مقالات وآراء سياسية

تيار التغيير الجذري في السودان-الإشكالية الأيديولوجية والعزلة السياسية

زهير عثمان حمد

 

الثورة والبحث عن البديل الجذري بعد الإطاحة بنظام البشير عام 2019م ، برز تيار التغيير الجذري كواحد من أهم القوى السياسية التي سعت إلى تفكيك نظام الحكم القديم وإعادة بناء الدولة وفق رؤية ثورية ترفض التعايش مع العسكر أو القوى التقليدية. لكن رغم مشاركته الفاعلة في الثورة، يواجه هذا التيار – المرتبط عضوياً بالحزب الشيوعي السوداني وحلفائه – أزمات بنيوية تعكس تناقضات اليسار الراديكالي في سياق مجتمعي معقد.

 

الأسس الأيديولوجية لتيار التغيير الجذري : الماركسية والواقع السوداني

يعتمد التيار على خطابٍ ماركسي لينيني يُركز على :

 

تفكيك الدولة الطبقية: بإسقاط الهياكل العسكرية والأمنية المهيمنة منذ الاستعمار.

 

محاربة الرأسمالية الطفيلية : عبر تصفية نفوذ كبار الموالين للنظام السابق الذين يتحكمون في الاقتصاد.

 

إعادة توزيع السلطة: عبر دعم المجالس الشعبية ولجان المقاومة كبديلٍ عن المركزية البيروقراطية.

 

لكن هذه الشعارات تصطدم بواقعين:

 

الانفصال عن اللغة الشعبية: فالمصطلحات الماركسية (مثل “الصراع الطبقي”، “الهيكلة المادية”) تبقى غريبة على مجتمعٍ تغلب عليه الثقافة الدينية والتركيبة القبلية.

 

التبسيط المفرط للأزمات: إذ يُختزل انهيار السودان في “الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية”، بينما تتشابك الأزمة مع عوامل إثنية وإقليمية ودولية.

 

الإشكالية السياسية : بين التشدد الثوري وعزلة التسويات

رفض التفاوض مع العسكر : يرفض التيار أي حوار مع قادة الجيش أو قوات الدعم السريع، معتبراً أن التسويات السياسية “خيانة للثورة”. هذا الموقف عزّز من شعبيته لدى الشباب الثوري، لكنه حوّله إلى طرفٍ خارج المعادلة السياسية الفعلية، خاصة بعد توقيع اتفاقيات إقليمية (مثل اتفاق جوبا) دون مشاركته.

 

الانقسام داخل القوى المدنية : أدى التشدد الأيديولوجي للتيار إلى صدام مع تحالفات “قوى الحرية والتغيير” التي تتبنى نهجاً براغماتياً، مما فتح الباب أمام العسكر لاستغلال هذه الانقسامات.

 

غياب البرنامج العملي : رغم تشخيصه الدقيق لفساد النظام القديم، يفتقر التيار إلى خطة واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، مثل كيفية تعويض خدمات الدولة المنهارة أو مواجهة اقتصاد الحرب الذي تديره الميليشيات.

 

الإعلام والخطاب : الماركسية كعقبة أمام التواصل الجماهيري

الإعلام النخبوي : يعتمد التيار على منصات التواصل الاجتماعي وندوات النخبة المثقفة، بينما تُهيمن القوى التقليدية (الإسلاميون، العسكر) على الإذاعات والقنوات التلفزيونية التي يتابعها عموم السودانيين، خاصة في الريف.

 

اللغة الأكاديمية المعقدة : خطاب التيار مليء بمصطلحات مثل “الديالكتيك المادي” و”الاستغلال الرأسمالي”، والتي تتناقض مع لغة الشارع البسيطة المليئة بالمطالب اليومية (الخبز، الوقود، الأمن).

 

الماركسية كـ”تابو” اجتماعي : في مجتمعٍ يرى في الماركسية إرثاً غربياً معادياً للدين، يصعب على التيار تجاوز هذه الصورة دون تبني خطابٍ ديني أو ثقافي مُدمج، كما فعلت قوى إسلامية سابقاً بدمج الشريعة مع الخطاب الاجتماعي.

 

المستقبل هل يمكن تحويل التنظير إلى فعل سياسي؟

خيار التكيف مع الواقع : يحتاج التيار إلى إعادة صياغة خطابه بلغةٍ تلامس الهم اليومي (مثل مكافحة الفقر، دعم التعليم المجاني)، بدلاً من التركيز على الشعارات الثورية المجردة.

 

التحالف مع القوى المحلية : قد يُعيد التيار اكتشاف قوته إذا تحالف مع تنظيمات مهنية (مثل اتحادات الأطباء، المعلمين) ولجان المقاومة التي تمتلك قاعدة شعبية، شرط أن يقدّم نفسه كداعم لمطالبها لا كقائد أيديولوجي.

 

الاستثمار في الإعلام الشعبي: تطوير منصات إعلامية بلغات محلية وبلهجات سودانية، والاستفادة من الفنون الشعبية (كالغناء، المسرح) لنقل الأفكار دون الوقوع في فخ التلقين الأيديولوجي.

 

مراجعة الموقف من التسويات : قد يُعيد التيار حساباته إذا أدرك أن رفضه المطلق للتفاوض يخدم العسكر، الذين يستفيدون من انقسام المدنيين ليبقوا مهيمنين على المشهد.

 

الخاتمة : الثورة الجذرية أم الإصلاح التدريجي؟

تيار التغيير الجذري يقف عند مفترقٍ وجودي إما أن يظل سجين خطابه الأيديولوجي، مُقتصراً على تأثيرٍ رمزي في أوساط النخب والطلاب، أو أن يخوض مغامرة التحول إلى قوة جماهيرية عبر تبني لغةٍ جديدةٍ توفق بين المبادئ الثورية وواقع المجتمع السوداني. المشكلة أن هذا التحول يتطلب مراجعةً جذريةً لليسار السوداني نفسه، الذي ظل لعقودٍ يعتقد أن “الصواب الأيديولوجي” كافٍ لقيادة التغيير، بينما التاريخ يُثبت أن الثورات الناجحة هي تلك التي تعرف كيف تُحوّل الشعارات إلى خبزٍ وحرياتٍ ملموسة .

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ورغم كل ذلك يظل هو الطرح الامثل للخروج من الازمات السودانية

    اها الحزب الشيوعي تطير عيشته يلا شوفوا لينا حل بدون الحزب الشيوعي لازمات الحرب والفقر والمرض أكان عندكم

  2. ولدنا زهير اها جيتك تاني
    اقول ليك اي حل ما يوافق عليه الحزب الشيوعي رغم ضعف الحزب التنظيمي ما بمشي لي قدام لانو اي حل ما بصب في مصلحة الجماهير القوى التانية ما عايزاهو. وحتى لو الكيزان والعسكر فرضوا سلطتهم بالقوة ما بقدموا حل.والدليل خمس وتلاين سنة ونحن مكانك سر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..