صاحب العقل يميز : عن عبثية حرب بلا كرامة

حسن عبد الرضي الشيخ
حين يُشعل البعض فتيل حرب عبثية، ثم يطلقون عليها أسماءً براقة مثل “حرب الكرامة”، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو : أي كرامة تُنال عبر الخراب؟ وأي مجد يتجلى وسط الجثث والدمار؟ وحده صاحب العقل يميز الحقيقة وسط الضجيج، ويدرك أن الحرب ليست إلا طاحونة تطحن الأبرياء، بينما يصفّق لها تجار الأوهام والمستفيدون من استمرارها.
الموقف الرافض للحرب لا يحتاج إلى شروح طويلة، لأن رفض الدمار موقف إنساني أصيل لا تفسيرات معقدة له. لكن العجب العجاب في هؤلاء الذين يصرّون على تأييد الحرب، والذين يمكن تصنيفهم في مشهد سريالي يثير الأسى والضحك معًا.
فما هي أنماط مؤيدي الحرب؟ إليكم بعض المشاهد من تلك الكوميديا السوداء :
الانتقامي المزمن : يرى في الحرب فرصة لتصفية الحسابات القديمة. قد يكون قد ظُلم يومًا أو رأى نفسه مهمشًا، لكنه الآن يريد أن يُسقط البلاد كلها في حفرة انتقامه، غير مكترث بأن النار التي يشعلها ستحرق الجميع، بما فيهم هو نفسه.
المستفيد الانتهازي: الحرب بالنسبة له ليست سوى سوق مفتوح للثراء السريع، سواء عبر تجارة السلاح، أو نهب المساعدات، أو المضاربة السياسية. إنه “وطني” حتى النخاع، لكن وطنيته تُقاس بالدولارات التي تدخل جيبه كلما اشتد أوار الحرب.
الجاهل المقدّس : يصرخ في كل محفل بأن الحرب واجب وطني، دون أن يعرف لماذا، ولا كيف، ولا إلى متى. هو أشبه بمن أُعطي عصًا ليضرب بها، فراح يضرب بلا تفكير، معتقدًا أن الصراخ أعلى من التفكير.
المحارب الافتراضي : يجلس خلف لوحة المفاتيح، يحرّض، ينشر الأكاذيب، ويرسم انتصارات وهمية على شاشات الإنترنت. هو بطل المعارك التي لا يخوضها، والعبقري الذي لا يقرأ، لكنه قادر على التنظير في كل شيء.
أصحاب المصالح المعطّلة : يرون أن الحرب، رغم كل مآسيها، قد تكون وسيلتهم لاستعادة نفوذهم، سواء في السلطة أو التجارة أو المؤسسات الأمنية. بالنسبة لهم، الحرب ليست نهاية، بل مجرد وسيلة لإعادة ترتيب الأوراق لصالحهم.
المليون بليد : هؤلاء لا يعلمون لماذا بدأت الحرب، ولا كيف ستنتهي، ولا يدركون حتى أنهم وقودها. هم الكتلة الصامتة التي تُستغل لتمرير كل الكوارث، باسم الوطنية أو العقيدة أو الشرف، بينما لا يدركون أنهم مجرد أحجار شطرنج في يد من يُحرّكونهم.
فلتعلموا يا هؤلاء ويا هؤلاء أن الحرب لا تصنع الأوطان.
كل الحروب في التاريخ لم تصنع وطنًا، ولم تخلق كرامة. الحرب وسيلة الحمقى عندما يفشل العقل، وعندما يُستبدل الحوار بالصراخ، والتعايش بالدم. من يبحث عن الكرامة وسط جثث الأطفال، ومن يظن أن المجد يُبنى على أطلال المدن، فهو واهم، وواهم جدًا. ووحده صاحب العقل يميز.
إدعاء المثالية مرض عضال …. شفاك الله منه.
الحرب هي الجولة التفاوضية الأخيرة بعد فشل كل المباحثات قبلها …. ما لم يتفقوا عليه كلاما سيفرضه صاحبه بقوة السلاح.