مقالات وآراء
جينا يا بابنوسة لتمسحي من حناجرنا العويل

عبد الله علي إبراهيم
لا أعرف كلمة في حب الوطن والمدينة قاربت كلمة يوسف عبد المنان في حب بابنوسة وهي في مرمى الأوغاد. وبابنوسة، التي مررت عليها مروراً، عندي مثل كسلا. قلت مرة إني لم أزر كسلا حتى تاريخه ذاك ولكنها المدينة التي لم اغادرها لأنني ابن ختمية صميمة. وبابنوسة كذلك. لم أرها ولم أغادرها أبداً أيضاً لأنني ابن سكة حديد صميم.
ليس من بين زملاء شلتي في نادي الوادي في عطبرة من لم ينفق بعض عمره خادماً للسكة الحديد فيها.وتدخل في أنسنا كما تدخل أم درق والشعديناب واوربي والباوقة. ولا أعرف من رأى خطر هذه المدينة مثل الناظر بابو نمر. قال إنه من ما مر القطر من جهتنا إلى بابنوسة عرفت أن الإدارة الأهلية إلى زوال طال الزمن أو قصر.
كتب عبد المنان يقول عن البابنوسة:
بابنوسة المدينة المثقفة تكتب الشعر وتقرأ الروايات، وتشجع ريال مدريد وبرشلونه، وتعرف ليفربول وتغني مع حمد الريح إلى مسافرة، وتقرا لبدر شاكر السياب تولستوي ومكسيم جوركي، وتضرب حسناواتها الدلوكه، متين ياربي تاني تلمنا.
وهي رئاسة السكة حديد القطاع الغربي، مدينة عمالية تمردت على الطائفية وعرفت الحزب الشيوعي وعرفت البعث العربي من صلاح الدين البيطار إلى مشيل عفلق، وانتظمت في مدرسة التيار الإسلامي، واحبت سيد قطب، وحفظ اسلاميوها أشعار محمد إقبال، وهاشم الرفاعي..
نعم. بابنوسة مدينة مثقلة بالعلم وممتلئة بالثقافة، والتمرد والعصيان، والفراسة والرجولة والكبرياء، ترفض ان تبيع نفسها للملشيا التي تقاتل من أجل مملكة مصنوعة من بقايا الأشياء الساقطة.
29 يناير 2024م
29 يناير 2024م
وكتبت هذه الكلمة في 2012 أعزي نفسي أن بلدنا ولود ذو صحوات ربما لم يحسن تقديرها من أثقلوا علينا بيأس منه.
وددت لنعاة السودان أن يتنسموا عبير النبأ الطيب الفاح من رياه.
فقد الجمتني الدهشة لكتاب كثيرين في المهاجر سقموا الوطن و”قنعوا” من خير فيه طالما حكمته الإنقاذ. وترخصوا. وقَبلوا أن تنتقص أطرافه بقوة أجنبية في كتابات نافدة الصبر يائسة يتبارى الكاتبون بحثاً لها عن عنوان طريف ونبأ خاسر. وبطل عندهم الوطن من فرط ما ذهبت الإنقاذ برجاحتهم وحلت عقدة رباطة جأشهم.
ومن ضفة الوطن الأخرى المُنتظر يأتينا النسام.
بثت الأسافير قبل أيام أغنية جديدة في حب الوطن لطارق الأمين. وقد وصف طارق أغنيته بنفسه. فهي مثل الأم التي “تمسح من حناجرنا العويل”، أو بعض تلك الأنامل التي “ترسم صورة الوطن الجميل”. لقد رثى لنا للمرارات تحتوينا وتسهدنا “الغنيوات الحزينة”. وجعل من هذه المرثية لازمة في الأغنية بغير تهافت. فالأغنية مشرقة بالسودان كشمسه في كبد السماء. فالبلد محروسة:
نحن ما الشعب السوداني
المهذب، المثقف، العزيز
جينا يا مدينة
ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. فإن جار الزمان تجرعنا غصصه بالأغنية والتهاليل:
نحن من تلك المعاني الراكزة من شعر الخليل
جينا يا مدينة
ونحن: عشاق الأغاني يلا يا رشا ياكحيل
جينا يا مدينة
نحن مداح الخلاوي البضوو الدنيا ليل
جينا يا مدينة
والتعزي ب”الحقيبة” والأمل مما أبدع في تصويره المرحوم زين العابدين الهندي في أوبريته العظيم عن الوطن. فقد خص، من غير سابقة، أغنية الحقيبة و”صعاليكها”، بمقطع مؤثر لولههم بالسودان يتفصد له الفؤاد وتندى العين. وهذا سلاح المستضعف ينهض به من رماد هزائمه.
ومن نسّام الوطن أيضاً خبر تكوين جماعة “عمل” الثقافية بالخرطوم. ودشنت حضورها بمحاضرة قيمة من البروفسير منتصر الطيب ثم أقامت معرضاً تشكيلياً. ولكن مناسبتها الفاقعة هي معرضها “مفروش” لبيع الكتاب المستعمل وتبادله في يوم 28 مايو الماضي. تداعى له أصحاب مفروشات الكتب من أنحاء الولاية. وجاء العشرات يحملون كتبهم يبادلونها الآخرين. وانعقد السوق بمقهى الأتينية في السوق الأفرنجي. وحفته الموسيقي. وشهد الحضور عرض برجوكتور عن أعمال الفنان عمر خيري من إعداد علياء سر الختم. وأعجبتني خاطرات رندا سر الختم حول معرض الكتاب. قالت لم يكن “مفروش” عن الكتاب مهما قلنا عن جوعنا له في اقتصادنا الفالت. كان بالأحرى شغفاً بالزمالة. كان احتفاءً غامضاً، كما قالت، غلب على وجوه المنظمين. كانت الكتب مفروشة على أرفف ابتساماتنا (كلام نادر وهو كلام المستقبل). لا فرق بين كتاب وصديق ولا بين صديق وكتاب. وهذا سحر الزمالة عاد بي نحو ثلثي قرن حين رأينا “مدينة أبادماك الثقافية” تخرج سلسة من بين أيدينا وثنايا الجمهور في أرض حديقة المقرن كما لم نتصور ونحن نعد لها العدة.
هذه هي السعادة بالعودة من الغيهب. فتفتح عيونك المصادرة على رفيق في الدرب وخطراً جديداً. وفهمت عن كثب قول مامون التلب:” سلام يا براق ياخي كان يوم عجيب والناس فرحت، وأنا فرحت فرح شديد؛ لي زمن ما فرحت كده.”
طلب عبد الله محمد الطيب “أبو سفة”، وهو من القائمين بأمر “عمل”، أن يقول الناس للفنان أحسنت متى أحسن. وقال إن البحتري طلب ذلك: “قولوا أحسنت. لماذا لا تقولون أحسنت. فو الله لقد أحسنت”. وأقول لطارق وأبو سفة ورندا وعلياء والتلب وأنس: “فو الله لقد احسنتم” ومسحتم عن حناجرنا العويل. نحن جينا.
ومن ضفة الوطن الأخرى المُنتظر يأتينا النسام.
بثت الأسافير قبل أيام أغنية جديدة في حب الوطن لطارق الأمين. وقد وصف طارق أغنيته بنفسه. فهي مثل الأم التي “تمسح من حناجرنا العويل”، أو بعض تلك الأنامل التي “ترسم صورة الوطن الجميل”. لقد رثى لنا للمرارات تحتوينا وتسهدنا “الغنيوات الحزينة”. وجعل من هذه المرثية لازمة في الأغنية بغير تهافت. فالأغنية مشرقة بالسودان كشمسه في كبد السماء. فالبلد محروسة:
نحن ما الشعب السوداني
المهذب، المثقف، العزيز
جينا يا مدينة
ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. فإن جار الزمان تجرعنا غصصه بالأغنية والتهاليل:
نحن من تلك المعاني الراكزة من شعر الخليل
جينا يا مدينة
ونحن: عشاق الأغاني يلا يا رشا ياكحيل
جينا يا مدينة
نحن مداح الخلاوي البضوو الدنيا ليل
جينا يا مدينة
والتعزي ب”الحقيبة” والأمل مما أبدع في تصويره المرحوم زين العابدين الهندي في أوبريته العظيم عن الوطن. فقد خص، من غير سابقة، أغنية الحقيبة و”صعاليكها”، بمقطع مؤثر لولههم بالسودان يتفصد له الفؤاد وتندى العين. وهذا سلاح المستضعف ينهض به من رماد هزائمه.
ومن نسّام الوطن أيضاً خبر تكوين جماعة “عمل” الثقافية بالخرطوم. ودشنت حضورها بمحاضرة قيمة من البروفسير منتصر الطيب ثم أقامت معرضاً تشكيلياً. ولكن مناسبتها الفاقعة هي معرضها “مفروش” لبيع الكتاب المستعمل وتبادله في يوم 28 مايو الماضي. تداعى له أصحاب مفروشات الكتب من أنحاء الولاية. وجاء العشرات يحملون كتبهم يبادلونها الآخرين. وانعقد السوق بمقهى الأتينية في السوق الأفرنجي. وحفته الموسيقي. وشهد الحضور عرض برجوكتور عن أعمال الفنان عمر خيري من إعداد علياء سر الختم. وأعجبتني خاطرات رندا سر الختم حول معرض الكتاب. قالت لم يكن “مفروش” عن الكتاب مهما قلنا عن جوعنا له في اقتصادنا الفالت. كان بالأحرى شغفاً بالزمالة. كان احتفاءً غامضاً، كما قالت، غلب على وجوه المنظمين. كانت الكتب مفروشة على أرفف ابتساماتنا (كلام نادر وهو كلام المستقبل). لا فرق بين كتاب وصديق ولا بين صديق وكتاب. وهذا سحر الزمالة عاد بي نحو ثلثي قرن حين رأينا “مدينة أبادماك الثقافية” تخرج سلسة من بين أيدينا وثنايا الجمهور في أرض حديقة المقرن كما لم نتصور ونحن نعد لها العدة.
هذه هي السعادة بالعودة من الغيهب. فتفتح عيونك المصادرة على رفيق في الدرب وخطراً جديداً. وفهمت عن كثب قول مامون التلب:” سلام يا براق ياخي كان يوم عجيب والناس فرحت، وأنا فرحت فرح شديد؛ لي زمن ما فرحت كده.”
طلب عبد الله محمد الطيب “أبو سفة”، وهو من القائمين بأمر “عمل”، أن يقول الناس للفنان أحسنت متى أحسن. وقال إن البحتري طلب ذلك: “قولوا أحسنت. لماذا لا تقولون أحسنت. فو الله لقد أحسنت”. وأقول لطارق وأبو سفة ورندا وعلياء والتلب وأنس: “فو الله لقد احسنتم” ومسحتم عن حناجرنا العويل. نحن جينا.
يستقل حمدوك من رئاسة الوزارة كفعل رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم والخليفة ولكنه بقي رهينة في بيت الانقلاب عليه ليعود رئيس وزراء لثورة مختلفة، أو ثورة مضادة لو شئت. فأملت عليه هذه الفئة برنامجها كما أذاعته طويلا تاس م يستقل حمدوك من رئاسة الوزارة كفعل رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم والخليفة ولكنه بقي رهينة في بيت الانقلاب عليه ليعود رئيس وزراء لثورة مختلفة، أو ثورة مضادة لو شئت. فأملت عليه هذه الفئة برنامجها كما أذاعته طويلا. فقبل حمدوك و رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم منها منطق الانقلاب عليه نفسه. فالاتفاق* الذي تم التوقيع عليه “تأسس” بصورة مطلقة على قرارات القائد العام رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم في ٢٥ أكتوبر وهي التي أراد بها خروج البلاد من عنق زجاجة دولة حمدوك الأولى. ولم يكتف الإملاء على تضمين الاتفاق كل برنامج قوى الثورة المضادة فحسب، بل كانت هذه القوى وحدها الحضور في حفل التوقيع لتشهد توقيع حمدوك على عقد إذعانه مع رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم فأرضى عقد الإذعان نظارات الشرق وعمده قاطعي الطريق للميناء بذكره استحقاق شرقهم المعاملة التفضيلية مقرونا بالتأكيد على حاكمية الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية. من جهة أخرى، أمن الاتفاق قوى الثورة المضادة في وجوب فك احتكار ٤ طويلة (قحت) للسياسة في الانتقالية بدعوته رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم لتعديل الوثيقة الدستورية لتشمل المتظلمين (وما بهم داء) من هذا الاحتكار. كما تضمن الاتفاق خطة تكوين حكومة “الكفاءات الوطنية المستقلة” بل حكومة “التكنوقراط” كما يهذي بالعبارة التوم هجو مع أنها ليست في نص الوثيقة الأصلي أو المعدل. وتستغرب هذه الخطة من الحركات المسلحة الحليفة للبرهان وهي التي عدلت هذا النص بسحب “مستقلة” لأن الاستقلال فارقهم. وجاء الاتفاق بمضغة الثورة المضادة المستهلكة وهي قيام الانتخابات في موعدها، لا كاستحقاق دستوري، بل ليعرف أهل رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم قحت حجمهم الحقيقي. وغازل الاتفاق الإدارة الأهلية والطرق الصوفية وكثير منها كالطيب الجد من حلفاء العسكر بذكرها ضمن القوى التي سيشملها اتفاق سياسي منتظر.
وعليه لم يبالغ من قال إن اتفاق الأمس “شرعن” الانقلاب بدلاً من إلغائه بالعودة إلى ما قبل ٢٥ أكتوبر ومحو آثاره.
ونواصل
*كان لي تقدير إيجابي أكثر للاتفاق بعد إذاعته تداولته مع بعض المعارف قبل أن أجلس إلى شياطين رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم تفاصيله.. فقبل حمدوك و رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم منها منطق الانقلاب عليه نفسه. فالاتفاق* الذي تم التوقيع عليه “تأسس” بصورة مطلقة على قرارات القائد العام رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم في ٢٥ أكتوبر وهي التي أراد بها خروج البلاد من عنق زجاجة دولة حمدوك الأولى. ولم يكتف الإملاء على تضمين الاتفاق كل برنامج قوى الثورة المضادة فحسب، بل كانت هذه القوى وحدها الحضور في حفل التوقيع لتشهد توقيع حمدوك على عقد إذعانه مع رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم فأرضى عقد الإذعان نظارات الشرق وعمده قاطعي الطريق للميناء بذكره استحقاق شرقهم المعاملة التفضيلية مقرونا بالتأكيد على حاكمية الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية. من جهة أخرى، أمن الاتفاق قوى الثورة المضادة في وجوب فك احتكار ٤ طويلة (قحت) للسياسة في الانتقالية بدعوته رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم لتعديل الوثيقة الدستورية لتشمل المتظلمين (وما بهم داء) من هذا الاحتكار. كما تضمن الاتفاق خطة تكوين حكومة “الكفاءات الوطنية المستقلة” بل حكومة “التكنوقراط” كما يهذي بالعبارة التوم هجو مع أنها ليست في نص الوثيقة الأصلي أو المعدل. وتستغرب هذه الخطة من الحركات المسلحة الحليفة للبرهان وهي التي عدلت هذا النص بسحب “مستقلة” لأن الاستقلال فارقهم. وجاء الاتفاق بمضغة الثورة المضادة المستهلكة وهي قيام الانتخابات في موعدها، لا كاستحقاق دستوري، بل ليعرف أهل رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم قحت حجمهم الحقيقي. وغازل الاتفاق الإدارة الأهلية والطرق الصوفية وكثير منها كالطيب الجد من حلفاء العسكر بذكرها ضمن القوى التي سيشملها اتفاق سياسي منتظر.
وعليه لم يبالغ من قال إن اتفاق الأمس “شرعن” الانقلاب بدلاً من إلغائه بالعودة إلى ما قبل ٢٥ أكتوبر ومحو آثاره.
ونواصل
*كان لي تقدير إيجابي أكثر للاتفاق بعد إذاعته تداولته مع بعض المعارف قبل أن أجلس إلى شياطين رمضان لعمامرة” المبعوث اللوطي الشؤم تفاصيله.
العويل يشبهك