مقالات وآراء

مؤانسة رمضانية (6) عوض أحمد خليفة: تكتم عواطفك …ليه..؟

 

فيصل محمد صالح

لمع عدد من جنرالات الجيش والشرطة في السودان في مجال الشعر والغناء والموسيقى، عرفنا منهم الصاغ محمود أبوبكر شاعر “صه يا كنار” و”إيه يا مولاي إيه” و “زاهي في خدره ما تألم”، والشاعر الطاهر إبراهيم صاحب أغنيات إبراهيم عوض الخالدة .. “عزيز دنياي”..و”يا خاين” ..و”حبيبي جنني”، الموسيقار موسى محمد إبراهيم، عازف البيكلو الاول في السودان، وموزع الملحمة، وملحن “الذكريات” للفنان عثمان مصطفى…وآخرون كثر.

من بين هؤلاء خرج اللواء عوض أحمد خليفة، وهو حالة خاصة في الغناء السوداني، دفق متواصل من المشاعر الحارة لا يتوقف، يتقطر داخل الروح ، وينثر إبداعه بين فنانين من مدارس مختلفة، يجيئك بأصوات ذات أبعاد متنوعة، عثمان حسين وكابلي وعركي وزيدان وإبراهيم عوض…الخ، لكن تظل النكهة واحدة ومميزة.

في قطار متحرك يشق به بلاد “اللندرة” بين إنجلترا واسكتلندا، يجلس وحيدا وحزينا بعد أن بلغه نبأ اتخاذ حبيبته لمسار آخر، يبدأ يدندن بـ”عشرة الايام”..ويصادف وجود عازف جيتار بريطاني، فيعطيه النغمات الاساسية، ثم تنطلق الكلمات…. ” ليه فجأة دون أسباب….من غير عتاب أو لوم، اخترت غيري صحاب…وأصبحت قاسي ظلوم، هان ليك غرامي خلاص…وأنا برضي حولك أحوم، كان عهدي بيك ترعاني …واجمل صلاتنا تدوم، غاية المحبّة سلام” وصنع في رحلته تلك واحدة من أجمل الأغنيات السودانية. كل مقطع في هذه الأغنية ينتهي بحكمة عاطفية، إن صح التعبير ” أمل المحبة سلام..، عمر السنين أيام..”، كما تمتليء الأغنية بالأسئلة الحارقة والموجعة..” ليه فجأة دون أسباب..، وريني إيه ضراك..لو كان صبرت شوية..، وين حسن ظنك بي..، … ولا ثمة إجابات…فقد انتهى كل شئ.

هي أسئلة ليست للإجابة..من الأصل، لكنها لتخفيف الحزن والشجن. وللشاعر الجميل أبو آمنة حامد طرفة جميلة عن هذه الأغنية، فقد زار الجنرال أثناء صلاة العشاء، وتأخر عليه وهو يدعو ويقرأ أوراده، ثم اعتذر لأبو آمنة مبررا أن العمر مضى والذنوب كثيرة، فرد أبو آمنة ” يا جنرال إنت عشرة الايام براها بتدخلك الجنة..” عاش عوض أحمد خليفة قصة حب موحية، حكاها بطريقة مؤثرة في برنامج “تاريخ جميل” الذي كان يعده ويقدمه الإذاعي البارع الشفيع عبد العزيز في إذاعتي المفضلة “إذاعة البيت السوداني- إف إم 100”.

سجل هذا البرنامج تاريخ عدد من الشعراء والفنانين بطريقة مؤانسة لطيفة وخفيفة ومريحة للضيوف، وهي طربقة برع فيها الشفيع الذي اختطفته بلاد نائية وقصية. كانت عشرة الايام نهاية مرحلة انتهت بالفراق الابدي، لكن القلب لا يفتر، فيفتح صفحة جديدة ..ويغني له عثمان حسين مرة أخرى “خاطرك الغالي”.. ” حيران ﺃﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻰ ﺇﻳﻪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﺨﺼﺎﻡ، ﻳﻤﻜﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻰ ﺣﻘﻚ ﺇﺗﻠﻮﻣﺖ ﻓﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻼﻡ، ﻟﻜﻦ ﺩﻩ ﻣﺎ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻳﻜﻮﻥ .. ﺃﻧﺎ ﻗﻠﺒﻰ ﻟﻴﻚ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻐﺮﺍﻡ، ﻣﺎ ﺃﻇﻦ ﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﺍﻟﻬﻮﻱ ﻳﻌﺮﻑ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻼﻡ”…. ثم يتسامى ويتحمل ويرجو خاطر الحبيب…. ” لما ﻧﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺮﺓ ﺗﻌﻤـﻲ .. ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻦ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴــﻘﺔ، أﻭ ﺍﻗـﻮﻝ أﻧﺴﺎﻩ ﺣﺒﻚ ﻭﺍﻛﺘﻢ ﺍشـﻮﺍﻗﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴــﻘﺔ، ﺭﻏﻢ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﻇﻨـﻮﻧﻲ ﺗﺴﻤـﻮ ﻋﺎﻃﻔﺘﻲ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ، ﺍﻫﺪﻱ ﻟﻴﻚ ﺣﺒﻲ ﻭﺳﻼﻣﻲ ﻛﻞ ﻟﺤـﻈﺔ ﻭﻛﻞ ﺩقيقة” … أغنية خاطرك الغالي .

كما غنى عثمان حسين ربيع الدنيا وصدقيني وشتات الماضي.

تنقل عوض أحمد خليفة بين أصوات متعددة في حديقة الغناء السوداني، فغنى له كابلي في وقت مبكر “يا أغلى من عيني..وأحلى من ابتسامي، وأحن من المخنة..في رقة سلامي، يا أصدق مودة عاشت في الضمير، تقاسمني المسرة ..تملأ فؤادي نور، وأنسى معاك صعابي.. يهون أمري العسير، و أقول ليك يا حبيبي غيرك ما في غير” وغنى له “كيف يهون..عندك خصامي” و”ما نسيتنا وخليتنا”.

وغنى للشاعر عوض أحمد خليفة الفنان الكبير عبد العزيز محمد داود، وشرحبيل أحمد، وزيدان إبراهيم “بالي مشغول، في بعدك ياغالي” . وواحدة من أجمل قصائده ” لو كنت ناكر للهوى” غناها أبو عركي البخيت .. ” حاولت اخدع نفسي ياظالم واجرُف حبى ليك..، حاولت امنع نفسى منك وتانى ماامشى واجيك..، ورحلت عنك وعن دياري وهـدمت كُل امل لديك..، وبرضي ماقادر اسيبك لما انساك بشتهيك..، مع كل دفقاتى الحنينة وكل دمعة شوق سجينة.، تهاتي بيك روحى الحزينة واشقى لما تهاتى بيك..، ورينى كيف اغفر وانت اضعت كل آمالى فيك..” رغم تنوع الفنانين الذين غنوا لعوض أحمد خليفة إلا أنه يعتز كثيرا بتجربته مع الفنان عثمان حسين، فهو محب له ولصوته وطريقة أدائه، ويصرح بذلك كثيرا، لهذا منحه أجمل قصائده، وأشركه معه في تجربته العاطفية.

التقى عوض مع الفنان الكبير إبراهيم عوض في أغنية يتيمة لحنها ود الحاوي هي “غاية الآمال” ورغم اختلاف أداء إبراهيم عوض عن الكابلي وعثمان حسين إلا أن نفس عوض أحمد خليفة موجود ومحسوس في هذه الاغنية .. ” يا غاية الآمال… لو دعاك الشوق، ماكان جفيتنا زمان …وانت الحنان والذوق، في عالم الأشواق ..لو مرة عشت معاي، وبلهفة العشاق ..حسيت معانى هواي، كان ياجميل حنيت، ورددت لحن غناي، وسقيتني كأس الريد ..وعادت ليالي هناي، وريني ليه بتخاف، تكتم عواطفك ليه..؟ وحبك مع الأيام ..من قلبي ليك بحكيه، تبخل علي بلقاك.. وعطفك دوام تخفيه…” سلام على الشاعر عوض أحمد خليفة في العالمين.

‫2 تعليقات

  1. كانت اذاعة صوت السودان تبث اغنية ربيع الدنيا باستمرار وقد يتفق معى كثيرون ان الشاعر هنا اعلن للملا حبه لزوجته بفيض من المشاعر الحانية يبدو ان أغلب السودانيين لا يعبرون عنها بهذه القوة والوضوح… ربيع الدنيا احدى درر الاغاني العاطفية السودانية وما يزيدها جمالا هو صوت المبدع الراحل عثمان حسين وقد شحن فيها كل اوتار حنجرته الذهبية تصاحبها موسيقى حالمة خاصة صوت الاكورديون المصاحب..رحم الله الشاعر فربيع الدنيا لوحة من الابداع كلمة ولحنا واداء… فهى اغنية خالدة تظل متالقة ورائعة لا يشعر المستمع باى ملل من تكرار الاستماع لها

  2. عزيزي حياك الله وهذا الدفق من المشاعر السودانية التي نظمها الراحل عوض احمد خليفة منسابة مع سريان نيلنا الخالد ارجعتنا إلى ذلك الزمن الجميل وعشرة الايام وصفاء النفوس وعثمان حسين النهر الثالث وزيدان العباسية وحسان ام در وبحري والسجانة قبل أن تكون الخرطوم غابة من الاسمنت المسلح كما وصفها الراحل منصور خالد طبت وانت تخرجنا من دوي واصوات المدافع

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..