مقالات وآراء

فجر الخلاص يلوح في سماء الخرطوم ..!!؟؟

د. عثمان الوجيه

 

منذ الخامس عشر من أبريل لعام ألفين وثلاثة وعشرين، والخرطوم، بل والسودان بأكمله، يئن تحت وطأة حرب ضروس، نارها مستعرة بين سندان الجيش الوطني ومطرقة ميليشيا الدعم السريع المتمردة، لهيبها شرد الملايين، وأزهق أرواح الآلاف، وأتى على الأخضر واليابس في أرض النيلين، وبالأمس، ومع إشراقة شمس الثلاثاء، بدأت تباشير فجر جديد تلوح في أفق العاصمة المكلومة، فقد شهدت أحياء الشرق والجنوب الشرقي من الخرطوم انسحابات متسارعة لمقاتلي الميليشيا المتمردة، بينما يتقدم الجيش السوداني بخطى ثابتة، بعد أن بسط سيطرته على قلب وغرب المدينة خلال الأيام القليلة الماضية، وبدأ زحفه نحو الشرق والجنوب، تزايدت قوافل المركبات والآليات التابعة للميليشيا المنسحبة، تتجه صوب جسر خزان جبل أولياء في أقصى جنوب العاصمة، تسعى للعبور إلى الضفة الغربية، نحو مدينة أم درمان، إحدى المدن الثلاث التي تشكل العاصمة الكبرى، وفي حي بري الواقع شرقي الخرطوم، أعلنت غرفة الطوارئ التطوعية بفرح غامر عن خلو المنطقة من مقاتلي مليشيا الدعم السريع المتمردة، ابتهج الأهالي ونزلوا إلى الشوارع للاحتفال بانتهاء كابوس ثقيل جثم على صدورهم لأشهر طويلة، لكن الغرفة الطوعية وجهت نداءً عاجلاً للمواطنين بضرورة توخي الحذر وعدم التجول العشوائي أو لمس أي أجسام مجهولة قد تكون ألغاماً أو بقايا خطرة خلفها المقاتلون، كما دعتهم إلى التزام الهدوء وانتظار وصول قوات الجيش النظامي واتباع تعليمات الجهات المختصة، أحد المتطوعين في الحي، فضل عدم الكشف عن هويته، روى لصحيفة “العربي الجديد” كيف أن مقاتلي الميليشيا، قبل فرارهم المذعور في جنح الليل، عمدوا إلى نهب عدد من المحال التجارية التي كانت تمثل شريان حياة للأهالي، تاركين خلفهم بعض الأسلحة والمعدات في المنازل التي اتخذوها مقراً لهم، وأضاف بأسى: “لقد عاش أهل المنطقة أياماً عصيبة لم يروا مثلها قط، لكنهم اليوم يتنفسون الصعداء أخيراً”، وفي حي الصحافة جنوبي الخرطوم، عبر المواطنون عبر صفحاتهم على موقع فيسبوك عن فرحتهم بمغادرة أعداد كبيرة من مقاتلي الميليشيا لمعظم أرجاء الحي، أما في منطقة جنوب الحزام، فقد ساد هدوء حذر ومشوب بالترقب بعد تناقص أعداد المقاتلين واختفاء بعض نقاط تمركزهم، الناشط الاجتماعي عبد الله حمد، من منطقة جنوب الحزام، أوضح لصحيفة “العربي الجديد” أن الطرقات بدت شبه خالية من المارة، وأن غالبية التجار أغلقوا محالهم خوفاً من تداعيات الوضع، وأشار إلى أن جنوب الحزام كانت تعتبر من أكبر معاقل مليشيا الدعم السريع المتمردة في جنوب الخرطوم، وأن الأهالي يخشون من اندلاع معارك وشيكة في المنطقة، أما في جبل أولياء، فقد أفاد شهود عيان لصحيفة “العربي الجديد” بأن أعداداً هائلة من السيارات والمركبات العسكرية التابعة للدعم السريع تدفقت جنوباً، واحتشدت عند مدخل خزان جبل أولياء، في محاولة للعبور إلى مدينة أم درمان، المواطن علي الشيخ، الذي نزح مع أسرته من منطقة طيبة الحسناب إلى مدينة القطينة القريبة، وصف المشهد قائلاً : “وجدنا جسر الخزان مكتظاً بالسيارات العسكرية والمدنية التي يقودها مقاتلو الميليشيا، حافلتنا تحركت في الرابعة فجراً لنتمكن من العبور قبل تفاقم الازدحام، كما أخبرنا السائق”، هكذا، تتكشف فصول النهاية لحقبة دامية في تاريخ الخرطوم، وبين فرحة التحرر وحذر الترقب، يأمل السودانيون أن يكون هذا الانسحاب بداية لعودة الأمن والاستقرار، وأن تلتئم الجراح الغائرة التي خلفتها هذه الحرب اللعينة، وأن يعود السلام ليخضر يابس الوطن من جديد .. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي:- “سخرية القدر في زمن الحرب !!” في البدء، كنتُ شاهداً على مأساة وطني، السودان، وهو ينزف منذ الخامس عشر من أبريل لعام ألفين وثلاثة وعشرين، حرب ضروس اندلعت بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع المتمردة، حربٌ لم ترحم، قتلت الآلاف، وشردت الملايين، وأتت على الأخضر واليابس في أرضنا الطيبة، كنتُ أرى بأم عيني كيف تحولت مدننا إلى ساحات قتال، وكيف تلاشت أحلام أجيال في رمشة عين، كنتُ أسمع أنين الثكالى ويُتم الأطفال، وأشاهد بيوتنا تحترق وذكرياتنا تتلاشى مع الدخان، وفي هذا الأسبوع، شعرتُ بنبض الأمل يدب في أوصالنا، كشر الجيش السوداني عن أنيابه، عازماً على دحر هذه الميليشيا المتمردة من عاصمتنا الحبيبة الخرطوم ومن مدن أخرى اكتوت بنارهم، الحق يقال، لم يكن النصر حاسماً بعد، لكنني رأيت بأم عيني كيف بدأت فلول الميليشيا، بعد أن تجرعت مرارة الهزيمة في بعض المواقع، في الانسحاب، هنا، بلغ السخف ذروته، خرج علينا من يُدعى “الباشا طبيق”، وهو مستشار لقائد مليشيا الدعم السريع المتمردة، ليبرر هذا الانسحاب المهين بتبرير أضحكني حتى كادت أسناني تتطاير، زعم أن هذا الانسحاب ليس هزيمة، بل إن قواته “تريد فضاء عطلة عيد الفطر المبارك مع أسرهم!!”، ضحكتُ ملء شدقي وأنا أستمع إلى هذا الهراء، كم عيد مضى خلال هذه الحرب اللعينة؟ كم مناسبة عزيزة مرت ولم يتذكر فيها هؤلاء الغزاة أسرهم إلا في هذا العيد بالذات، بعد أن أذاقهم جنودنا الأبطال طعم الذلة والانكسار؟ أسئلة كثيرة جالت في خاطري في تلك اللحظة، هل يظنون أننا سذج إلى هذا الحد؟ هل يستخفون بعقولنا ودمائنا التي سالت؟ أين كانت هذه “الأسر” عندما كانوا يعيثون في أرضنا فساداً، يقتلون الأبرياء، وينهبون الممتلكات، ويشردون الآمنين؟ تذكرتُ الأعياد الماضية التي قضيناها في خوف ورعب، وأنا أستمع إلى دوي المدافع وأزيز الرصاص، تذكرتُ الأسر التي مزقتها الحرب، والأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم، والبيوت التي تحولت إلى أطلال، يا له من عذرٍ أقبح من فعل! ويا لها من سخرية قدرٍ تجعل المرء يضحك بكاءً، إنهم يهربون مذعورين أمام ضربات جيشنا، ثم يتسترون بعباءة العيد ليخففوا من وطأة هزيمتهم النكراء، لكن عزائي أن هذا الانسحاب، مهما حاولوا تبريره، هو في حد ذاته اعتراف بالضعف والانكسار، هو بشارة خير بأن فجر الخلاص قد بدأ يلوح في سماء السودان وأنا، الذي عشتُ مرارة هذه الحرب، أتطلع بشوق إلى اليوم الذي يعود فيه السلام إلى ربوع وطني، وتعود الحياة إلى طبيعتها، ونحتفل بأعيادنا القادمة في أمن وأمان، دون خوف أو وجل، وستبقى في ذاكرتي هذه السخرية المريرة، شاهدة على كذبهم وتضليلهم في أحلك الظروف .

This bitter mockery will remain in my memory, a witness to their lies and deception in the darkest of circumstances

وعلى قول جدتي:- “دقي يا مزيكا !!”.

خروج:- “تركيا: شرارة الاعتقال.. لهيب الاحتجاجات !!” ففي أرجاء تركيا، اشتعلت فتنة لم تكن بالحسبان، حينما طالت يد الاعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، قبل خمسة أيام خلت، قرارٌ هز أركان المشهد السياسي، وأطلق شرارة غضب عارم في نفوس المؤيدين، فما إن سرى نبأ اعتقال الرجل، الذي كان يمثل طموحات حزب “الشعب الجمهوري” في معترك الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2028م، حتى فاضت الشوارع بجموع المحتجين، تحدوا حظر التجمعات، وتدفقوا في مدن شتى لليلة الخامسة على التوالي، معلنين رفضهم لما اعتبروه ظلماً وتسييساً للقضاء، في المقابل، ارتفع صوت وزير الداخلية التركي، علي يرلي قايا، معلناً عن اعتقال ما يناهز الألف ومائة وثلاثة وثلاثين شخصاً في مختلف أنحاء البلاد منذ بداية هذه الموجة الغاضبة، ولم يغفل عن الإشارة إلى إصابة العشرات من رجال الشرطة خلال تلك المواجهات المتصاعدة، أما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فقد رأى في تلك الجموع الغاضبة “أعمال عنف”، محِّملاً حزب “الشعب الجمهوري” مسؤولية أي ضرر يلحق بالممتلكات العامة والخاصة، ودعا الحزب المعارض إلى الكف عن “تحريض” المواطنين، مؤكداً أن ما وصفه بـ “استعراضهم” سينتهي قريباً، وأنهم سيشعرون بالندم على ما فعلوه ببلادهم، وفي خضم هذا الاحتقان، أعلن اتحاد الصحافيين الأتراك عن اعتقال تسعة صحافيين أثناء تغطيتهم للاحتجاجات الليلية في مدن عدة، ليزيد هذا الإجراء من حدة التوتر ويطرح تساؤلات حول حرية الصحافة في ظل هذه الظروف، من جهته، نفى حزب “الشعب الجمهوري” الاتهامات الموجهة إليه، واصفاً قرار حبس إمام أوغلو بأنه قرار مسيس يتنافى مع أسس الديمقراطية، ودعا إلى مزيد من الاحتجاجات السلمية رفضاً لهذا القرار، أما الحكومة، فقد دافعت عن موقفها، مؤكدة استقلالية القضاء ونفيها لأي دوافع سياسية وراء التحقيقات، وبدوره، نفى إمام أوغلو الاتهامات الموجهة إليه بشدة، واصفاً إياها بـ “اتهامات وافتراءات لا يمكن تصورها”، ودعا أنصاره إلى التعبير عن رفضهم لهذا الظلم في كل مكان، وفي مشهد ديمقراطي لافت، وإن كان رمزياً، أعلنت بلدية إسطنبول عن مشاركة خمسة عشر مليون ناخب في انتخابات تمهيدية نظمها الحزب لاختيار مرشحه الرئاسي، رغم توقيف إمام أوغلو، وكشفت البلدية أن غالبية الأصوات، التي تجاوزت ثلاثة عشر مليوناً، جاءت من أعضاء الحزب، تعبيراً عن تضامن واسع مع رئيس بلديتهم الموقوف، هكذا، تحولت شرارة الاعتقال إلى لهيب احتجاجات عارم، كاشفة عن انقسام عميق في المجتمع التركي، ومثيرة لتساؤلات جوهرية حول مستقبل الديمقراطية والحريات في البلاد، وبين اتهامات بالعنف وتحريض، ودفاع عن استقلالية القضاء، يبقى المشهد السياسي في تركيا على صفيح ساخن، ينتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة من تطورات..

#أوققوا – الحرب

ولن أزيد،، والسلام ختام

 

[email protected]

 

‫3 تعليقات

  1. بختك يا دكتور الوجيه.. بكرة تنتهي هذه التمثيلية البغيضة ويطلع شيطان حركة السوء والدمار من القمقم ويقول ليك شبيك يا وجيه لبيك… كرسي الوزارة بين ايديك.. مبروك مقدما.. بس ضروري تربي اللحية وتتدرب على طريقة رفع الإصبع الواحد والتهليل والتكبير

  2. أنا عاوز اعرف فجر الخلاص السوداني دا، هل كان في أحد الأعوام ١٩٥٦م، ١٩٥٨م، ١٩٦٤م، ١٩٦٩م، ١٩٨٥م، ١٩٨٩م، ٢٠١٩م؟ أم لدى كتابة مقالك الذي يحمل البشارة للنازحين واللاجئين والمشردين ليبتهجوا بالخراب والدمار وسوء الحال وهم الذين اعتادوا على اصطناع الفرحة طيلة الأعوام المذكورة. هذا الشعب شعب مغيب وساذج ولا يعرف أن أزمته المزمنة تكمن في حكامه الطغاة الفاسدين لذا تجد أسباب الفرحة عند هذا الشعب ساذجة كسذاجته وهي أشبه بالكشكوش الذي يلاعب به الطفل حتى يتلهى ويضحك. ولا حول ولا قوة إلا بالله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..