ود بريمة حارس أصيل .. ود بريمة ما ليهو مثيل

هلال وظلال
عبد المنعم هلال
ـ بهذه العبارات كانت إحدى المغنيات تصف الحارس العملاق حامد بريمة الذي لم يكن مجرد حارس مرمى بل فناناً يعزف أجمل الألحان في صد الهجمات وإنقاذ مرماه من أخطر الكرات.
ـ هلاليتي لا تمنعني من الكتابة عن الراحل حامد بريمة حارس المريخ والمنتخب الوطني، وأحد أفضل الحراس الذين أنجبتهم الكرة السودانية فقد كان نموذجاً للحارس المميز بمهاراته العالية وردود أفعاله السريعة وقيادته الحكيمة داخل الملعب فضلاً عن نقاء معدنه وأخلاقه الرفيعة التي أكسبته احترام الجميع داخل المستطيل الأخضر وخارجه.
ـ بريمة كتب اسمه بحروف من ذهب في سجلات كرة القدم السودانية والأفريقية ورفع راية السودان عالياً في المحافل القارية قبل أن يرحل عن الدنيا في 23 أبريل 2023م بعد أسبوع واحد فقط من اندلاع الحرب في البلاد وكأنه لم يشأ أن يرى الوطن الذي أحبه وهو يمزق بفعل نيران السياسة الذي طالما رفع رايته وتغنى بنشيده الوطني باسم الرياضة.
ـ ولد حامد بريمة في حي الصحافة منبع النجوم ذاك الحي العريق الذي أهدى الكرة السودانية العديد من الأفذاذ في كرة القدم حيث برزت أسماء على سبيل المثال لا الحصر مثل سعد زكريا والراحل هاشم عز الدين الذي انتقل إلى رحمة الله قبل أيام بالقاهرة وعادل العوني والتاج محجوب وبكري علد الجليل وعبدالمجيد جعفر وغيرهم من اللاعبين الذين كانوا من أبرز نجوم الكرة العاصمية والسودانية قاطبة. بدأ بريمة مسيرته الكروية كحارس مرمى شاب يتميز بطول القامة والمرونة الكبيرة مما لفت الأنظار إليه سريعاً ليتجه لأحد طرفي القمة السودانية ويصبح الحارس الأساسي لنادي المريخ والمنتخب السوداني.
ـ عندما غادر حارس المريخ الطيب سند إلى الإمارات وجد بريمة نفسه في منافسة قوية ليكون الحارس الثاني خلف الهادي سليم لكنه سرعان ما أثبت جدارته وأصبح الخيار الأول لحراسة مرمى المريخ ومنذ تلك اللحظة لم ينظر إلى الخلف بل واصل تحطيم الأرقام وإبهار الجماهير بمستوياته الاستثنائية ومهاراته الفذة في حراسة المرمى.
ـ شهدت مباراة كأس دبي الذهبي أمام الزمالك المصري واحدة من أعظم لحظات بريمة حيث تصدى لركلتي جزاء وسجل بنفسه الركلة الحاسمة ليقود المريخ للفوز على فريق مصري كان يعج بالنجوم وهذه المباراة عززت من مكانته كأحد أعظم الحراس وبلا شك هو من ضمن أعظم حراس المرمى تاريخ السودان وأفريقيا.
ـ بريمة أفضل حارس مرمى في أفريقيا في عصره حيث تم اختياره ضمن أفضل عشرة لاعبين أفارقة من قبل مجلة فرانس فوتبول العالمية.
ـ تم اختياره ضمن منتخب العرب كأفضل حارس مرمى وهو إنجاز لم يحققه إلا القليل من الحراس الأفارقة.
لقبه الصحفيون التونسيون بـ(صقر أفريقيا) بعد أدائه البطولي في مباراة المريخ أمام الترجي التونسي التي انتهت بفوز المريخ 2-1.
الصحافة الكينية وصفته بـ(القط) لما يتمتع به من مرونة وخفة في التصدي للكرات الصعبة.
ـ أمضى بريمة 14 عاماً في حماية عرين المريخ ومنتخب السودان مقدماً أداءً ثابتاً وراسخاً جعل منه أحد أعمدة الفريق.
ـ عمل مدرباً لحراس المرمى في نادي الوكرة القطري حيث نقل خبرته للأجيال القادمة.
ـ لم يكن بريمة مجرد حارس مرمى بل كان لاعباً متكاملاً بمهارات فنية مذهلة وفي دورات ومهرجانات حي الصحافة كان يلعب كمهاجم أو لاعب وسط ويمتاز بسرعة فائقة ومراوغات مدهشة مما جعله محط إعجاب الجميع ولم يكن هناك منازع له في التحكم بالكرة وكان يضاهي المهاجمين في دقة التصويب على المرمى.
ـ بعيداً عن المستطيل الأخضر كان حامد بريمة شخصية استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى لا تفارق الابتسامة وجهه وكان رجلاً ودوداً مرحاً كريماً حاضراً في كل المناسبات مشاركاً في الأفراح والأتراح محبوباً من الجميع. لم يكن مجرد نجم كروي بل كان نجماً في المجتمع السوداني بأسره.
ـ الهلالاب أحبوه قبل المريخاب رغم أنه حرمهم من الانتصارات فقد كان الصخرة التي تتحطم عليها آمال الهلالاب في كثير من المباريات إلا أن جماهير الهلال كانت تكن له احتراماً كبيراً ووداً خاصاً فقد كان خصماً شريفاً رياضياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولم يكن يوماً مثيراً للجدل أو طرفاً في أي صراعات خارج الملعب فهو الأقرب لقلوب جماهير الهلال من بين كل لاعبي المريخ.
ـ بريمة كان صاحب طرفة وروح مرحة ومن المواقف الطريفة التي ارتبطت به قصة ضياع دبلة مصطفى النقر خلال إحدى دورات شرق ووسط إفريقيا للمنتخبات عام 1979م. في تلك البطولة كان أداء المنتخب سيئًا للغاية حيث حقق نتائج مخيبة وتذيل الترتيب كما تلقى هزيمة قاسية أمام تنزانيا بنتيجة 4-0 تحت قيادة المدرب هاشم ضيف الله رحمه الله وخلال إحدى المباريات فقد مصطفى النقر دبلة خطوبته فقرر العودة إلى أرضية الملعب بعد نهاية اللقاء برفقة حامد بريمة والجيلي عبد الخير وهواري للبحث عنها. توجه النقر والجيلي مباشرة إلى منطقة الجزاء للتفتيش هناك لكن حامد بريمة لم يفوت الفرصة لإطلاق تعليق ساخر فنادى عليهم قائلاً (هوي يا جماعة ..! إنتو بتفتشوا الدبلة وين ..؟! تعالوا فتشوا هنا في نص الميدان إنتو أصلاً ما دخلتو خط 18 عشان تفتشوا في الصندوق ..!) .
ـ رحل حامد بريمة في صمت تام ورحيله كان خسارة فادحة لكرة القدم السودانية التي فقدت واحداً من أعظم حراسها عبر التاريخ.
ـ حامد بريمة أسطورة من الصعب ان تتكرر فهو لم يكن مجرد حارس مرمى بل كان أيقونة كروية وأحد أعمدة الكرة السودانية واسمه سيظل خالداً في ذاكرة عشاق الكرة فقد كان آخر أساطير الحراسة في السودان ويستحق تاريخه تدويناً مستقلاً في سفر خاص يخلد إنجازاته وبطولاته في معلقات ومجلدات.
رحم الله حامد بريمة وجعل مثواه الجنة.
رحم الله الحارس العملاق حامد بريمة رحمة واسعة وادخله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وشكرا استاذ عبدالمنعم على هذه الاضاءة الرائعة. فعلا حامد بريمة كان رمز رياضي سوداني نفخر به جميعا. الف رحمة ونور عليه وعلى جميع موتانا وموتى المسلمين.
‘تستحق الشكر والإشارة
وكل عام وانت بالف خير
الذي صاحب توقيع ميثاق «تأسيس» بين «قوات الدعم السريع» وعدد من الحركات والشخصيات الحزبية والمدنية في نيروبي الشهر الماضي، أعلن أول من أمس عن توقيع هذه المجموعة على ورقة دستور انتقالي ينص على العلمانية، وتشكيل جيش جديد قوامه «قوات الدعم السريع»، وإعادة تقسيم البلد إلى 8 أقاليم ومنحها حق تقرير المصير في حالات معينة. غابت الأجواء الاحتفالية لأن حكومة الرئيس الكيني ويليام روتو أثارت غضب واحتجاج السودان، وواجهت انتقادات داخلية من سياسيين وناشطين رفضوا احتضانها لاجتماعات «قوات الدعم السريع» وحلفائها بسبب سجل هذه القوات في الانتهاكات، ولأن استضافة الاجتماعات في نيروبي تؤسس لسابقة خطيرة في دعم مجموعات تسعى لتشكيل حكومة موازية، ما يعني انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة أخرى وبما يتعارض مع كل المواثيق الدولية والإقليمية. الواقع أن «طبخة نيروبي» برمتها تبدو وكأنها محاولة لإعطاء زخم لـ«قوات الدعم السريع» والتغطية على الهزائم المتلاحقة التي تلقتها ومعها فقدت مواقعها في الجزيرة وكل وسط البلاد والمناطق الأخرى في تخوم الشرق والجنوب، ثم في الخرطوم، حتى لم يتبقَّ لها سوى رقعة سيطرتها في دارفور وجيوب في كردفان. ومع هذه الهزائم تحركت قيادة «الدعم السريع» مع داعميها لكسب حلفاء جدد وتحديداً الحركة الشعبية (شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور. وبينما نجحت الجهود مع الأول وفق شروطه، فإنها ظلت متعثرة مع الثاني. ومع تهافت قيادة «قوات الدعم السريع» وحلفائها ومحاولتها كسب الحلو بأي ثمن، فإنه فرض شروطه ووضع بصماته واضحة في وثائق نيروبي. فإضافة إلى أفكاره في موضوع العلمانية الذي ظهر كمعلم أساسي في ورقة الدستور، ظهرت بصمته في النص المتعلق بإعادة تقسيم ولايات السودان وتوزيع بعض المناطق. وما إن انتشر أن ورقة الدستور تضمنت إلغاء ولاية غرب كردفان وتوزيع محلياتها بين ولايتي شمال وجنوب كردفان (التي سيصبح اسمها إقليم جبال النوبة)، حتى تفجرت أزمة وارتفعت احتجاجات من أبناء غرب كردفان. ورقة الدستور الانتقالي هذه يفترض أن تعقبها خطوة تشكيل الحكومة الموازية التي يقولون تارة إنها لتسهيل الخدمات للمواطنين في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وتارة أخرى يقولون إنها لمنازعة الشرعية مع الحكومة القائمة الآن، ثم يخرج بعض أنصارها ليقولوا إنها نواة لسودان جديد يقوم على أنقاض ما يسمونه دولة 56 (أي دولة الاستقلال). لا أدري ما هي الشرعية التي يريد أنصار الحكومة الموازية الاستناد إليها؟ هل التدمير والقتل والاغتصاب والنهب وتشريد المواطنين من بيوتهم يعطي مشروعية؟ حتى الحديث عن منازعة الشرعية لا يقف على ساقين إذا أخذنا في الاعتبار المناظر المتكررة من مناطق مختلفة للشعب الذي يهتف «جيش واحد… شعب واحد»، ويحتفل كلما تحررت منطقة من سيطرة «الدعم السريع». في هذا الصدد يمكن ملاحظة أنه في الوقت الذي كانت فيه مجموعة نيروبي توقع ورقة دستورها الانتقالي، كان الفريق عبد الفتاح البرهان يشارك في القمة العربية الطارئة في القاهرة ممثلاً للسودان وبصفة رئيس مجلس السيادة، ورئيس الحكومة التي يتعامل معها العالم، بما يعني أن أي حكومة موازية لن تجد اعترافاً. وقد بادرت دول عدة من بينها السعودية ومصر وقطر والكويت والأردن والصومال وتركيا إلى إعلان رفضها لمثل هذه الحكومة الموازية، بينما أعربت أميركا وبريطانيا والأمم المتحدة عن قلقها من أي محاولات تعقد الأزمة وأكدت دعمها لسيادة السودان ووحدة أراضيه. يبقى أن دارفور ذاتها التي راج أن طبخة نيروبي تريد سلخها في مشروع لتقسيم السودان، ليست كلها تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» أو موالية لها، وستقبل بحكومتها. فـ«الدعم السريع» تاريخه ملطخ بالدماء في دارفور، وجرائم دفن أبناء المساليت أحياء ليست بعيدة عن الأذهان، ولا قتل أبناء عدد من أبناء مكونات بعينها، وهو ما شهدت عليه المنظمات الدولية، ودفع عدداً من الدول إلى إدانة هذه القوات بجرائم ضد الإنسانية، والإبادة والتطهير العرقي. أضف إلى ذلك أن هناك عدداً من حركات ومجموعات دارفور تصطف ضد «الدعم السريع» وتقاتل في صفوف الجيش. الواقع أن الحكومة الموازية إن رأت النور لن تحقق الاختراق الذي يأمل فيه أصحاب فكرتها، ولن تجد الاعتراف الذي تحلم به. أهم من ذلك فهي لن توقف زحف الجيش إن لم تزده إصراراً على انتزاع بقية المناطق والتعجيل بنقل المعركة إلى مناطق سيطرة الدعم السريع في دارفور. يبقى أنه إذا كانت هناك من فائدة لطبخة نيروبي، فهي أنها كشفت المستور ووضعت آخر الأوراق على الطاولة. الآن تمايزت الصفوف، وظهرت حقيقة ودوافع مَن يدعم، ومَن يستضيف، ومَن يمول، ومَن يؤيد المؤامرة على السودان، وهي مؤامرة في طريقها إلى الهزيمة مع تقدم الجيش وحلفائه، واصطفاف الشعب، أو فلنقل غالبيته خلفه في هذه المعركة المصيرية عثمان ميرغني في أجواء بعيدة تماماً عن الصخب الاحتفالي الذي صاحب توقيع ميثاق «تأسيس» بين «قوات الدعم السريع» وعدد من الحركات والشخصيات الحزبية والمدنية في نيروبي الشهر الماضي، أعلن أول من أمس عن توقيع هذه المجموعة على ورقة دستور انتقالي ينص على العلمانية، وتشكيل جيش جديد قوامه «قوات الدعم السريع»، وإعادة تقسيم البلد إلى 8 أقاليم ومنحها حق تقرير المصير في حالات معينة. غابت الأجواء الاحتفالية لأن حكومة الرئيس الكيني ويليام روتو أثارت غضب واحتجاج السودان، وواجهت انتقادات داخلية من سياسيين وناشطين رفضوا احتضانها لاجتماعات «قوات الدعم السريع» وحلفائها بسبب سجل هذه القوات في الانتهاكات، ولأن استضافة الاجتماعات في نيروبي تؤسس لسابقة خطيرة في دعم مجموعات تسعى لتشكيل حكومة موازية، ما يعني انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة أخرى وبما يتعارض مع كل المواثيق الدولية والإقليمية. الواقع أن «طبخة نيروبي» برمتها تبدو وكأنها محاولة لإعطاء زخم لـ«قوات الدعم السريع» والتغطية على الهزائم المتلاحقة التي تلقتها ومعها فقدت مواقعها في الجزيرة وكل وسط البلاد والمناطق الأخرى في تخوم الشرق والجنوب، ثم في الخرطوم، حتى لم يتبقَّ لها سوى رقعة سيطرتها في دارفور وجيوب في كردفان. ومع هذه الهزائم تحركت قيادة «الدعم السريع» مع داعميها لكسب حلفاء جدد وتحديداً الحركة الشعبية (شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور. وبينما نجحت الجهود مع الأول وفق شروطه، فإنها ظلت متعثرة مع الثاني. ومع تهافت قيادة «قوات الدعم السريع» وحلفائها ومحاولتها كسب الحلو بأي ثمن، فإنه فرض شروطه ووضع بصماته واضحة في وثائق نيروبي. فإضافة إلى أفكاره في موضوع العلمانية الذي ظهر كمعلم أساسي في ورقة الدستور، ظهرت بصمته في النص المتعلق بإعادة تقسيم ولايات السودان وتوزيع بعض المناطق. وما إن انتشر أن ورقة الدستور تضمنت إلغاء ولاية غرب كردفان وتوزيع محلياتها بين ولايتي شمال وجنوب كردفان (التي سيصبح اسمها إقليم جبال النوبة)، حتى تفجرت أزمة وارتفعت احتجاجات من أبناء غرب كردفان. ورقة الدستور الانتقالي هذه يفترض أن تعقبها خطوة تشكيل الحكومة الموازية التي يقولون تارة إنها لتسهيل الخدمات للمواطنين في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وتارة أخرى يقولون إنها لمنازعة الشرعية مع الحكومة القائمة الآن، ثم يخرج بعض أنصارها ليقولوا إنها نواة لسودان جديد يقوم على أنقاض ما يسمونه دولة 56 (أي دولة الاستقلال). لا أدري ما هي الشرعية التي يريد أنصار الحكومة الموازية الاستناد إليها؟ هل التدمير والقتل والاغتصاب والنهب وتشريد المواطنين من بيوتهم يعطي مشروعية؟ حتى الحديث عن منازعة الشرعية لا يقف على ساقين إذا أخذنا في الاعتبار المناظر المتكررة من مناطق مختلفة للشعب الذي يهتف «جيش واحد… شعب واحد»، ويحتفل كلما تحررت منطقة من سيطرة «الدعم السريع». في هذا الصدد يمكن ملاحظة أنه في الوقت الذي كانت فيه مجموعة نيروبي توقع ورقة دستورها الانتقالي، كان الفريق عبد الفتاح البرهان يشارك في القمة العربية الطارئة في القاهرة ممثلاً للسودان وبصفة رئيس مجلس السيادة، ورئيس الحكومة التي يتعامل معها العالم، بما يعني أن أي حكومة موازية لن تجد اعترافاً. وقد بادرت دول عدة من بينها السعودية ومصر وقطر والكويت والأردن والصومال وتركيا إلى إعلان رفضها لمثل هذه الحكومة الموازية، بينما أعربت أميركا وبريطانيا والأمم المتحدة عن قلقها من أي محاولات تعقد الأزمة وأكدت دعمها لسيادة السودان ووحدة أراضيه. يبقى أن دارفور ذاتها التي راج أن طبخة نيروبي تريد سلخها في مشروع لتقسيم السودان، ليست كلها تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» أو موالية لها، وستقبل بحكومتها. فـ«الدعم السريع» تاريخه ملطخ بالدماء في دارفور، وجرائم دفن أبناء المساليت أحياء ليست بعيدة عن الأذهان، ولا قتل أبناء عدد من أبناء مكونات بعينها، وهو ما شهدت عليه المنظمات الدولية، ودفع عدداً من الدول إلى إدانة هذه القوات بجرائم ضد الإنسانية، والإبادة والتطهير العرقي. أضف إلى ذلك أن هناك عدداً من حركات ومجموعات دارفور تصطف ضد «الدعم السريع» وتقاتل في صفوف الجيش. الواقع أن الحكومة الموازية إن رأت النور لن تحقق الاختراق الذي يأمل فيه أصحاب فكرتها، ولن تجد الاعتراف الذي تحلم به. أهم من ذلك فهي لن توقف زحف الجيش إن لم تزده إصراراً على انتزاع بقية المناطق والتعجيل بنقل المعركة إلى مناطق سيطرة الدعم السريع في دارفور. يبقى أنه إذا كانت هناك من فائدة لطبخة نيروبي، فهي أنها كشفت المستور ووضعت آخر الأوراق على الطاولة. الآن تمايزت الصفوف، وظهرت حقيقة ودوافع مَن يدعم، ومَن يستضيف، ومَن يمول، ومَن يؤيد المؤامرة على السودان، وهي مؤامرة في طريقها إلى الهزيمة مع تقدم الجيش وحلفائه، واصطفاف الشعب، أو فلنقل غالبيته خلفه في هذه المعركة المصيرية عثمان ميرغني في أجواء بعيدة تماماً عن الصخب الاحتفالي الذي صاحب توقيع ميثاق «تأسيس» بين «قوات الدعم السريع» وعدد من الحركات والشخصيات الحزبية والمدنية في نيروبي الشهر الماضي، أعلن أول من أمس عن توقيع هذه المجموعة على ورقة دستور انتقالي ينص على العلمانية، وتشكيل جيش جديد قوامه «قوات الدعم السريع»، وإعادة تقسيم البلد إلى 8 أقاليم ومنحها حق تقرير المصير في حالات معينة. غابت الأجواء الاحتفالية لأن حكومة الرئيس الكيني ويليام روتو أثارت غضب واحتجاج السودان، وواجهت انتقادات داخلية من سياسيين وناشطين رفضوا احتضانها لاجتماعات «قوات الدعم السريع» وحلفائها بسبب سجل هذه القوات في الانتهاكات، ولأن استضافة الاجتماعات في نيروبي تؤسس لسابقة خطيرة في دعم مجموعات تسعى لتشكيل حكومة موازية، ما يعني انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة أخرى وبما يتعارض مع كل المواثيق الدولية والإقليمية. الواقع أن «طبخة نيروبي» برمتها تبدو وكأنها محاولة لإعطاء زخم لـ«قوات الدعم السريع» والتغطية على الهزائم المتلاحقة التي تلقتها ومعها فقدت مواقعها في الجزيرة وكل وسط البلاد والمناطق الأخرى في تخوم الشرق والجنوب، ثم في الخرطوم، حتى لم يتبقَّ لها سوى رقعة سيطرتها في دارفور وجيوب في كردفان. ومع هذه الهزائم تحركت قيادة «الدعم السريع» مع داعميها لكسب حلفاء جدد وتحديداً الحركة الشعبية (شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور. وبينما نجحت الجهود مع الأول وفق شروطه، فإنها ظلت متعثرة مع الثاني. ومع تهافت قيادة «قوات الدعم السريع» وحلفائها ومحاولتها كسب الحلو بأي ثمن، فإنه فرض شروطه ووضع بصماته واضحة في وثائق نيروبي. فإضافة إلى أفكاره في موضوع العلمانية الذي ظهر كمعلم أساسي في ورقة الدستور، ظهرت بصمته في النص المتعلق بإعادة تقسيم ولايات السودان وتوزيع بعض المناطق. وما إن انتشر أن ورقة الدستور تضمنت إلغاء ولاية غرب كردفان وتوزيع محلياتها بين ولايتي شمال وجنوب كردفان (التي سيصبح اسمها إقليم جبال النوبة)، حتى تفجرت أزمة وارتفعت احتجاجات من أبناء غرب كردفان. ورقة الدستور الانتقالي هذه يفترض أن تعقبها خطوة تشكيل الحكومة الموازية التي يقولون تارة إنها لتسهيل الخدمات للمواطنين في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وتارة أخرى يقولون إنها لمنازعة الشرعية مع الحكومة القائمة الآن، ثم يخرج بعض أنصارها ليقولوا إنها نواة لسودان جديد يقوم على أنقاض ما يسمونه دولة 56 (أي دولة الاستقلال). لا أدري ما هي الشرعية التي يريد أنصار الحكومة الموازية الاستناد إليها؟ هل التدمير والقتل والاغتصاب والنهب وتشريد المواطنين من بيوتهم يعطي مشروعية؟ حتى الحديث عن منازعة الشرعية لا يقف على ساقين إذا أخذنا في الاعتبار المناظر المتكررة من مناطق مختلفة للشعب الذي يهتف «جيش واحد… شعب واحد»، ويحتفل كلما تحررت منطقة من سيطرة «الدعم السريع». في هذا الصدد يمكن ملاحظة أنه في الوقت الذي كانت فيه مجموعة نيروبي توقع ورقة دستورها الانتقالي، كان الفريق عبد الفتاح البرهان يشارك في القمة العربية الطارئة في القاهرة ممثلاً للسودان وبصفة رئيس مجلس السيادة، ورئيس الحكومة التي يتعامل معها العالم، بما يعني أن أي حكومة موازية لن تجد اعترافاً. وقد بادرت دول عدة من بينها السعودية ومصر وقطر والكويت والأردن والصومال وتركيا إلى إعلان رفضها لمثل هذه الحكومة الموازية، بينما أعربت أميركا وبريطانيا والأمم المتحدة عن قلقها من أي محاولات تعقد الأزمة وأكدت دعمها لسيادة السودان ووحدة أراضيه. يبقى أن دارفور ذاتها التي راج أن طبخة نيروبي تريد سلخها في مشروع لتقسيم السودان، ليست كلها تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» أو موالية لها، وستقبل بحكومتها. فـ«الدعم السريع» تاريخه ملطخ بالدماء في دارفور، وجرائم دفن أبناء المساليت أحياء ليست بعيدة عن الأذهان، ولا قتل أبناء عدد من أبناء مكونات بعينها، وهو ما شهدت عليه المنظمات الدولية، ودفع عدداً من الدول إلى إدانة هذه القوات بجرائم ضد الإنسانية، والإبادة والتطهير العرقي. أضف إلى ذلك أن هناك عدداً من حركات ومجموعات دارفور تصطف ضد «الدعم السريع» وتقاتل في صفوف الجيش. الواقع أن الحكومة الموازية إن رأت النور لن تحقق الاختراق الذي يأمل فيه أصحاب فكرتها، ولن تجد الاعتراف الذي تحلم به. أهم من ذلك فهي لن توقف زحف الجيش إن لم تزده إصراراً على انتزاع بقية المناطق والتعجيل بنقل المعركة إلى مناطق سيطرة الدعم السريع في دارفور. يبقى أنه إذا كانت هناك من فائدة لطبخة نيروبي، فهي أنها كشفت المستور ووضعت آخر الأوراق على الطاولة. الآن تمايزت الصفوف، وظهرت حقيقة ودوافع مَن يدعم، ومَن يستضيف، ومَن يمول، ومَن يؤيد المؤامرة على السودان، وهي مؤامرة في طريقها إلى الهزيمة مع تقدم الجيش وحلفائه، واصطفاف الشعب، أو فلنقل غالبيته خلفه في هذه المعركة المصيرية
حامد بريمه كان أسطورة بمعنى الكلمه
الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته