
كانت سنوات منتصف الثمانينات تنذر بالتغيير، كانت البلاد تغلي تحت وطأة مؤثرات كثيرة، والحاجة للتغيير تبرز في كل المجالات، سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، والنذر تتكاثر، حتى قدم الاستاذ محمود الفداء الكبير للتغيير في يناير 1985، وما هي إلا شهور وسقط “هبل”.
في تلك اللحظات كان صوت محجوب شريف عاليا يملأ الآفاق، وظهر حميد والقدال، أصوات جديدة تحمل معنى وطعم مختلف. كل من حميد والقدال كانا معروفين قبل ذلك في دوائر محدودة، لكن تلك كانت سنوات الانتشار، فسمع الناس أناشيد الزنادقة “يا شيخ تلب” و”القبرو واشنطون” و”مسدار أبو السرة لليانكي” للقدال، و”نورة” ..و” رسائل ست الدار بت احمد جابر” لمحمد الحسن سالم “حميد” . وكان مصطفى سيد أحمد يحمل عوده وأحلامه وصوته الرنان واختياراته الشعرية المختلفة يجول بين المنتديات والجلسات الفنية مبشرا بفتح جديد في الغناء السوداني ” مّن مِن بين أبناء ذلك الجيل لم ينسخ جلسة مصطفى سيد أحمد في سنار..؟”.
في تلك الايام كانت كلية الفنون الجميلة ومعهد الموسيقى والمسرح تشكلان رأس الرمح في الحراك الثقافي والفني، وترفدان الساحة بكل ما هو جديد، وكانت ملتقى للمبدعين في كل المجالات. لو ذهبت لمعارض التخريج بكلية الفنون، أو عروض التخريج لمعهد الموسيقى والمسرح، فستجد المناسبتين عبارة عن تجمع كبير للمبدعين في كل المجالات.
وسط هذا الحراك كان الشاب النحيل القادم من مدني الجزيرة “عثمان النو” يتهيأ لتقديم مشروع التخرج من المعهد. فاختار نصا غريبا وعجيبا لمحمد طه القدال يشبه “الكولاج” بين شعره ورؤيته وبين نصوص شعبية قديمة أدخلها في النص فجاءت كأنها ابنته الشرعية، تلك كانت قصيدته “أمونة”
” ما ضهبت أقول لقيتك ..إتني في كل الخواتم و المياتم والنجيمات و العواتم والمغنين المطاليق، ما حزنت أقول رجيتك…..، نحن في حزن المخاليق ، الفرح جآييك وعد …غنوة أولاد التحاريق، كنتي في ليل الخوابي تهاتي بينات الطوابي، تحاكي جقليب السعي …، الوليدات خلّو حجرك ريح يفوفي، وعين مزرزرة من شقا الفرح المرابي ومنية الوعد الدعي…، إنت في خوفك تقاتل رفة الطير و الهفيف، وإنت في شوفك تخاتل عينة الجلبت خريف، أنت في اللالوبة مصلبة البنيات النسيمات الهفيف، وإنت في اللالوبة مشنقة الوليدات ناس نجومي ومحبس النفس الرهيف” …
كانت تلك هي أشهر أغنيات عقد الجلاد، التي عرفت بها فيما بعد ، لكن كان ميلادها، كما ذكرنا قبل ذلك بسنوات، وقد شارك في تقديمها بعض الطلاب والخريجين، ومعهم علي السقيد وعبد المنعم الخالدي.
بدأت فكرة الغناء الجماعي تختمر في ذهن عثمان النو ولا قت هوى عند بعض طلاب وخريجي المعهد، وبدأت التجارب والبروفات والتعديلات. ظهرت الفرقة لأول مرة في عام 1988، عروض صغيرة، ثم برنامج تليفزيوني كان بمثابة الإنفجار الكبير. جلس داخل الاستديو الدكتور عاصم خليفة الأستاذ بالمعهد كمقدم للبرنامج، وجلس أعضاء الفرقة، في تكوينها الأول ، عثمان النو، عوض الله بشير، أنور عبد الرحمن، شمت محمد نور، مجاهد عمر، ومنال بدر الدين، والراحلة حواء المنصوري على الكيبورد ومليجي على الإيقاع، وانفجر الاستديو بغناء جديد، لم يسمعه الناس من قبل.
قدمت الفرقة الجديدة 11 عملا خاصا في أول ظهور، وهو شئ لم يعتاده الناس، فقد كان الطبيعي أن يقدم الفنان نفسه بأغاني كبار الفنانين، ثم يبدا في تقديم أعماله الخاصة. كان من الملامح المميزة للفرقة هي النصوص التي اختارتها، وكلها نصوص متميزة ومختلفة، وبعضها لشعراء لم يكونوا معروفين، مثل أبن الابيض أحمد الغالي ” عيناك لي سقيا وحلاوة اللقيا، إن غابت الاصحاب وتركت مقهوراً، عارِ بلا انخاب ، اتلصص السقيا من فارغ الاكواب”.
كما قدمت ، كما ذكرنا أغنية القدال ” أمونة: واغنية حميد ” نورا بِتْ الواطة أخيتي، ..نورا اخُتْ كُلّ الغلابة، نورا حاحاية الشّقاوة ..، نورا هَدّاية الضّهابة، الأراضي اليَاما أدّتْ ..، نورا … بقّتْ من تُرابه، وماشي في الأعماق سحابة، مشتهنِّها .. والله جابه، الله جابا … الله جابا”.
لم تعتمد الفرقة على أسماء كبيرة أو معروفة، رغم أن المعهد كان ممتلئا بالنجوم، بل، وكما ذكرنا، شارك بعضهم في تقديم مشروع تخريج عثمان النو. كانت الفكرة أن الفرقة تريد أن تقدم نفسها كإسم جديد وكعمل جماعي، وجود أي نجم معروف ربما يرجع نجاح الفرقة له أو لاسمه. كان الملمح المهم أيضا في التجربة الجديدة هو اعتمادها على الاداء الصوتي، بحيث كانت الموسيقى عبارة عن إيقاع وخلفية لهذا الاداء الصوتي، ولهذا اعتمدت الفرقة على “vocalists” أي فنانون ذوو أصوات مميزة، وليس على الموسيقى الصاخبة.
يظهر هذا جليا في توزيع الاغنيات، فأحيانا يبرز صوت عوض الله بشير، أو مجاهد عمر، ثم يظهر صوت منال السوبرانو، ويدخل شمت محمد نور بـ”القرار” العجيب ويأتي صوت أنور عبد الرحمن الصداح في أغنية الشاعر عماد الدين إبراهبم ” لانك عندى كل الخير، وجيهك فرحة الدنيا، ودواخلك زى شعاع النور، عرفتك وكنت زى شفتك، قبل القاك، وزى انك بتنبعي من فرح جواى، تمسحي عن رؤاى الضيم، وتضحكي للزمان الجاى، وتتفجر مسامك ضي، مع الصبح الغشانا شوى، كأني معاك كائن حي، كأنو صفاك كأنو الحل..”
عندما بدأت العروض الجماهيرية، كانت الفرقة تردد في هذه الاغنية “لالا لا ” ثم تأتي منال بدر الدين بكلمة واحدة”لالا” فتقوم قيامة الحضور.
كانت تلك أيام…ونتابع
حتى قدم الاستاذ محمود الفداء الكبير للتغيير في يناير 1985
بالغت يا استاذ فيصل فى الحتة دى
بل قدم الجزاء الكبير وان نسيتا ولن ننسى تلكم المواقف المخزية لمحمود محمد طه والاخوان الجمهوريين فى كتيبهم الاسود لماذا نؤيد مايو وصفاقتهم السياسية في سعادتهم وتأييده لمايو وهى تسحل خصومهم السياسيين حتى انقلب السحر على الساحر فوجد الشيخ الهرم نفسه تحت مقصلة مايو التي لا ترحم
لا تعليق.