لهيب السلطة : سودان بين مطرقة الحرب وسندان الأمل..!!؟؟

د. عثمان الوجيه
في قلب الخرطوم، حيث يتشابك النيلان، تعود أصداء المعارك لتملأ الأجواء، وتعلن عن فصل جديد في صراع دامٍ، أعلن الجيش السوداني، المنتصر في معركة رمزية، سيطرته على القصر الرئاسي، هذا الصرح الذي شهد تقلبات الحكم، ورمز السلطة في البلاد، أربعة أيام من القتال الضاري، والقصف المدفعي المروع، والإنزالات البرية الجريئة، واجهت مقاومة شرسة من مليشيا “الدعم السريع” المتمردة، تلك المليشيا التي أظهرت تصميمًا على البقاء، مستخدمة المتفجرات والقناصة والطائرات المسيرة، التي أسقطت واحدة منها ثلاثة صحفيين أبرياء، هذا الانتصار، وإن كان رمزيًا، يمثل نقطة تحول في صراع السلطة الذي يعصف بالسودان منذ الإطاحة بنظام البشير في عام 2019م، توازن هش بين المدنيين والعسكر، شراكة تنافسية بين البرهان وحميدتي، انتهت بالإطاحة بحكومة حمدوك، لتفتح الباب أمام صراع دموي لا يزال مستمرًا، عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، موجات من العنف العرقي، أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، مجاعة تلوح في الأفق، جرائم حرب وانتهاكات مروعة، اغتصابات جماعية بشعة، كل ذلك كان ثمنًا لصراع السلطة وثروات البلاد، والذهب الذي يغري الطامعين، تدخلات إقليمية ودولية، الإمارات وتشاد وكينيا تدعم “الدعم السريع”، السعودية ومصر تحاولان الوساطة، إيران وروسيا تسعيان لتعزيز نفوذهما، كل ذلك جعل السودان ساحة لتصفية الحسابات الدولية، مليشيا “الدعم السريع” المتمردة، تسيطر على عدد من ولايات السودان، وتحكم قبضتها على إقليم دارفور، بينما يتقدم الجيش في الخرطوم، ثم يتراجع في ولايات سنار والنيل الأبيض والقضارف، لكن سقوط المالحة يهدد الفاشر، ويقلب موازين القوى، استعادة القصر الرئاسي، انتصار رمزي، لكنه لا يعني نهاية الحرب، سقوط الفاشر يهدد مكاسب الجيش، ومفاوضات سرية تلوح في الأفق، تعكس “توازن ضعف” بين طرفين أرهقوا البلاد وأهلكوا العباد، في هذا المشهد المأساوي، يبقى الأمل معلقًا على عودة العسكر إلى ثكناتهم، وتسليم السلطة إلى المدنيين، لعل السودان يستعيد عافيته، ويخرج من دوامة العنف والدمار، وينعم بالسلام والاستقرار .. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي:- منذ أن حلّ هلال رمضان، قررت أن أنقل مقر إقامتي، ذلك المنفى الاختياري الذي اخترته في أرض الكنانة، من الإسكندرية الصاخبة إلى القاهرة ذات التاريخ العريق، ثلاثة أسابيع مرت وأنا أجرجر أذيال الحزن، حسرةً على تأخري في اتخاذ هذا القرار، لم أكن أتخيل أن أجد في فندقٍ ما، كل هذا الدفء والتقدير، من ملاكٍ ومشغلين ونزلاء، لكنّ ما أسر قلبي حقًا، هو ذلك المطبخ السوداني الأصيل، الذي يديره طاهٍ سودانيّ ماهر، حين علم بمرضي، الذي حرمني من نعمة الصيام، أولاني عنايةً خاصة خلال ساعات النهار، هنا، في هذا الفندق، عرفتُ وجوهًا جديدة، وذاع صيتُ كتاباتي، لكنّهم جميعًا، دون استثناء، وصفوا كلماتي بالسوداوية، ونعتوني بالمحبط، بالأمس، حين أعلن الجيش السوداني عن استعادته للقصر الجمهوري، فاضت روحي فرحًا، وسالت كلماتي على الورق، معبرةً عن هذا الانتصار الرمزي، وما هي إلا لحظات، حتى تجمعت حولي وجوهٌ مألوفة، تسألني عن سرّ تفاؤلي؟ أجبتهم بقلبٍ مثقلٍ بالوجع، لكنه يفيض بالأمل: “أعلم أن السودان يخوض حربًا ضروسًا منذ 15 أبريل 2023م، حربًا ضروسًا بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع المتمردة، حربًا شردت الملايين، وقتلت الآلاف، وقضت على كل ما هو أخضر ويابس في أرضنا الحبيبة، لكنّنا، نحن السودانيين، شعبٌ لا يعرف اليأس، نُؤمن بأن الغد سيكون أفضل، وأن شمس الحرية ستشرق من جديد على ربوع وطننا الحبيب
We, the Sudanese, are a people who do not know despair. We believe that tomorrow will be better, and that the sun of freedom will rise again over our beloved homeland
وعلى قول جدتي:- “دقي يا مزيكا !!”.
خروج:- “ذهب أسود ملطخ بالدماء: ليبيا ودوامة تهريب النفط” ففي قلب ليبيا، تلك الدولة التي تنام على بحر من الذهب الأسود، يتفاقم صراع خفي، صراعٌ يغذي الانقسام، ويُعرقل مسار السلام، ويُثري جيوب المتنفذين على حساب شعبٍ يئن تحت وطأة الفوضى، تقرير صحيفة “فايننشال تايمز” كشف النقاب عن تجارة نفطية غير مشروعة، تجارةٌ تُبقي ليبيا مقسمة، وتُديم نار الصراع، تهريب الوقود المدعوم إلى خارج ليبيا، وبيعه في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، يمثل شريان حياة للفصائل المتنافسة، تلك الفصائل التي تتصارع على السلطة والثروة، وتُعيق جهود الأمم المتحدة لإجراء انتخابات نزيهة، وتوحيد البلاد تحت راية حكومة واحدة، نظام مقايضة مثير للجدل، حيث تُبادل ليبيا نفطها الخام بوقود مكرر، بدلاً من دفع ثمنه نقدًا، يفتح الباب أمام عمليات تهريب واسعة النطاق، وقودٌ مدعوم يُهرَّب إلى الخارج، ليُباع بأسعار السوق الحرة، ويُدرّ أرباحًا طائلة للجماعات المسلحة المتنفذة، حكومة عبد الحميد دبيبة في طرابلس، وإدارة خليفة حفتر في الشرق، كلاهما يستفيد من هذه التجارة المشبوهة، وكلاهما يُعرقل مساعي السلام، ويُعمق جراح الوطن، أموالٌ مشبوهة تُغذي الصراع، وتُعيق جهود مكافحة الفساد، وتُؤجِّل حلم ليبيا الموحدة، تشارلز كاتر، مدير التحقيقات في منظمة “ذا سنتري”، يُشير إلى مفارقة مؤلمة: مناطق بأكملها في ليبيا تعاني من نقص الوقود، بينما حكامها “يبدون راضين عن برنامج مبادلة الوقود الضخم”، النائب العام الليبي، صديق الصور، أمر بوقف هذا البرنامج، لكن هل يعني ذلك نهاية الفساد؟ تقرير الأمم المتحدة يُشير إلى ظهور شركة جديدة، “أركينو”، تُصدّر النفط الخام، وهي أول شركة ليبية خاصة تفعل ذلك، هذه الشركة، التي يسيطر عليها بشكل غير مباشر صدام حفتر، نجل خليفة حفتر، تُصدّر نفطًا بقيمة 483 مليون دولار، في تحدٍ لقرارات مجلس الأمن التي تُخوّل المؤسسة الوطنية للنفط وحدها بتصدير النفط، تهريب الوقود من ميناء بنغازي، وسيطرة الجماعات المسلحة في طرابلس والزاوية على قطاعات اقتصادية حيوية، كلها عوامل تُساهم في إثراء المتنفذين، وتُعمق معاناة الشعب الليبي، مخطط المقايضة، الذي بدأ في عام 2021م، تحوّل إلى بؤرة فساد، حيث يتم استيراد 70% من الديزل في ليبيا عبر هذا النظام، ووفقًا لبيانات “كبلر”، فإن جزءًا كبيرًا من واردات ليبيا يأتي من روسيا، التي تم استبعاد منتجاتها النفطية من الأسواق الأوروبية بسبب الحرب في أوكرانيا، المؤسسة الوطنية للنفط تشتري الوقود المستورد، وتبيعه بأسعار مدعومة للموزعين المحليين، مما يخلق حافزًا لتهريبه إلى الخارج، البنك الدولي يُقدّر خسائر ليبيا بأكثر من 5 مليارات دولار سنويًا نتيجة هذه التجارة غير المشروعة، محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق، صادق الكبير، يُشير إلى أن تكلفة واردات الوقود البالغة 8.5 مليار دولار “تفوق احتياجات البلاد”، وأن الدعم تضاعف ثلاث مرات بين عامي 2021م و2023م، ديوان المحاسبة الليبي بدأ تحقيقًا في هذه العملية، وكشف تقرير غير منشور أن قيمة واردات الوقود بموجب نظام المبادلة بلغت 8.5 مليار دولار في عام 2023م، شركة التجارة التركية “BGN”، التي تديرها رويا بايغان، استلمت 2.7 مليار دولار من النفط الخام بموجب هذا النظام، الشركة تُؤكد التزامها بالامتثال، وتُشير إلى “مخالفات مؤسفة” في تقرير ديوان المحاسبة، رسالة من النائب العام الليبي تُطالب بوقف نظام المقايضة، واعتماد آليات تعاقد شفافة، هل ستكون هذه نهاية لدوامة الفساد؟ هل ستستعيد ليبيا ثروتها المنهوبة، وتُحقّق حلمها بالوحدة والسلام؟ الأيام القادمة وحدها ستُجيب..
#أوقفواـالحرب
ولن أزيد،، والسلام ختام.