مقالات وآراء سياسية

الكراهية الاجتماعية المتأصلة في السودان : الأسباب والحلول والدور السلبي للحكومات

د. بخيت أوبي

 

الناظر الى واقع المأساة الإنسانية المستمرة على مدى تاريخ الدولة الوطنية، دولة ما بعد الاستقلال، وما اتسمت بها من مظاهر عدم استقرار سياسي واجتماعي، تخللتها فصول من الحروب والنزاعات العنيفة، وما اتخذتها المركزية المهيمنة من خطابات متطرفة ضد مجموعات اجتماعية أخري في هوامش الدولة، وسياسات الاستيعاب والاقتلاع والاجتثاث الثقافي والحضاري والعرقي. شكلت تلك العوامل مجتمعة بالإضافة إلى فواعل أخري بذرة متجذرة للكراهية الاجتماعية في السودان، إذ تعتبر من المحددات المحركة للنزاعات السياسية التي تبرز على السطح. إذ أن هذه الكراهية الاجتماعية تعد من أبرز التحديات التي تواجه السودان ماضيا وحاضرا ومستقبلا، إذ أنها تتجلي في علاقات الأفراد والجماعات المختلفة، مما يسهم في عدم الاستقرار ويؤدى إلى نشوب الحروب، أن فهم جذور هذه الكراهية الاجتماعية وأسبابها ومحركاتها ودوافعها وغاياتها واتجاهاتها، علاوة على دور الحكومات في تعزيزها وغض الطرف عن تصاعد صوتها وتأثيراتها ، يعد أمرا ضروريا لفهم الوضع الراهن ومؤشرات المستقبل للبلاد.

الكراهية الاجتماعية من حيث الجذور تعود إلى عوامل متعددة تاريخية وثقافية منذ العصور القديمة في مرحلة ما قبل الدولة الوطنية، إذ يمثل السودان مركزا للتنوع العرقي والثقافي الذي يضم الكثير من المجموعات الإثنية والقبائل والأعراق ، ومع ذلك، فإن هذا التنوع لم يعد مصدرا للتعايش السلمي ، بل أصبح في كثير من الأحيان سببا للصراعات والنزاعات ومحركا خفيا للتدافع السياسي، وتفاعلات السيطرة على السلطة والموارد والهيمنة المتعددة الأوجه.

ساهم الاستعمار في تعزيز الفروقات بين المجموعات العرقية عبر سياسة فرق تسد، الذى أدى إلى تفكيك الروابط الاجتماعية وخلفت ظلال سالبة أنتجت قوالب نمطية وتصورات مسبقة، والتفوق المتوهم،.بعد استقلال البلاد لم تفلح الحكومات الوطنية المتعاقبة من معالجة هذه الاختلالات الجوهرية والهيكلية، بل زادت من تفاقمها عبر سياسات تمييزية، الأمر الذى فاقم من اتساع التصدعات في جدران هذه العلاقات، مما شكل عاملا طليعيا من عوامل عدم الاستقرار.

عانت وتعاني العديد من المناطق، وخاصة الأقاليم النائية من تهميش اقتصادي واجتماعي وسياسي، بالإضافة إلى الحروب واسعة النطاق وما لازمتها من مظاهر التشرد والنزوح واللجوء والاعتداءات الجسدية واللفظية، والفقر والعوز والحاجة والاهمال والافلات من العقاب، وانعدام الحماية المنظمة، مما جعل الغالبية العظمي من سكان هذه الأقاليم عرضة للمشاعر السلبية تجاه الحكومات والمجموعات السكانية الأخرى، في ظل هذا الواقع الكئيب يجد الأفراد والجماعات الكراهية وسيلة للتعبير عن غضبهم واستيائهم.

تتسم الحكومات السودانية منذ الاستقلال، بعدم الاستقرار السياسي، وانتشار مظاهر النزاعات المسلحة التي استمرت لعقود، مما فاقم من الكراهية الاجتماعية بين المجموعات العرقية المختلفة داخل الدولة، وتتجلي مظاهرها في الحياة اليومية والفضاء الالكتروني وفي التفاعل الاجتماعي، والخطاب الإعلامي الموجه، ويمكن تلخيص دور الحكومات في تعزيز الكراهية في الآتي :

أ. السياسات التمييزية : اعتمدت الحكومات على سياسات تمييزية واحيانا هيكلية في طابع مؤسسات الدولة وممارساتها السلوكية، مما أدى إلى تعزيز الفروقات بين المجموعات العرقية ، فبدلا من تعزيز الوحدة الوطنية، خلقت هذه السياسات انقسامات عميقة بين المجتمعات، وتجلت في هشاشة تماسك المؤسسات وتأثرها بصورة سلبية بهذه الانقسامات.

ب. استخدام القوة والعنف : استخدمت الحكومات القوة العسكرية ضد المجتمعات المحلية، كما حدث في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان وبعض أجزاء شمال السودان ومن قبل في جنوب السودان، كان له تأثير مدمر على العلاقات الاجتماعية. فقد أدى العنف إلى فقدان الثقة بين المجموعات المختلفة وزيادة مشاعر الكراهية.

ج. فشل الحكومات في تحقيق العدالة: على الرغم من الوعود بتحقيق العدالة والمساواة، فإن الفساد والمحسوبية جعلت من الصعب على الأفراد الحصول على حقوقهم. هذا الفشل في تقديم العدالة أدى إلى الشعور بالإحباط والاستياء، مما عزز من مشاعر الكراهية.وأن الإفلات من العقاب وعدم المحاسبة قد استمرت لعقود في المناطق التي طالتها اثار الحروب، وما زال الكثير من الضحايا ينتظرون منذ عقود انصافهم بالعدالة وارجاع حقوقهم المغتصبة. الأمر الذى يحتاج إلى معالجة جذرية لمسألة العدالة في السودان.

ولا شك من أن تراكم هذا النوع من الكراهية تؤدى إلى نتائج وخيمة من بينها عدم الاستقرار السياسي واندلاع النزاعات المسلحة وتدمير النسيج الاجتماعي.

أن الكراهية الاجتماعية المتطاولة إن لم تجد حلولا جذرية وخطاب وطني متوازن وعدالة ناجزة ومؤسسات مستقلة ومحايدة، ستؤدى إلى عدم استقرار سياسي تتمظهر في تكرار الأزمات السياسية، وفشل الحكومات في تحقيق الوحدة الوطنية ، في ظل التداخلات الخارجية والانقسامات الداخلية والاطماع الدولية. في عصر تجاوزت فيه الصراعات الملكية والحدود الوطنية.

من وجه آخر تتسبب هذه الكراهية في اندلاع النزاعات المسلحة حيث تسعي المجموعات المختلفة إلى الدفاع عن مصالحها وحقوقها، مما يؤدى إلى تفاقم الأزمات الانسانية، الأمر الذى يجعل الباب مواربا أمام التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدولة، وتعقيد طبيعة هذه الصراعات على الارض، مع احتمالات مرجحة للتقسيم والتفكيك ومن ثم ابتلاع البلاد.

ويمكننا القول كذلك أن الكراهية يمكنها أن تؤدى إلى تدمير النسيج الاجتماعي وتفكيك الروابط الأسرية والقبلية، وبروز خطابات جهوية ومناطقية ، وظهور التوترات والانقسامات والمواجهات المسلحة، بالإضافة إلى النزعات الانفصالية والاقصائية.

ما هي الحلول التي يمكنها أن تساهم في تجاوز الكراهية الاجتماعية وتعزيز الاستقرار في السودان؟

لتجاوز الكراهية الاجتماعية في السودان يجب على الحكومة ومنظمات المجتمع المدني العمل معا في النقاط التالية:

أ: تعزيز التعايش السلمي من خلال برامج توعوية وإعلامية وتعليمية موجهة لمخاطبة المشكلة ومعالجتها بطريقة مرنة ومدروسة.

ب: اصلاح السياسات لضمان العدالة المساواة لجميع المواطنين وذلك من خلال تشريعات وقوانين صارمة، مع عدالة ناجزة بواسطة الأجهزة العدلية وجهات إنفاذ القانون بلا محاباة أو محسوبية.

ج: تشجيع الحوار المفتوح بين المجموعات المختلفة لتخفيف التوترات وتعزيز الثقة فيما بينها.

إن الكراهية الاجتماعية المتأصلة في السودان تمثل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق السلام والاستقرار. يتطلب الأمر من الحكومات والمجتمع العمل معًا لمعالجة جذور هذه الكراهية وتعزيز التعايش السلمي بين جميع المجموعات. من خلال ذلك، يمكن للسودان أن يتجه نحو مستقبل أفضل وأكثر استقرارًا.

 

[email protected]

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..