مقالات وآراء سياسية

أنماط طرائق التفكير السوداني (١٣)

عوض الكريم فضل المولى

وحسن عبد الرضي

 

المرأة السودانية بين الفقهاء والتقاليد

تُعد مكانة المرأة السودانية موضوعًا غنيًا بالمناقشة، حيث تتداخل فيه التقاليد المحلية والمستلبة مع الفقه الإسلامي السلفي التقليدي والمعاصر الحداثوي، مما يؤثر على أدوارها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

 

ندعو في هذا المقال إلى نقاشٍ أكثر عمقًا ووعيًا حول قضايا المرأة في ظل التفسيرات الفقهية الإسلامية والرؤى التقديمية الحديثة، ومدى تأثيرها على حقوق المرأة عبر التاريخ وحتى اليوم. يثير هذا الموضوع جدلًا واسعًا بين العلماء والمفكرين، حيث يرى البعض أن بعض الفقهاء قد فهموا النصوص الدينية بطريقة أفرزت أحكامًا ظالمة بحق المرأة، بينما يرى آخرون أن المشكلة ليست في الفقه ذاته، بل في الأعراف والتقاليد التي تداخلت معه. هناك من يرى أن الإسلام حرر وكرّم المرأة، سواء من ناحية التنظيم أو العاطفة تجاه الدين أو حقوق الإنسان.

 

يتم تحديد دور المرأة وفقًا لتفسيرات الشريعة الإسلامية، التي تنص على حقوق وواجبات محددة، مثل الحق في التعليم، العمل، الملكية، والمشاركة في الحياة العامة ضمن الضوابط الشرعية. لكن تطبيق هذه الأحكام يختلف باختلاف المدارس الفقهية والثقافات المحلية. اجتهد الفقهاء وفق سياقاتهم الاجتماعية، إلا أن بعضهم تعسّف في التفسير، في حين أن اجتهادات فقهية حديثة أنصفت المرأة.

 

يخلق تنوع العادات والتقاليد بين القبائل والمجتمعات المختلفة في السودان بيئة فريدة تؤثر على وضع المرأة. بعض هذه العادات تدعم تمكينها، مثل دورها في الزراعة، الرعي، الأشغال المنزلية كالحياكة والتطريز، والأعمال اليدوية أو التجارة، بينما تعيقها أخرى، مثل بعض الممارسات التقليدية التي تحد من حريتها أو فرصها في التعليم والعمل، حيث تعكس الأمثال الشعبية هذه القيود مثل: “المرأة كان قرأت القانون لي الكانون” و”المرأة كان بقت فاس ما بتشق الراس”.

 

تم تقييد بعض الحقوق باسم الفقه، مثل حق المرأة في العمل، الميراث، الطلاق، الشهادة، والحركة والتنقل، حيث يتم الاستناد إلى نصوص تحتاج إلى إعادة تفسير حديث، مثل الآية الكريمة: “وقرن في بيوتكن”. كما تأثرت التقاليد والعادات بالفقه، حيث تداخلت معه وأثرت على السياق الاجتماعي الذي كان يهمّش المرأة في قضايا مثل الزواج، الطلاق، ووساطة النزاعات (الجودية).

 

وهنالك الكثير من التحديات التي تواجه المرأة السودانية. ومن أبرز التحديات التي تواجه المرأة السودانية: الزواج المبكر إذ لا تزال بعض التقاليد تشجع على تزويج الفتيات في سن مبكرة دون مشورتهن أو إعطائهن حق الاختيار، مما يؤثر على صحتهن الجسدية والنفسية، وتعليمهن، واستقلاليتهن، وقدرتهن على تنشئة الأجيال القادمة (طفلة تربي طفل). كما أن ختان الإناث، رغم الجهود المبذولة لمحاربته، يمثل أحد هذه التحديات. فلا تزال بعض المجتمعات تمارس هذه العادة، مما يؤثر على صحة المرأة، كرامتها، وحقها في حياة كريمة. ومن التحديات التي تواجه المرأة، المشاركة السياسية والاجتماعية. ورغم وصول بعض النساء إلى مناصب قيادية (مثل آمنة المكي، والي ولاية نهر النيل خلال الفترة الانتقالية الأخيرة)، إلا أن العادات الاجتماعية والقيود القانونية قد تحدّ من فاعلية مشاركتهن. وهناك تحدي التعليم والعمل. حيث لا تزال بعض الأسر تفضّل تعليم الذكور على الإناث أو تحدد للمرأة نمطًا تعليميًا معينًا، بحجة أن هناك تعليمًا خاصًا للمرأة وآخر للرجال، مما يقلل من فرص المرأة في سوق العمل.

 

ولتمهيد السبيل نحو تمكين المرأة السودانية لمواجهة هذه التحديات، تعمل العديد من الحركات النسوية والمنظمات الحقوقية على تعزيز وعي المجتمع بأهمية دور المرأة، وإعادة تفسير النصوص الدينية بما يدعم حقوقها، ومناهضة العادات الضارة. كما أن التغيرات الاجتماعية والسياسية تفتح آفاقًا جديدة لمشاركة المرأة السودانية في مختلف المجالات.

 

ويبقى التحدي في تحقيق التوازن بين احترام التقاليد والتمسك بالقيم الإسلامية، مع ضمان حقوق المرأة وتمكينها لتحقيق التنمية المستدامة في السودان، ماثلاً يحتاج إلى إعمال الفكر والنقاش المستفيض.

 

هذا النقاش لا يعني الطعن في الفقه الإسلامي، بل هو دعوة إلى قراءة أكثر عدلًا وإنصافًا للمرأة، بحيث يتم التمييز بين الدين وأعراف المجتمعات التي أثّرت على فهم النصوص. إن الاجتهاد المستمر والتحديث الفقهي ضروريان لمواكبة العصر، بما يحفظ حقوق المرأة دون الخروج عن المبادئ الأخلاقية والقيم الإسلامية والإنسانية.

 

للتواصل:

 

[email protected]

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..