الرد على الوليد آدم مادبو- بين أزمة الخطاب وامتحان العقل

كتب الدكتور الوليد مادبو مقاله الأخير في نقد الأستاذ شوقي بدري، مستخدمًا لغةً مشحونةً بالتقريع، تتداخل فيها الذاتية مع الموضوعية، والنقد مع الاستعداء. غير أن الأزمة هنا ليست في حدّة اللغة فحسب، بل في الطبيعة الاستدلالية التي أسس عليها مقاله، والتي تستدعي وقفةً نقدية تتجاوز الشخصي إلى الكلي، من حيث طبيعة التفكير ومنهجية التحليل.
المغالطة المنهجية الخطاب بين الشخصي والتاريخي
ليس من الحكمة أن يُقرأ الواقع بمسطرة الذات، فتُختزل التناقضات المركّبة في ازدواجية “المهرّج والعالم”، أو “المؤدلج والمستقل”. فالفكر في جوهره ليس مجرد تراكم أسماء أو انتماء أكاديمي، بل هو ميدانٌ مفتوحٌ للجدل الحر والتفاعل المعرفي. حين يجعل الكاتب من ذاته معيارًا للفرز بين “المتطفلين” و”الجادين”، فإنه يقع في مأزق فلسفي عميق: كيف يمكن للعقل أن يكون حكمًا وهو طرفٌ في الخصومة؟
يتخذ مادبو في طرحه موقفًا يتأرجح بين المدافع عن القيم والمحلل البارد، لكنه في جوهر خطابه يستخدم لغةً معياريةً أخلاقية تحاكم الآخر من منطلق ذاتي. وهنا يظهر التناقض: كيف يمكن استدعاء معايير الفكر النقدي، بينما يُمارس الإقصاء والتهكم في ذات اللحظة؟ إن النقد الفلسفي، كما صاغه فلاسفة مثل هابرماس أو ألتوسير، ليس خطابًا يعتمد على الشخصنة، بل هو تفكيكٌ لبنى التفكير وإعادة بناء المفاهيم وفق منطقٍ متماسك، لا وفق انفعالات اللحظة.
إشكالية السلطة المعرفية والاستعراض الخطابي
حين يلجأ الكاتب إلى تعداد الشخصيات التي تتلمذ على أيديها – من طه عبد الرحمن إلى الجابري – فإنه يسعى إلى تأسيس سلطةٍ معرفية قائمة على الانتماء أكثر من البرهان. لكن العلم، كما أشار إليه غاستون باشلار، لا يُكتسب بالانتساب إلى الأسماء، بل بالقدرة على مساءلة الأفكار دون تحصينها بهالةٍ من القداسة. فالسؤال الفلسفي الحقيقي ليس “مع من درست؟”، بل “كيف تفكر؟”، وهذا ما لم يقدمه المقال.
إن استدعاء المرجعيات الفكرية لا يصنع معرفة، بل قد يكون مجرد تمرينٍ خطابي لإضفاء الشرعية على موقفٍ مسبق. ولذلك، فإن الوعي الفلسفي يقتضي تفكيك المسلّمات بدلًا من إعادة إنتاجها في قوالبَ جديدةٍ لا تخرج عن النسق نفسه.
قراءة التاريخ: بين السردية الخطية والتعقيد البنيوي
يتحدث مادبو عن التهميش كمسارٍ امتد لقرنين من الزمان، مصورًا التاريخ بوصفه خطًّا مستقيمًا من القهر والاستعلاء العرقي. غير أن قراءة التاريخ من هذا المنظور تعكس اختزالًا شديدًا لجدلية السلطة والمجتمع، حيث تُختصر الصراعات السياسية والاقتصادية في ثنائية “مضطهِد ومضطهَد”.
إن تحليل التاريخ لا يمكن أن يكون فعلًا انتقائيًا يستدعي فقط ما يخدم موقفًا آنيًا، بل هو عملٌ بنيوي يُعيد تشكيل الوعي وفق تعقيد العلاقات الاجتماعية والسياسية. وكما أشار ميشيل فوكو، فإن السلطة لا تعمل ككيانٍ أحادي، بل تتجلى في أنماطٍ متغيرةٍ من الهيمنة والتفاوض والمقاومة، مما يجعل من أي تفسيرٍ أحادي للتاريخ نوعًا من التبسيط الأيديولوجي الذي يفقده قيمته التحليلية.
ازدواجية الخطاب ومشكلة المعيارية الانتقائية
إن وصف الجيش السوداني بأنه “غير قومي وغير مهني” مع الدعوة لمقاومته، في الوقت الذي يُنتقد فيه الدعم السريع باعتباره فاقدًا للمشروعية، يكشف عن مشكلةٍ معيارية في الخطاب. فإذا كان الجيش يعاني من أزمةٍ بنيوية، فإن الدعم السريع لا يخرج عن كونه تجلّيًا أكثر فجاجةً لنفس الإشكاليات، مما يجعل من غير المنطقي انتقاد أحدهما باعتباره “إرثًا يجب مقاومته”، بينما يُعامل الآخر بوصفه “خطأً تكتيكيًا يجب تصحيحه”.
هنا تبرز إشكاليةٌ فلسفية تتعلق بازدواجية المعايير في الخطاب السياسي: كيف يمكن رفض منظومةٍ كاملة، ثم التعامل مع أحد منتجاتها على أنه “حالة استثنائية” تستحق المراجعة بدلًا من الإدانة المطلقة؟ إن النقد المتماسك لا يكون بالانتقاء، بل بالقدرة على الاحتفاظ بثبات المعايير بغض النظر عن الظرف السياسي.
في البدء كان العقل حاجة السودان إلى خطابٍ متزن
إن الأزمة السودانية اليوم ليست أزمة أشخاص، بل أزمة وعي، حيث يُستبدل النقد العقلاني بالهجوم الشخصي، ويُستبدل التحليل العميق بالسرديات التبسيطية. فحين يتنادى البعض بالألقاب، متناسين جوهر القيم التي يدّعون الدفاع عنها، يكون التاريخ في موقف الحكم، حتى وإن تأخر في النطق بكلمته.
لكن السؤال الذي يظل معلقًا في الهواء- هل ننتظر أن يحكم التاريخ أم نحاول أن نحكم عقولنا قبل أن تصدر الأحكام؟ إن وعي اللحظة يقتضي الخروج من دائرة الشخصنة إلى فضاء النقد الفلسفي، حيث تُختبر الأفكار لا الأشخاص، وتُناقش الخطابات لا الذوات. فالتاريخ قد يكون قاسيًا، لكن العقل أحيانًا يكون أشد قسوة، حين يُطالبنا بأن نكون على مستوى ما ندّعيه من قيمٍ ومبادئ.
كلامك علمى فلسفى وموضوعى ومقنع جدا ،لكن هل سيفهمه وليد مادبو ؟ ادولو فهمه سيقتنع به؟ لا والف لا ،وليد مادبو لا يفهم الا لغة العصا والكرباج. لا تأخذ العبد الا والعصا معه لم تقل الا لمثل وليد مادبو . لقد كان استاذنا شوقى مؤدبا ومهذبا أكثر مما يجب فى مقاله عن الحشرة وليد ما دبو . نأمل أن يصحح استاذنا شوقى مقاله بمقال اخر عن هذا العنصري المتطرف الارهابى الخاوى من العلم والعمل النافع . سنظل فى انتظارك مقاله الجديد الذى ينزل فيه وليد مادبو إلى اسفل سافلين حيث ينبغى أن يكون قابعا .
أنا كنت غير فاهم مواقف دكتور وليد مادبو واقول ممكن انا الغلطان وما قادر افهم فكر وليد مادبو لمحدودية معلوماتي وقصر نظري ولكن رد دكتور وليد مادبو على شوقي بدري أكد شيء واحد هو استمرار وليد مادبو في العمل الانتهازي والوقوف مع الاقوى والقادر على احتوائه واحتواء مصالحه الشخصية دون مباديء يقف عندها و الواضح أن وليد لا يهمه السودان والشعب السوداني في شيء وليس هناك فرق بين وليد مادبو والانتهازي مناوي ومالك عقار وعسكوري ومبارك الفاضل في الجانب الاخر
شكرا يا استاذ وكفيت و استوفيت…. لا تقل لي من انت. بل اريني من انت…. لقد سقط هذا المادبو بل و وصل لحد المهاترات وحقيقة لقد افلس عندما اراد التفنيد و الاستيضاح، اما ذلك البدري فهو ساقط و يسقط كلما كتب وحشاء كتاباتة بالمعلومات المغلوطة و الكذب….. عجبي اذا كان هذا حال من يدعون انهم المستنيرون و رواد فكر فما بال العامة… شكرا لك اخي فخيرا كتبت
استدعاء المرجعيات الفكرية دون الفكر فى رد مادبو على بدرى لم يكن بسبب اثبات انتماء الكاتب مادبو الى هذه المرجعيات انما جاء فى سياق الرد على استدعاء بدرى لخلفية مادبو الاجتماعية وامتيازاته التاريخية. بذلك من يستحق اللوم على ارتكاب هذه المغالطة المنطقية هو بدرى الذى هاجم خلفية مادبو الشخصية بدلا من التركيز على فكره او مواقفه
تري أخي الفاضل ،عل ينفصل تفكير الفرد عن بيئته و وسطه الاجتماعي؟ لا اعتقد ذلك! فهو بلا شك متاثر جدا بقبيلته وفخور بما تقوم به من أعمال بشعة…ترجع الي أكثر من 100 عام..إذ الجنجويد هم ذات الجهادية! لكن في زي مختلف..وبذات العقل المتخلف.
آفة بلادنا هم هؤلاء المثقفين الذين يجدون متعه مابعدها
متعه وهم يحشرون اسماء العديد من الفلاسفه الغربيين في
كتاباتهم ( نظام شوفوني ) للتدليل علي علو ثقافتهم وعلمهم.
ياب شلاليف ياخ لو تنازلت شويه من هذا البرج العالي الذي تسكن فيه وخاطبتنا
من خلاله وانت تعلم اننا بسطاء اولاد بسطاء لم نتلقي من التعليم مثل
ماتلقيت انت بسبب فقر وجهل اهلنا وتجاهلكم لنا انتم المثقفين المتعلمين تعليم عال وراق لو تنازلت حته صغيره قدر عقولنا الصغيره واعتمدت ونسة
الشمشاريات ربما كان بمقدورنا ان نفهم ماترمي اليه وكنا فهمنا وعرفنا من
هم الفلاسفه الخواجات الذين ذكرتهم هابرماس /التوسير او حتي غاستون باشلار.!!
والسؤال الفلسفي الحقيقي بدلا من سؤالك الفلسفي الذي ورد في مقالك حين قلت (ليس مع من درست بل كيف تفكر )الذي فات عليك ان تذكره هو خير الكلام فيما قل ودل ولا خير علي الاطلاق في التعالي علي البسطاء بالاستعراض .
لاأعرف الدكتور الوليد مادبو وان كانت اعظم امانيي ان اعرفه ولكني من خلال متابعة
انتاجه الفكري ولقاءاته عبر الجزيره مباشر لم أجد فيه غير المثقف والاكاديمي السوداني الاصيل والرصين الذي يفخر به كل سودانيه وسوداني لانه أولا وأخيرا غير متعال
أو متكلف اما الاستاذ شوقي بدري الذي نكن له جميعا كل تقدير واحترام فهو سوداني أصيل لاريب ولكنه لايملك أدوات من يريد أن يكون مؤرخا وسر حب الناس
لحكاويه وقصصه يكمن في طريقه سرده للوقائع بالترتيب الذي يحب ان يبرز ويعظم فيه ادوارا كبيره وعظيمه لأسرته آل البدري في تاريخ بلادنا رغم ان احد فينا لم ينكر ابدا ان لهم ككل الأسر السودانيه في كل بقاع السودان دورا في تاريخ وقصة بلادنا.
التحيه والتقدير للاستاذ شوقي بدري وللبروف الوليد آدم مادبو ولك بنات وابناء وطني الغالي الحبيب ولعنة الله علي الكيزان القتله الفجره السفله الفاسدين اولاد الكلب وعلي كل من شايعهم وتحالف معهم ووقف في صفوفهم .
نحو وعي يتجاوز الشخصنة لصالح الوطن
أشكر كل من تفاعل مع المقال، سواءً بالاتفاق أو الاختلاف، فالحوار الفكري هو ما نحتاجه في هذه اللحظات المفصلية من تاريخ بلادنا. ما يجمعنا في نهاية المطاف هو السودان، الوطن الذي يستحق أن نرتقي جميعًا بمستوى نقاشاتنا، متجاوزين الشخصنة والخلافات الفردية إلى فضاء الفكر الحر المسؤول.
قد تكون المواقف السياسية والفكرية مختلفة، لكن من الضروري أن نناقشها بلغة تتجاوز التراشق والتخندق. إن النقد الحقيقي ليس معركة شخصية، بل هو فعل يرتكز على البناء، لا الهدم، وعلى التفكيك العلمي لا التجريح. لذلك، فإن المعركة التي تستحق أن نخوضها جميعًا هي معركة الوعي، معركة إخراج السودان من أزماته عبر خطاب عقلاني ومتزن، خطاب لا يرتهن للحظة الانفعال، بل يستند إلى قيم البحث الجاد والفكر النقدي العميق.
أتمنى أن يكون هذا المقال، وغيره من النقاشات، خطوة نحو تجاوز الاستقطاب الحاد، والانطلاق نحو ما هو أهم: مستقبل الوطن.