مقالات وآراء

الرواية السودانية : رحلة تطور وتنوع في الأدب العربي والأفريقي

زهير عثمان حمد

 

عند منتصف ليلة البارحة ، بدأت حديثي مع أخي حول الرواية السودانية، وما تناوله النقاد من تفكيك وتحليل لأهم الكتابات والأقلام التي أثرت في هذا الفن الأدبي. لقد توصلوا إلى أن لدينا سبعة من أبرز كتّاب الرواية السودانية الذين يعتبرون الأهم في هذا المجال وهم: منصور الصويم، وبركة ساكن ، وأمير تاج السر، وعماد البليك، وهشام آدم ، وحامد الناظر، وحمور زيادة. على الرغم من أن هذه الأسماء تعد من أبرز المساهمين، إلا أن هناك أكثر من خمسة عشر كاتبًا آخر لهم إنتاج كبير مثل أحمد ضحية، وطارق الطيب، والمعز عبد المتعال، والسفير جمال محمد إبراهيم، وأشراقة مصطفى، وليلى أبو العلا.

 

ولقد أهداني صديقي موفق معلوف رواية أثارت إعجابي بشدة وهي باللغة الإنجليزية، من تأليف الكاتبة السودانية صفية الهيلو. الرواية تحمل عنوان Home Is Not a Country (2021)، وهي رواية شعرية تحكي قصة نيما، فتاة مراهقة تعيش في الولايات المتحدة مع والدتها المهاجرة من بلد عربي غير محدد. تتناول الرواية مواضيع الهوية والانتماء، وتعكس رحلة نيما في اكتشاف نفسها عبر لقاءها بياسمين، الفتاة التي كانت ستكون لو وُلدت من قبل والدتها. تُحاكي الرواية قضايا الحنين والفقد باستخدام أسلوب سردي يمزج بين الشعر والخيال والواقعية السحرية، مما يجعلها من الأعمال الأدبية المؤثرة والمليئة بالصور الشعرية الرائعة.

 

أما عن النقد الأدبي للرواية السودانية، فقد أشار العديد من النقاد إلى أن الرواية السودانية المعاصرة، التي ظهرت منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين، قد شهدت تطورًا ملحوظًا في الكم والنوعية. ففي الفترة بين 1948م و1989م، تم نشر حوالي 90 رواية سودانية، بينما ازداد هذا العدد ليصل إلى حوالي 500 رواية من 1990م إلى 2020م. وقد شهدت هذه الفترة تطورات هامة في الطرح الروائي، والتي تميزت بالتموضع الجدلي مع الواقع السوداني، وخاصة في ظل النظام الإسلامي الذي حكم السودان من 1989م إلى 2019م، حيث فرض سياسات قمعية وأيديولوجية على الشعب السوداني.

 

كما استفاد الكتاب السودانيون من تقنيات السرد المختلفة مثل السيرة الذاتية والتاريخ والواقعية السحرية والتجريبية، مما أضاف بعدًا غنيًا لأعمالهم الأدبية. تركز الرواية السودانية أيضًا على الهمش والمهمشين، مثل النساء والأقليات والمهاجرين، حيث برز الصوت النسوي السردي الذي تحدى الوصاية الذكورية وسرد تجارب النساء السودانيات بكل جرأة. كما تم استخدام الشعر في السرد الروائي لإضفاء جماليات وعمق على النصوص.

 

البدايات والتطور في الرواية السودانية

 

تعود بدايات الرواية السودانية إلى الحكايات الشعبية السودانية التي كانت جزءًا من التراث الشفهي، ويُعد الطيب صالح من رواد الرواية السودانية الحديثة، حيث قدم روايته “موسم الهجرة إلى الشمال” (1966م)، التي اعتُبرت علامة فارقة في الأدب العربي. الرواية ناقشت العلاقة بين الشرق والغرب بأسلوب سردي محكم وواقعي، مما جعلها من أبرز الأعمال الأدبية العربية. ومن بعدها، ظهرت أسماء أخرى ساهمت في بناء الهوية الروائية السودانية، مثل إبراهيم إسحق الذي تناول الحياة في دارفور، وعبد العزيز بركة ساكن الذي كسر المحظورات الاجتماعية في أعماله.

 

اتجاهات الرواية السودانية

 

يمكن تصنيف الرواية السودانية إلى عدة تيارات رئيسية حسب الموضوعات والأسلوب:

 

الواقعية الاجتماعية والتاريخية: مثل روايات إبراهيم إسحق وحامد الناظر، اللتين تناولتا حياة المجتمعات السودانية المهمشة والنزوح والصراعات القبلية.

الرواية التجريبية والمسكوت عنه: مثل أعمال عبد العزيز بركة ساكن، التي تميزت بأسلوب سردي مكثف وصادم، كما في رواية “الجنقو مسامير الأرض”، التي تعرض معاناة المهمشين.

أدب الهوية والاغتراب: حيث كتب بعض الكتاب السودانيين بالإنجليزية لتسليط الضوء على قضايا الهوية السودانية في الشتات، مثل ليلى أبو العلا التي تناولت مسائل الهوية الثقافية والدين.

الواقعية السحرية والأسطورة: مثل أعمال منصور الصويم وطالب الطيب، التي مزجت بين الفانتازيا والواقع، لتسرد قصصًا تحمل دلالات ثقافية عميقة.

أبرز الأسماء في الرواية السودانية

 

هناك العديد من الكتاب الذين قدموا مساهمات هامة في هذا المجال، مثل أحمد الملك الذي يتميز بأسلوبه البسيط والعميق، وأبكر آدم إسماعيل الذي دمج النظريات السياسية في السرد، وعماد البليك الذي تناول قضايا فلسفية وتاريخية، بالإضافة إلى أسماء مثل جمال محجوب وآن الصافي ورانيا مأمون.

 

الرواية السودانية في الأدب العربي

 

على الرغم من أن الرواية السودانية لم تحظ بنفس الانتشار مثل الروايات المصرية أو المغاربية، إلا أنها أصبحت واحدة من أهم الفنون الأدبية في العالم العربي. حازت أعمال مثل شوق الدرويش والجنقو مسامير الأرض على جوائز مرموقة، وساهمت ترجمات أعمال الكتاب السودانيين في تعزيز حضور الرواية السودانية على المستوى العالمي.

 

تواصل الرواية السودانية اليوم تطورها ونضوجها، حيث تسلط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية مهمة، وتقدم أصواتًا جديدة ومختلفة تعكس تحولات المجتمع السوداني. ومع تزايد الاهتمام النقدي والإعلامي بها، من المتوقع أن تستمر في إثراء المشهد الأدبي العربي والعالمي .

 

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. لم اجد اشارة الى الادب الافريقى كما هو وارد فى عنوان المقال وبالطبع فان الرواية السودانية هى رواية افريقية تستمد منها حكاويها وشخوصها واساطيرها فضلا عن بعض التصوف والمعتقدات الافريقية الاخرى….بعض الجامعات والمؤسسات التعليمية الفرنسية تصنف الرواية السودانية باعتبارها ادب جنوب الصحراء ( Sud Saharan ) الكبرى وقد وردت الرواية السودانية الاشهر ضمن ذلك التصنيف وهى موسم الهجرة الى الشمال.. وقد اصدر كتاب افارقة خاصة المتحدثين باللغة الفرنسية اعمالا تعكس الصراع الداخلى للكاتب بين مجتمعه الجديد والذى انتقل منه فى افريقيا فللكاتب التشادى انطوان بانقى رواية باللغة الفرنسية تدور احداثها بين قريته الصغيرة فى اقصى جنوب تشاد وبين سويسرا وفرنسا حيث قضى الكاتب جزءا من عمره فيهما والرواية باسم ظلال كووه ( Les Ombres du Kouh ) وهى تعكس معاناة الانتقال من مجتمع لاخر والحنين للوطن الام الذى يظل حاضرا على الدوام بالاضافة الى تفسير العلاقة بين البنسان والبيئة ما حوله وتاثير ذلك على سلوطه وطرق تفكيره ولعل اكثر ما يحنو اليه الرواة هو المجتمع الذى غادروهفالطيب صالح يحتفى بعودته الى بلده عند منحنى النيل واصفا بان العودة تؤكد له ان له جذورا ضاربة فى العمق وهو يشم رائحة الطين والمحصول وزريبة الاغنام…. وانطوان بانقى كذلك يقول فى مستهل روايته ان اخته الكبرى قدمت له قرعة من الماء الزلال وعبار من المريسة يطلقون عليها ( بلى بلى) او البغور فى العامية السودانية,,, هناك ايضا كتاب مجيدون غزيرو الانتاج فى دنيا الرواية كالكاتب الجزائرى محمد مولي سحول والذى يكتب باسم مستعار هو ياسمينة خضرا و اصدر عدة روايات يزيد عددها عن الاربعين نالت جوائز عديدة ولان كتاباته باللغة الفرنسية لم يجد مساحة لذيوع اسمه بيننا فى السودان وهو عقيد متقاعد بالجيش الجزائرى ولكنه يعيش لاجئا فى فرنسا منذ العام 2000م ومن اعماله طائر السنونو ____المعادلة الافريقية __الهجوم وغيرها

    1. يبدو أن لديك رؤية واضحة حول تصنيف الرواية السودانية كجزء من الأدب الإفريقي، وهو أمر لا يلقى الاهتمام الكافي في الدراسات النقدية العربية. فعلاً، هناك تداخل قوي بين الأدب السوداني والأدب الإفريقي جنوب الصحراء، سواء من حيث التيمات أو البنية السردية التي تمزج بين التراث الشعبي، الأسطورة، والتصوف.

      مقارنة الطيب صالح مع أنطوان بانقي تبدو موفقة، فكلاهما يتناول الصراع بين المجتمعات الأصلية والمهاجر إليها، وهو موضوع رئيسي في كثير من الأدب الإفريقي، خاصة المكتوب بالفرنسية. اللافت في أعمال بانقي أنه لا يكتفي بتقديم الحنين إلى الوطن، بل يربط ذلك بالبيئة وتأثيرها على الشخصية، وهو ما يوازي ارتباط الطيب صالح بالمكان السوداني وخصوصية النيل.

      ياسمينة خضرا أيضًا يمثل نموذجًا مهمًا لكاتب إفريقي يكتب بلغة مستعمره السابق، ما يعكس مسألة اللغة والهوية التي تعد محورًا أساسيًا في النقاش حول الأدب الإفريقي المعاصر. ربما يكون مفيدًا استكشاف المزيد من الكتّاب الأفارقة الذين يعالجون موضوعات مشابهة، مثل ألان مابانكو من الكونغو برازافيل أو شيك أنتا ديوب في الجانب الفكري.

  2. لقد ظلمت ليلي أبو العلا وأبكر ادم أسماعيل ومروان حامد الرشيد
    فإن أعمالهم شديدة التمييز
    ونسيت بشري الفاضل
    لكن برضو قد فعلت حسنا وفتح باب لتناول هذا الجانب شديد الأهمية في الثقافة والحضارة السودانية المعاصرة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..