودان الى مديريات دون مراعاة للخصوصيات الثقافية والتنوعات الاثنية الموجودة داخل الدولة السودانية، فتنازع المواطن السوداني بين هويتين. هويه لكيان مصطنع وهو الدولة التي بات منتميا لها كرها بحكم الاستعمار، وهويته الاثنية. وفي فترة ما بعد الاستقلال تعاملت النخب السياسية آنذاك بمنطق العقل الوصائي ودون مراعاة للتنوع الاثني، والثقافي، والديني داخل الدولة وانضمت الي جامعة الدول العربية، وذلك بغرض الصاق صفة العروبة كهوية للدولة، التي عمقت النزاع داخل المواطن السوداني بين الانتماء الي الهوية العربية التي فرضت عليه أيضا بمنطق العقل الوصائي، وهويته الاثنية الافريقية. ومع غياب الرؤية السياسية الناضجة الرامية الي بناء دولة ما بعد الاستقلال وهي الدولة الوطنية التي تنصهر في بوتقتها طوعا مختلف الاثنيات، والفشل في تحقيق الاندماج الوطني باتباع سياسات غير رشيدة من قبل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم كالتهميش لبعض الاثنيات وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية بالاضافة الي الاقصاء، مما جعل هذه الجماعات التي تم اقصائها وتهميشها لا يضمرون ولاء للدولة، ويسعون الي الانفصال. لذلك نجد ان النخب والأنظمة الحاكم استعملت نفس سياسة المستعمر، وكانت سببا في تقسيم البلاد لغياب مشروعها السياسي وفشلها في بناء دولة ما بعد الاستقلال. لذلك بدات الحروب في السوان منذ الاستقلال.

وبعد فشل النخب السياسية والأنظمة الحاكمة في بناء الدولة الوطنية، والسياسات الغير رشيدة في إدارة التنوع، ورفض النخب السياسية بعناد للنظام الفيدرالي في الخمسينات (1958م)، وتوالي هذا الرفض في مؤتمر المائدة المستديرة 1965م، حيث كان ذلك الرفض سببا في بداية الحروب واستمرارها، وعدم تحقيق الامن والسلام في السودان.

وفي العام 1983م برز على المسرح السياسي مشروع برناد لويس لتقسيم المنطقة العربية وتقسيم السودان. وذلك بغرض الاستقرار وإيقاف الحروب. وأصبحت الأنظمة والنخب في السودان تعمل على تنفيذ هذا المشروع سواء بوعي ام غير وعي ام بضغوط خارجية تجبرها لتنفيذ هذا المشروع من اجل بقاءها في السلطة. ويتضح ذلك من خلال الممارسات والسياسات التي تتبعها السلطة في حلها للنزاعات المسلحة. وكانت اولي خطوات تنفيذ هذا المشروع هو انفصال جنوب السودان، كما ان الحرب الدائرة الان هي الخطوة الثانية من تنفيذ هذا المشروع.

ولقد ظهرت اولي بوادر التفكيك والتقسيم للدولة السودانية في عهد الإسلاميين في نظام الإنقاذ البائد وذلك لتحقيق اجندتهم الانفصالية والتي ظهرت في خطاباتهم التي تفشي فيها خطاب الكراهية ورؤيتهم لحل مشكلة الجنوب منذ بواكيرها، بان الحل هو الانفصال. وذلك بغرض تحقيق اهداف مشروعهم الإسلامي العروبي، ففي العام 1992م، منح الإسلاميين الحركة الشعبية حق تقرير المصير للجنوب ، وذلك بموجب اعلان فرانكفورت التي وقعها عن نظام الإنقاذ الدكتور علي الحاج مع قادة الحركة الشعبية ومن ذلك التاريخ أصبح مخطط الانقسام يمشي بخطوات متسارعة، حيث انتهجت الاحزاب السياسية ذات النهج في مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرة في العام 1995م الذي نص أيضا على تقرير المصير، وأن هذا التحول الكبير في موقف الأحزاب السياسية بالموافقة علي حق تقرير المصير يؤكد بانها تنفذ في مشروع برناد لويس ، حيث ان هذه النخب هي ذاتها التي رفضت منح الفيدرالية للجنوب في مؤتمر المائدة المستديرة 1995م. وتوالت محاولة التفكيك في برتوكول مشاكوس في يوليو 2003م الذي نص علي حق تقرير المصير الذي نفذ بالفعل وادي الي انفصال السودان.

فالحرب الدائرة في السودان الان ماهي الا الخطوة الثانية من مشروع التقسيم لبرناد لويس، فأطراف الصراع هم أداة لتنفيذ هذا المشروع. بالرغم من أن الحرب الدائرة الان ظاهرها الصراع على السلطة الا ان باطنها هو التقسيم، كما ان أطراف الحرب وحواضنهم هم يعملون على تنفيذ مشروع برناد لويس للتقسيم بكل وعي ودراية. ويؤكد تنفيذ مشروع التقسيم انسحاب الجيش من الحاميات العسكرية الموجودة في غرب السودان منذ بداية الحرب، كما ان انسحاب الدعم السريع من الخرطوم ومدني هو دليل قاطع على التقسيم. فضلا عن ذلك ان المؤتمر الأخير الذي انعقد في الثاني والعشرين من فبراير بالعاصمة الكينية نيروبي لبعض الحركات المسلحة وبعض القوي السياسية التي انقسمت من تقدم، عملت على تنفيذ هذا المشروع وذلك من خلال توقيعها على ميثاق السودان التأسيسي حيث ان هذا الميثاق أيضا ظاهره الوحدة الا ان المعني الخفي لهذا الانفصال هو الانفصال والتقسيم حيث انه وصف الوحدة بالوحدة الطوعية، والتي فيما معناها الانفصال عن طريق الاستفتاء كما حصل في الخطوة الاولي لجنوب السودان. هذا بالإضافة الي نصه بالحق في تقرير المصير في حالة عدم تطبيق العلمانية.

أخيرا الا يستحق هؤلاء التكريم من قبل برناد لويس؟ .

 

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. من تحليلك……. عقلية و قراءة انهزامية …. بنفس سياق التحليل انت وقعت في ما يريده لك ويخطط له المستعمر وبنيت علي احداثيات وفرضيات ما خطط له مسبقا …

    1. شكرا للتعليق. ولكن هذا ليس تحليل كما ذكرت.بل هذه وقائع وسرد تاريخي، والغرض من هذا السرد هو لفت الانتباه لتدارك ماخطط له المستعمر

  2. طيب يا مسكين ، إذا أولئك يستحقون التكريم من قبل برناد لويس ، ماذا عن النخب الشمالية الأسلاموعروبية التي لها نصيب الأسد في دفع بعض الشعوب السودانية في إعتبار أن الإنفصال هو الحل الوحيد لما يًسمى بجمهورية السودان. الم يفتح الله عليك بشئ من السخرية أو النصح لهم؟

    1. كلهم يستحقون التكريم بما فيهم النخب الشمالية، والمقال لم يستثني احد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..