
في ذلك الزمان العبق حين كانت الدنيا لذيذة وعزيزة وكانت رايات المشروع الاشتراكي ترفرف تملأ الافئدة والافاق معا وكان المبدعين اليساريين مفتونين ب”جومو” و”سولارا” و”فاطمه” و”مريا” والقضية و”غضبة الهباباي” قبل أن إعلان نعي ذلك الزمان
في ذلك الزمان البهي كتب المبدع الشاعر “كامل عبد الماجد” اغنيته المتفردة تايه الخصل
امانه عليك يا تايه الخصل
ويا خير عم في دروب عمرنا
الضايع هطل
انحنا متين عرفناك
ومتين الكنا
ما دايرنو
يحصل داس مشاعرنا
وحصل
ولعل السياق العاطفي الذي أنجب تلك الاغنية الرائعة يمكن تحويره تماما كما تحورت قحت مرارا علي طريق بيع الثورة بالتقسيط المريح بتعبير أستاذنا الراحل “محمد سليمان” ليكون سياقا سياسيا يصف حال الحزب الشيوعي الذي تاهت خطاه دون أن يتصدي أحد مبدعيه ويكتب(تايه الخطي) بعد أن تعثرت خطي الحزب العتيد علي طريق الثورة واختلطت اوراقه وتبعثرت ما بين التناقض الاساسي والتناقض الثانوي وبات الثوار يتامي وهم الذين تغنوا بحزب الثورة مثلما تغني “كامل عبد الماجد” بالامال التي لا تخيب
ريانه تنضم
نجمة نجمة
مغسولة بعرق السهر
تاهت خطي الثوار الذين تغنوا بحزبهم شدوا ونشيدا ثوريا يملأ الآفاق
حارنك نحنا ودارنك
الما من شعبنا
ما منك عشقا جوانا
اتارنك للشمس
حاتمشى
مبارنك
تلفت الثوار يبحثون عن إجابات للاسئلة الحيري وهم يرون كتاب ومبدعو اليسار يستنكرون حملهم للسلاح دفاعا عن الارض والعرض ومقاومة للمشروع الاستعماري الذي يهدف لتفكيك بلادهم
التي طالما غنوا لها
التي طالما غنوا لها
من حلفا لي نمولي
ومن بارا لي سنكات
بلادهم التي طالما صدحوا لها بالاناشيد
وطن حدادي مدادي
ما بنبنيهو فرادي
طاشت عقول شباب غاضبون وهم يقرأون نقد كتاب اليسار لمشاركتهم الجيش الوطني الذي تريد الإمبريالية تفكيكه في الدفاع عن بلادهم.
تعددت الاسئلة الحيري وشباب الثورة يقرأ ليساري عتيد حمل “غربال الثورة” واسقطهم من بين ثناياه مع التالف لانهم حملوا السلاح دفاعا عن “وطن الجدود” الذي طالما تغنوا باسمه وكتبوا وكذلك رطنوا في ابهي صورة للتنوع وهم يتساءلون ما الثورة أن لم تكن مناهضة الاستعمار وراس المال المعولم والشركات عابرة للقارات التي تدير حربا لنهب موارد البلاد
يا مرحي بشباب”غاضبون” الذين مثلوا قمة الاتساق وخرجوا من تحت تأثير سطوة الخطاب الديني للإسلام السياسي الذي قيد حركة حزب الثورة وكبل خطاه فلم يستطع منه فكاكا حتي حين تداعي وكلاء المستعمر وغزوا البلاد بجيوش عرمرم ليفاوضوا بعد تكسير القوة الصلبة للدولة علي الساحل السوداني موانىء ومعادن وليفرغوا أرض المحنة من السكان بعد تخريب المشروع بعد أن عجز وكلاءهم المحليين سابقا عن تغيير قوانين المشروع وعلاقات الانتاج ولا عزاء للمفكر الخالد وهو يشعل الأوراق في “علاقات الارض” كدابه في” الكتابة أم دق” علي قوله
في هذا الزمان لم يعد الشباب يخشي مغبة منهج التكفير والخروج من الملة الماركسية التي اعتاد حراس المعبد ممارسته فانفض السامر التنظيمي وبقيت الوشيجة الفكرية التي لا يقيدها الخطاب الداخلي فهذا زمان الميديا والوسائط وذلك ذروة ” متغيرات العصر” فهم يدركون جيدا أنه ليس من حزب يعمل في الفضاء العام عصي علي النقد دعك عن حزب رباهم علي فلسفة النقد و”النقد الذاتي” ولم يعد المجال فسيحا كما كان لاقتصار النقد علي الأحزاب الاخري التي اعتادوا أن “يزعطوا صفوها” و”ينتفوا ريشها” وهم بمتشقون سيف الكلم لكل من يقترب من حوش الحزب وكأنهم يمتلكون شهادة بحثه وصك ملكيته حتي عندما يكون النقد مؤسسا وموضوعيا وفات عليهم أنه حزب كسائر
الأحزاب يؤثر سلبا في المشهد العام مثلما يؤثر ايجابا وهو ليس تنظيما سريا خاصا بعضويته ومن حق “جماهير الشعب” أن تكيل له النقد دعك عمن افنوا عمرهم داخله سواء غادروه بمحض ارادتهم أو مرغمين أو “اخرجوا من ديارهم بغير حق”
في هذا الزمان الاغبر الذي شطحت فيه الامبريالية ونطحت ولم تستحي حتي عن التصريح علنا بانها لن تتورع عن تفتيت وتجزأة الدول علي اسس عرقية وطائفية ودينية فاخرجت من اضابير أجهزة مخابراتها أوراق برجينسكي ونفضت عنها الغبار وفرغتها في خارطة برنارد لويس وطغت الإمبريالية وعربدت في ‘السوق” لتطحن”البؤساء” الذين عجزوا حتي عن معرفة الطريق ل”بائعة الخبز” الذي صار “حافيا” ولم يجدوا في محفضة ‘الام” اسم فرطاقة
في هذا الوقت كانت البلاد أحوج ما تكون للحزب الثوري حادي المشروع الاشتراكي والعدالة الاجتماعية ليبصرهم ولو “بالقليل من الوعي” مثلما كان دأب جهابذة المفكرين الذين تعاقبوا علي قيادته لكنهم ظلوا وقد حار بهم الدليل يقرأون لكتاب الحزب وهم يغضون الطرف حتي عن منهج الجدل عندما يتناولون ما يحدث في بلادهم ويرمون باللائمة علي الاسلاميين لوحدهم لا شريك لهم حتي وتتار العصر ومن خلفهم وكلاء المستعمر الاقليميين يدكون الارض دكا ويفتشون عن الديمقراطية في اغشية بكارات “عذاري الحي” ولا عزاء “لفاطنة السمحة” تلك الايقونة التي دافعت عن العذاري حتي من الختان دعك الاغتصاب
في هذه اللحظة من التاريخ كان المأمول من الحزب الطليعي الذي أن يكون كعادته “وسط الجماهير يتعلم منها ويعلمها” بحق وحقيقة فان هذه الجماهير التي يدعوها إلي تنظيم نفسها تطحنها الحرب الضروس التي تشنها الإمبريالية التي تراها الجماهير مجسدة في الغزو الاممي الذي تتعرض لها بلادها والذي اثبتت التقارير والتحقيقات التي اعدتها منظمات دولية موثوقة ضلوع دول وأطراف متعددة فحملت السلاح في ابهي صورة للمقاومة الشعبية التي يسخر منها بعض كتاب اليسار الذين يظنون أنه كان ينبغي علي شباب المقاومة تصفح صفحات فقه” الصراع الطبقي” قبل ان يخوضوا غمار الحرب ويا للعجب
ولا يعنينا الآخرين من الكتبة الذين يستخدمون حبر “ماء الصرف الصحي” ممن يتحدثون عن الثورة بلا مرجعية من نظرية ثورية ومبلغ كسبهم صفحات من كتابات”غرامشى” بشأن الكتلة الحرجة
هذه الجماهير يريد منها بعض كتاب اليسار أن تغض الطرف عن دور وكلاء الاستعمار في هذه الحرب التي جعلتهم اسري المسغبة والفاقة والعوز في دور الايواء والملاجىء في دول الجوار يريد هؤلاء الكتاب من هذه الجماهير أن تصدق سردية اشعال الفلول للحرب وان صحت ويغضون الطرف عن المحفرات والعوامل الخارجية وليخسأ منهج الجدل ويبقي رهن المحبس حتي الفراغ من المعركة التاريخية مع الاسلاميين
لقد ظلت وما زالت هذه الجماهير وحتي البسطاء منها تعرف الحد الفاصل بين ا لدولة الوطن والسلطة فهل تعلم بعض كتاب اليسار منها ذلك؟ هذه الجماهير تعرف فطريا التراكم وان كانت لا تدرك ابعاده الفلسفية وهي تتساءل هل طرح الحل الجذري يقفز فوق هذا دعك عن الادوات والاليات أو الم يكن هناك من ثمة مقاربة نظرية ما بين التغيير الراديكالي والهبوط الناعم؟
الم يكن هناك إمكانية الطريق ثالث؟ من المؤكد أن معين الحزب لم ينضب وبامكانه اجتراح مقاربة تتسم بالواقعية في ظل معطيات تشكل مشهدا شديد التعقيد وهذا ليس عصيا علي حزب يحتشد بثلة من الخبراء الذين يمكن أن يرفدوا قيادة الحزب بانتاج فكري يعيد له البريق الثوري علي الصعيدين السياسي والتنظيمي صحيح أن هذا الالتباس له جذوره المتصلة بالصراع الفكري الذي يمور داخل الحزب عقب انهيار التجربة الاشتراكية وما القته من ظلال علاوة علي التطورات علي المستوي العالمي التي تلت ذلك ومثلما ابتدرنا هذه الكتابة برائعة المبدع “كامل عبد الماجد” كذلك ننهيها
وفي ذات سياق التحوير برائعة المبدع “سبدرات’ “رجعنالك” وانها ولعمري من غرائب الصدف تشابه المبدعين من حيث الخلفية الفكرية أو الموقف اللاحق لا شك أن سياق رجعنالك وان كان يحتمل التاويل إلا اننا لا نجد غضاضة في ايراد النص هنا باعتبار التشابه في الحالة
رجعنالك عشان
تاه الفرح من دارنا
وانت داير فرحنا
رجعنالك عشان ناحت سواقينا
وبكت شتلات قمحنا
رجعنالك عشان يسكت جرحنا
رجعنالك كيف نرفض رجوع القمرة لوطن القماري
وانت واحش نيل وطنا علينا شمته الصحاري
رجعنالك عشان انت الجرف الفيهو شتلات حنه لفرح القبيلة
رجعنالك عشان جرتقنا وسيرتنا وجديله
رجعنالك نغني فرحنا فيك ونقول عديلة
مضحك وجالب للهزوء والشخرية
عندما يكتب الكوز عن الشيوعيين
عندما إنقلب الكيزان علي السلطة الديمقراطية وتحولوا إلي مجرد حرامية
ثم أسقطهم الشعب في ثورته
أصبحوا مكسوري عين لا يستطيعون النظر في عيون الآخرين
تايهين خصل وخطي وضمير وعقل طبعا